بكين – (رياليست عربي). أظهرت بيانات شهر نوفمبر أن التباطؤ الاقتصادي في الصين بات أكثر ترسخا، مع تسجيل مبيعات التجزئة أضعف نمو سنوي لها منذ عام 2022، وتراجع الاستثمار بوتيرة أشد، ما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه صانعي السياسات في تحويل الاقتصاد نحو الاعتماد على الطلب المحلي.
وجاءت جميع المؤشرات الاقتصادية المحلية الرئيسية دون التوقعات خلال الشهر، في إشارة إلى صعوبة جعل استهلاك الأسر — بدلا من الصادرات والاستثمار — المحرك الأساسي للنمو اعتبارا من عام 2026. ووفقا لبنك ING، فإن الإشارات الأخيرة الصادرة عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي ومؤتمر العمل الاقتصادي المركزي تؤكد أن تعزيز الطلب المحلي ورفع دخول الأسر سيكونان على رأس أولويات السياسة الاقتصادية في المرحلة المقبلة.
وتباطأ نمو مبيعات التجزئة إلى 1.3% على أساس سنوي في نوفمبر، مقارنة بـ2.9% في أكتوبر. وعزا ING هذا التراجع بشكل أساسي إلى تلاشي أثر برنامج دعم استبدال السلع، الذي شجع المستهلكين في البداية على استبدال الأجهزة القديمة، لكنه فشل في خلق طلب مستدام.
ومع انحسار تأثير البرنامج، تراجعت مبيعات الأجهزة المنزلية بنسبة 19.4% على أساس سنوي، ما شكل عبئا كبيرا على الأداء العام لمبيعات التجزئة. كما أثرت التحولات في سوق السيارات، حيث أدى الانتقال نحو المركبات الكهربائية إلى تراجع مبيعات الوقود بنسبة 8%، بينما ساهمت عمليات الشراء السابقة في انخفاض مبيعات السيارات بنسبة 8.3%.
وسجلت بعض القطاعات أداء أفضل نسبيا، مثل خدمات المطاعم، ومستحضرات التجميل، والمواد الغذائية الأساسية، والذهب والمجوهرات، إلا أن هذه المكاسب لم تكن كافية لتعويض الضعف الواسع في إنفاق المستهلكين.
أما الاستثمار، فواصل تسجيل اتجاهات سلبية. إذ انكمش الاستثمار في الأصول الثابتة — الذي يشمل البنية التحتية والصناعة والعقارات — بشكل أعمق في نوفمبر، مع تراجع كل من الاستثمارين العام والخاص. وكان الانخفاض أسرع في الاستثمار الخاص، ما أثار مخاوف بشأن مستوى الثقة لدى قطاع الأعمال.
ويظل قطاع العقارات من أكبر العوامل الضاغطة على الاقتصاد. فقد واصلت أسعار المنازل في 70 مدينة صينية رئيسية انخفاضها خلال نوفمبر، مع تراجع أسعار المساكن القائمة بوتيرة أسرع من المنازل الجديدة. ومنذ ذروتها، انخفضت أسعار المنازل الجديدة بأكثر من 12%، بينما تراجعت أسعار المنازل القائمة بأكثر من 20%، ما أثر سلبا على ثروة الأسر وثقتها.
كما ظل الاستثمار العقاري في تراجع حاد، ما يعزز الشكوك حول إمكانية تجاوز أزمة الإسكان التي بدأت عام 2021 بعد تشديد القيود على اقتراض المطورين. ورغم إشارات السلطات إلى تكثيف الجهود لاستقرار القطاع، بما في ذلك دعم الإسكان الميسر وامتصاص الفائض في المعروض، فإن آفاق التعافي المستدام لا تزال غير واضحة.
في المقابل، برز الإنتاج الصناعي كنقطة مضيئة نسبيا. فقد تباطأ نموه بشكل طفيف إلى 4.8% على أساس سنوي في نوفمبر، لكنه ظل متماسكا بفضل الأداء القوي في قطاعات مثل معدات السكك الحديدية، وبناء السفن، والطيران، والسيارات، والروبوتات الصناعية، وأشباه الموصلات. وأسهم الطلب الخارجي في دعم نشاط المصانع رغم ضعف الطلب المحلي.
غير أن محللين يحذرون من مخاطر محتملة في الفترة المقبلة، إذ قد تؤدي التوترات التجارية المتصاعدة وعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية إلى الضغط على الصادرات في 2026، بينما تواصل أسعار العقارات الضعيفة كبح ثقة المستهلكين.
وبصورة عامة، تشير بيانات نوفمبر إلى تباطؤ واسع النطاق وعميق الجذور. ورغم أن أهداف النمو لهذا العام لا تزال في المتناول، فإن الانتقال إلى نموذج نمو يقوده الاستهلاك يبدو مرشحا لأن يكون صعبا وغير مضمون في المدى القريب.






