بروكسل – (رياليست عربي). تدخل أوروبا مرحلة حاسمة في سباق بناء مراكز البيانات مع صعود الذكاء الاصطناعي عالمياً، إذ يرتفع الطلب على قدرات حوسبة غير مسبوقة. ومع ذلك، يحذّر محللون من أن القيود المزمنة على إمدادات الكهرباء والعمليات التنظيمية البطيئة ستحدد أين وكيف ستتمكن القارة من المنافسة خلال العقد المقبل.
وبحسب تقديرات بانكاج ساشديفا من «ماكينزي»، من المتوقع أن تضاعف أوروبا سعتها من مراكز البيانات بحلول عام 2030، ضمن طفرة عالمية قد تُكلّف ما يصل إلى 7 تريليونات دولار. ورغم أن الولايات المتحدة ستقود التوسع، فإن أوروبا «تواكب الإيقاع» وتضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية المستقبلية.
أزمة كهرباء تعيد رسم الخريطة
أكبر عنق زجاجة أمام التوسع الأوروبي هو الحصول على الكهرباء. فدول الشمال وإسبانيا — بفضل الطاقة الكهرومائية والفوائض المتجددة — تجتذب المشاريع الكبرى، بينما تواجه ألمانيا والمملكة المتحدة وإيرلندا وهولندا شحاً حاداً في الشبكات أدى عملياً إلى تجميد تراخيص جديدة. وتبرز إيطاليا بوصفها نقطة مضيئة نادرة بفضل سرعة ربط المشاريع بالشبكات.
وتضيف صدمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا مزيداً من التعقيد. فالوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن يتجاوز استهلاك الطاقة المرتبط بالذكاء الاصطناعي 1000 تيراواط/ساعة بحلول 2026 — أي أكثر من الضعف خلال ثلاث سنوات فقط. عدة دول بدأت إصلاح قواعد تخصيص الطاقة، فيما انتقلت بريطانيا من مبدأ «الأولوية لمن يصل أولاً» إلى «الأولوية لمن يجهز أولاً» للحد من المضاربات.
القيادة ليست في مراكز التدريب… بل في مراكز التشغيل
ويرى خبراء أن أوروبا لن تتصدر سباق منشآت التدريب الهائلة الخاصة بنماذج الذكاء الاصطناعي، وهي ساحة يهيمن عليها الأمريكيون. وبدلاً من ذلك، سيأتي الجزء الأكبر من النمو من مراكز الحوسبة السحابية ومنشآت الاستدلال (AI inference)، والتي قد تمثل 70% من الطلب المستقبلي. كما تدفع قواعد «الذكاء الاصطناعي السيادي» عدداً من الدول للحدّ من خروج البيانات والأعباء الحوسبية خارج الحدود الأوروبية.
أمام هذا الواقع، يلجأ المطورون والمستثمرون إلى عقود طويلة الأجل مع المستأجرين لتفادي الأصول العالقة، بينما تفرض الحكومات معايير بيئية صارمة ومتطلبات لتبرير اختيار المواقع، ما يضطر الشركات إلى تصميم مراكز عالية الكفاءة ومندمجة مع المجتمعات المحلية. وتدرس إسبانيا اقتراح إلزام المشاريع بتقديم تقارير حول أثرها الاجتماعي والاقتصادي.
ندرة اليوم قد تتحول إلى ميزة الغد
ورغم التحديات القريبة، يرى محللون أن الندرة قد تتحول إلى ميزة استراتيجية لأوروبا على المدى الطويل، إذ تحدّ من خطر فائض المعروض وترفع قيمة الأصول. وقال أحد مديري الصناديق: «كلما كان من الصعب تكرار شيء ما في أوروبا، أصبحت قيمته أكثر استدامة».
حالياً، يتجه المستثمرون إلى إعادة توظيف المواقع الصناعية القديمة ذات خطوط الكهرباء القوية — وهي استراتيجية تعتبر الأسرع لفتح طاقات جديدة. ومع مرور الوقت، يمكن أن تشكّل مزيج أوروبا الفريد من القيود واللوائح ومتطلبات السيادة الرقمية نموذجاً مختلفاً لتنمية مراكز البيانات، وربما أكثر متانة من نهج التوسع السريع في الولايات المتحدة.






