فيينا – (رياليست عربي): في خطوة تهدف إلى تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية، أعلنت ثماني دول من تحالف أوبك+ عن اتفاقها زيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يومياً خلال شهر يوليو المقبل. هذا القرار يأتي في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تقلبات حادة في أسعار الخام، وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتصاعد التوترات الجيوسياسية في عدة مناطق منتجة للنفط.
تحليل الخلفية الاقتصادية لهذه الزيادة يكشف عن معطيات مهمة. فمنذ بداية عام 2025، ظل تحالف أوبك+ يحافظ على سياسة الإنتاج الحذرة، رغم الضغوط المتزايدة من الدول المستهلكة الكبرى لضخ مزيد من الإمدادات في الأسواق.
البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة تشير إلى أن الطلب العالمي على النفط سجل نمواً بنسبة 2.1% خلال الربع الأول من 2025، بينما لم تواكب الإمدادات هذا النمو بسبب القيود المفروضة على بعض الدول المنتجة.
الدول الثماني التي وافقت على زيادة الإنتاج تشمل كلاً من السعودية والعراق والإمارات والكويت ونيجيريا والكونغو والجابون وأذربيجان. هذه الخطوة تمثل استجابة جزئية للضغوط الدولية المتزايدة، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد طالبا مراراً بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار التي لا تزال أعلى من مستويات ما قبل الأزمة، جدير بالذكر أن هذه الزيادة تمثل حوالي 0.4% من إجمالي الإنتاج العالمي اليومي، وهو ما قد لا يكون كافياً لتحقيق استقرار كبير في الأسعار.
التفاصيل الفنية للاتفاق تشير إلى أن الزيادة ستكون موزعة بشكل غير متساو بين الدول الأعضاء. السعودية، القائد الفعلي للمجموعة، ستساهم بأكبر حصة من الزيادة المقترحة، تليها العراق والإمارات. هذا التوزيع يأتي في إطار سياسة أوبك+ التي تهدف إلى الحفاظ على توازن دقيق بين مصالح الدول المنتجة المختلفة، مع مراعاة القدرات الإنتاجية الفعلية لكل دولة.
الخبراء في مجال الطاقة يختلفون حول تأثير هذه الخطوة على الأسواق. بعض المحللين يرون أن الزيادة المعلنة لن تكون كافية لتعويض النقص في الإمدادات الناتج عن العقوبات المفروضة على بعض المصدرين الكبار مثل روسيا وإيران وفنزويلا. تقارير منظمة أوبك نفسها تشير إلى أن سوق النفط العالمية قد تشهد عجزاً يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً خلال الربع الثالث من 2025 إذا استمرت المعدلات الحالية للإنتاج والاستهلاك.
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل محاولة من أوبك+ للحفاظ على مكانتها كمنظم لسوق النفط العالمي في مواجهة التحديات المتزايدة. فمع تسارع وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة وتراجع الاعتماد على الوقود الأحفوري في بعض الاقتصادات الكبرى، يواجه التحالف ضغوطاً متزايدة لتعديل استراتيجيته على المدى المتوسط والبعيد. البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن استثمارات الطاقة المتجددة تجاوزت استثمارات النفط والغاز لأول مرة في التاريخ عام 2024، وهو ما يفرض على الدول المنتجة إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية.
في السياق الجيوسياسي، تأتي هذه الزيادة في وقت تشهد فيه العلاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة توترات متزايدة. القمة الأخيرة لمجموعة العشرين شهدت خلافات حادة حول سياسات الطاقة، مع إصرار الدول الأوروبية على ضرورة خفض الأسعار لتخفيف الأعباء عن الاقتصادات التي لا تزال تعاني من تداعيات الأزمات المتتالية. في المقابل، تؤكد دول أوبك+ أن سياساتها تهدف إلى تحقيق استقرار السوق على المدى الطويل، وليس مجرد الاستجابة للمطالب قصيرة الأجل.
التوقعات المستقبلية تشير إلى أن تحالف أوبك+ قد يضطر إلى إجراء المزيد من التعديلات على سياسة الإنتاج خلال الأشهر المقبلة. العوامل الموسمية مثل زيادة الطلب خلال الصيف في نصف الكرة الشمالي، بالإضافة إلى التطورات الجيوسياسية في مناطق مثل الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ستلعب دوراً حاسماً في تحديد مسار السياسات الإنتاجية للتحالف. بعض المحللين يتوقعون أن المجموعة قد تعلن عن زيادة أخرى في الإنتاج خلال الربع الثالث إذا استمرت الأسعار في الارتفاع فوق المستويات المستهدفة.
في الختام، قرار أوبك+ الأخير يعكس محاولة دقيقة لموازنة بين مصالح الدول المنتجة والمستهلكة في سوق النفط العالمية. بينما قد لا تحقق الزيادة المعلنة استقراراً فورياً في الأسعار، فإنها تشير إلى استعداد التحالف للتكيف مع المتغيرات المتسارعة في المشهد العالمي للطاقة. مع استمرار التحولات الكبرى في قطاع الطاقة العالمي، ستظل سياسات أوبك+ تحت المجهر، حيث تحاول المجموعة الحفاظ على أهميتها في نظام طاقي يشهد تحولات تاريخية.