واشنطن – (رياليست عربي): شهدت الأسواق المالية العالمية يوم 22 مايو 2025 صدمة كبرى مع هبوط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ عامين، في تحول مفاجئ أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل العملة الخضراء، هذا التراجع لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة تراكم عوامل اقتصادية وسياسية دفعت بالدولار إلى هذا المستوى المتدني.
تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة كانت الشرارة الأولى لهذا الانهيار. فبعد أشهر من التلميحات بخفض أسعار الفائدة، بدأ المستثمرون بالتحول تدريجياً عن الدولار بحثاً عن عملات أخرى توفر عوائد أعلى. اليورو واليوان الصيني كانا من أكبر المستفيدين من هذا التحول، حيث عززت البنوك المركزية الأوروبية والصينية من سياساتها النقدية لجذب رؤوس الأموال.
لكن العامل الأكثر خطورة كان تآكل الثقة في الاقتصاد الأمريكي نفسه. فبيانات النمو الأخيرة أظهرت تباطؤاً واضحاً، مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع مؤشرات الاستهلاك. هذه المؤشرات السلبية دفعت العديد من صناديق الاستثمار الكبرى إلى إعادة تقييم استثماراتها بالدولار، والبحث عن خيارات أكثر أماناً مثل الذهب أو العملات الرقمية.
على الصعيد الجيوسياسي، لعبت العقوبات الغربية المتكررة ضد روسيا والصين دوراً محورياً في تقليل الاعتماد على الدولار. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة تحولاً متسارعاً نحو أنظمة دفع بديلة، خاصة في التجارة بين الدول التي تتعرض للعقوبات. هذا التحول قلص بشكل ملحوظ من هيمنة الدولار في المعاملات الدولية، وأعطى دفعة قوية للعملات المحلية.
التداعيات الاقتصادية لهذا التراجع قد تكون بعيدة المدى. فمن ناحية، ستعاني الولايات المتحدة من ارتفاع تكاليف الواردات مما قد يزيد من معدلات التضخم. ومن ناحية أخرى، ستستفيد الدول النامية المثقلة بالديون المقومة بالدولار، حيث ستصبح أقساط ديونها أخف وطأة. الأسواق الناشئة بشكل خاص قد تشهد تدفقاً استثمارياً جديداً مع تحول المستثمرين عن الأصول الأمريكية.
السؤال الأهم الآن: هل هذا التراجع مؤقت أم أنه بداية نهاية هيمنة الدولار؟ بعض الخبراء يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي قادر على عكس هذا الاتجاه عبر سياسات نقدية أكثر تشدداً. بينما يرى آخرون أننا أمام تحول بنيوي في النظام المالي العالمي، حيث لم يعد الدولار اللاعب الوحيد في الساحة الدولية.
ما يزيد من تعقيد المشهد هو التوجه العالمي المتزايد نحو تعددية العملات. فالصين تواصل تعزيز مكانة اليوان في التجارة الدولية، بينما تعمل دول البريكس على تطوير أنظمة دفع خارج إطار الدولار. حتى بعض الحلفاء التقليديين لأمريكا بدأوا يخففون من اعتمادهم على العملة الخضراء في تجارتهم الثنائية.
في الختام، بينما لا يزال الدولار يحتفظ بمكانته كأهم عملة احتياطية في العالم، فإن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن نظام Bretton Woods الثاني قد يكون في طور التشكل. الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كنا نشهد مجرد تصحيح مؤقت في سوق العملات، أم أننا على أعتاب تغير جذري في موازين القوة الاقتصادية العالمية.