برلين – (رياليست عربي): كشفت الحكومة الألمانية النقاب عن خطة استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل جيشها “بوندسفير” إلى القوة العسكرية الأولى في أوروبا، في إطار مسعى لتعزيز الدور الألماني على الساحة الدولية. تأتي هذه المبادرة التي تحمل شعار “جعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى” في ظل تحولات جيوسياسية كبرى أعقبت الحرب في أوكرانيا، مما دفع برلين إلى إعادة النظر في أولوياتها الأمنية بشكل جذري.
تشير الوثائق الرسمية إلى أن الخطة تتضمن زيادة غير مسبوقة في الميزانية العسكرية لتتجاوز حاجز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تركيز خاص على تحديث منظومات التسليح التقليدية والمتطورة. ومن أبرز بنود هذه الاستراتيجية شراء طائرات مقاتلة من الجيل السادس، وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، وتطوير البنية التحتية اللوجستية للقوات المسلحة. كما تتضمن الخطة توسيعاً كبيراً في أعداد الجنود والضباط، مع إطلاق برامج تدريبية مكثفة لرفع الكفاءة القتالية.
هذا التحول الكبير في السياسة الدفاعية الألمانية يكتسب أهمية خاصة في ضوء التاريخ الألماني الحديث، حيث ظلت البلاد لعقود تتجنب أي بادرة قد تذكر بالطموحات العسكرية التي ميزت حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية. لكن التغيرات الدراماتيكية في البيئة الأمنية الأوروبية، خاصة مع التهديدات الروسية المتصاعدة، دفعت النخبة السياسية في برلين إلى تبني رؤية جديدة أكثر جرأة في المجال الدفاعي.
على الصعيد الداخلي، أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والأكاديمية. فبينما يؤيدها تحالف الأحزاب الحاكمة باعتبارها ضرورة استراتيجية، تعتبرها بعض قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني خطوة خطيرة نحو عسكرة السياسة الخارجية الألمانية. ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تأييد غالبية الرأي العام الألماني لتعزيز القدرات الدفاعية في ظل التحديات الأمنية الراهنة.
على المستوى الإقليمي، تثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل التوازنات العسكرية داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. فبينما يرحب بعض الشركاء الأوروبيين بهذه الخطوة باعتبارها تعزيزاً للأمن الجماعي، يبدي آخرون تحفظات من عودة النفوذ العسكري الألماني إلى الواجهة. وتكشف الوثائق الدبلوماسية عن مناقشات مكثفة تجري حالياً بين برلين وعواصم أوروبية كبرى لتنسيق المواقف إزاء هذا التحول الاستراتيجي.
من الناحية الصناعية، من المتوقع أن تحقق هذه الخطة دفعة قوية للقطاع الدفاعي الألماني الذي يضم شركات عملاقة مثل “راينميتال” و”كراوس-مافاي فيغموند”. وقد بدأت هذه الشركات بالفعل في التوسع وزيادة طاقتها الإنتاجية استعداداً للعقود الحكومية المتوقعة. كما تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الخطة ستخلق آلاف الوظائف الجديدة في مجال الصناعات الدفاعية والتقنيات العسكرية المتطورة.
في السياق الأوروبي الأوسع، تندرج هذه المبادرة ضمن جهود ألمانية لتعزيز مفهوم “أوروبا الدفاعية” بالتعاون مع شركاء رئيسيين مثل فرنسا وبولندا. وتكشف المصادر عن مفاوضات جارية لتنسيق البرامج العسكرية المشتركة وتبادل الخبرات في مجال التدريب والتسليح. ويعتبر المراقبون أن هذا التوجه يعكس رغبة ألمانية في لعب دور قيادي في تشكيل الهيكل الأمني الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.