واشنطن – (رياليست عربي): أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول منح إيران “فرصة ثانية وأخيرة” للتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والدبلوماسية. جاءت هذه التصريحات في سياق حملة ترامب الانتخابية، مما يضفي عليها أهمية خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي تظهر تقدمه على الرئيس الحالي جو بايدن.
يأتي هذا التصريح في وقت حرج للغاية، حيث تواصل إيران تقدمها في برنامجها النووي، معلنة مؤخراً عن تحقيقها تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي خطوة تقربها بشكل خطير من القدرة على إنتاج أسلحة نووية. من جهة أخرى، تعاني الاقتصاد الإيراني من وطأة العقوبات الأمريكية، حيث تجاوز معدل التضخم 50% ووصلت البطالة إلى مستويات قياسية.
المعطيات الحالية تشير إلى أن ترامب يسعى لفرض شروط أكثر صرامة من تلك التي كانت في الاتفاق النووي السابق (JCPOA). وتشمل هذه الشروط المزعومة قيوداً شاملة على أنشطة التخصيب، ووقفاً كاملاً لتطوير الصواريخ الباليستية، وإنهاء الدعم للميليشيات الإقليمية، بالإضافة إلى آلية تفتيش أكثر شمولاً ودقة. هذه الشروط تبدو صعبة التحقيق من وجهة النظر الإيرانية، خاصة في ظل التمسك الإيراني التاريخي ببرنامجها الصاروخي ودعمها لحلفائها في المنطقة.
الرد الإيراني الأولي على هذه التصريحات جاء متحفظاً، مع التأكيد على أن أي مفاوضات جديدة يجب أن تبدأ برفع العقوبات أولاً. هذا الموقف يعكس التصدعات العميقة بين الجانبين، حيث ترفض طهران أي تنازلات دون ضمانات ملموسة بإنهاء الحصار الاقتصادي. من جهتها، أبدت روسيا، الحليف التقليدي لإيران، دعمها لعودة المفاوضات ولكن بشروط “عادلة”، في إشارة إلى ضرورة مراعاة المصالح الإيرانية.
على الصعيد الإقليمي، عبرت إسرائيل عن تشككها العميق في جدوى أي اتفاق جديد مع إيران. المصادر الإسرائيلية تشير إلى أن تل أبيب تفضل الاستمرار في سياسة الضغوط القصوى بدلاً من الدخول في مفاوضات قد تمنح طهران مكاسب دون ضمانات كافية. هذا الموقف الإسرائيلي يضيف طبقة إضافية من التعقيد على المعادلة، خاصة في ظل العلاقة الخاصة بين ترامب والحكومة الإسرائيلية.
التداعيات الاقتصادية لهذه التطورات بدأت تظهر بالفعل في الأسواق العالمية. شهدت أسعار النفط تقلبات حادة، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 3% بعد تصريحات ترامب، في مؤشر على حساسية الأسواق لأي تطورات في الملف النووي الإيراني. المحللون الاقتصاديون يحذرون من أن فشل المحادثات قد يؤدي إلى اضطرابات أكبر في أسواق الطاقة، مع احتمالية ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.
في الخلفية، تبرز معضلة إيرانية عميقة. فمن ناحية، تدرك القيادة في طهران الحاجة الملحة لإنهاء العقوبات لإنقاذ الاقتصاد المنهك. ومن ناحية أخرى، تخشى من أن أي تنازلات كبيرة قد تقوض شرعيتها الداخلية وتضعف موقعها الإقليمي. هذا التوازن الدقيق يجعل من الصعب التنبؤ بالمسار الذي قد تسلكه طهران في الأشهر المقبلة.
المشهد الحالي يطرح عدة سيناريوهات محتملة. في حال فوز ترامب بالانتخابات، قد نشهد جولة جديدة من المفاوضات المكثفة تحت وطأة عقوبات مشددة، وقد تشهد المنطقة سياسة أكثر اعتدالاً مع إمكانية تخفيف تدريجي للعقوبات. السيناريو الأسوأ، والذي يخشاه الكثيرون، هو فشل المفاوضات واندلاع مواجهة عسكرية قد تكون لها تداعيات كارثية على استقرار المنطقة وأمن الطاقة العالمي.
في النهاية، تبقى التساؤلات الكبرى معلقة: هل تمتلك إيران المرونة الكافية لقبول شروط صارمة؟ وهل يملك ترامب فعلاً خطة واقعية لتحقيق اختراق في هذا الملف المعقد؟ الإجابات على هذه الأسئلة ستحدد إلى حد كبير ملامح الخريطة الجيوسياسية للمنطقة في السنوات المقبلة.