موسكو – (رياليست عربي): تشهد العلاقات بين أوكرانيا والمجر مرحلة جديدة من التوتر بعد اتهامات بودابست لكييف بالتورط في أنشطة تجسسية على أراضيها، في تطور يضيف بُعداً جديداً للخلافات العميقة القائمة بين البلدين. يأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية توتراً غير مسبوق منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تتبنى المجر مواقف تتعارض مع الخط العام للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بدعم أوكرانيا.
تفاصيل فضيحة التجسس المزعومة تكشف عن تعقيدات الموقف، حيث أعلنت السلطات المجرية عن اعتقالها لشخصيات متورطة في شبكة تجسسية تديرها أجهزة أمنية أوكرانية، وهو ما نفته كييف جملة وتفصيلاً. هذه التهمة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن تبادل البلدان اتهامات مماثلة في السنوات الأخيرة، لكنها تأتي هذه المرة في سياق أكثر حساسية بسبب الأوضاع الجيوسياسية الحالية.
الخلفية التاريخية للعلاقات بين البلدين تساعد في فهم أسباب هذا التوتر المتصاعد. فالمجر تطالب منذ سنوات بتحسين أوضاع الأقلية المجرية في أوكرانيا، وخاصة في منطقة زاكارباتيا، حيث تعيش جالية مجرية كبيرة. كما أن بودابست تنتقد باستمرار السياسات التعليمية واللغوية الأوكرانية التي تراها تمييزية ضد الأقليات. من جهة أخرى، تتهم أوكرانيا المجر بالتقارب مع روسيا وعرقلة المساعدات الأوروبية والأطلسية لكييف.
تداعيات هذه الأزمة قد تمتد إلى الساحة الأوروبية والدولية. فالمجر بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان تتبنى مواقف مستقلة عن الخط العام للاتحاد الأوروبي في ملف الدعم الأوكراني، مما يضعها في مواجهة مع بروكسل ومع العديد من الحلفاء الأوروبيين. كما أن هذه الفضيحة قد تزيد من تعقيد عملية صنع القرار داخل حلف الناتو، حيث تسعى المجر إلى لعب دور الوسيط بين الغرب وروسيا.
على الصعيد الداخلي، قد تستخدم الحكومة المجرية هذه القضية لتبرير سياستها المتمسكة بضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع الأوكراني الروسي، في مقابل الموقف الأوكراني والأوروبي الداعم لاستمرار الحرب حتى تحقيق النصر الأوكراني. كما قد تشكل هذه الأزمة اختباراً لقدرة الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على وحدة الصف في ظل تباين المواقف بين أعضائه.
في المقابل، تواجه أوكرانيا تحدياً جديداً في علاقاتها الدولية، حيث أن اتهامات التجسس قد تضعف من موقفها الأخلاقي في الصراع مع روسيا، وتقدم ذريعة للدول المترددة في دعمها لمواصلة سياستها الحالية. كما أن هذه الأزمة قد تؤثر على التنسيق الأمني بين كييف وحلفائها الغربيين، خاصة في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
التداعيات الاقتصادية المحتملة لهذه الأزمة لا تقل أهمية عن الجوانب السياسية. فقد تؤثر التوترات الجديدة على التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في مجال الطاقة والنقل، حيث تعتمد أوكرانيا جزئياً على المرور عبر الأراضي المجرية لصادراتها. كما قد تتعرض المشاريع الاقتصادية المشتركة للمراجعة في ظل هذا المناخ المتوتر.
في الإطار الإقليمي الأوسع، قد تسعى روسيا لاستغلال هذه الخلافات لتعزيز انقسامات داخل المعسكر الأوروبي الداعم لأوكرانيا. كما أن الدول المجاورة الأخرى التي لديها خلافات مع أوكرانيا، مثل بولندا بسبب قضية الحبوب، قد تجد في هذه الأزمة نموذجاً للتعامل مع كييف.
في الختام، تمثل فضيحة التجسس المزعومة بين أوكرانيا والمجر حلقة جديدة في سلسلة التوترات التي تشهدها العلاقات الثنائية، لكنها تأتي في لحظة بالغة الحساسية قد تحدد ملامح الخريطة الجيوسياسية للمنطقة في الفترة المقبلة. تبقى قدرة الأطراف المعنية على احتواء الأزمة وعدم السماح لها بالتأثير على التحالفات الإقليمية والدولية هي التحدي الأكبر في المرحلة الراهنة.