واشنطن – (رياليست عربي): أعلن مستشارون مقربون من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن نيته إعادة بناء العلاقات مع روسيا في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024، هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والدبلوماسية، خاصة في ظل التوترات الحادة بين واشنطن وموسكو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
الخلفية التاريخية للعلاقات الأمريكية الروسية خلال فترة رئاسة ترامب الأولى (2017-2021) تشير إلى محاولات مستمرة للتقارب، رغم المعارضة الشديدة من داخل المؤسسة السياسية الأمريكية، البيانات الرسمية تظهر أن ترامب أجرى أكثر من 10 لقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان قد أعلن مراراً عن رغبته في تحسين العلاقات الثنائية، ومع ذلك، فإن هذه المحاولات اصطدمت بعقبات كبيرة، أبرزها تحقيقات “روسيا جيت” التي اتهمت موسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب.
في السياق الحالي، يأتي إعلان فريق ترامب عن هذه النوايا في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الروسية أسوأ مراحلها منذ الحرب الباردة، العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة بايدن على روسيا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز عدد الشركات والأفراد الروس الخاضعين للعقوبات 5000 كيان وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، في المقابل، قامت روسيا بتخفيض وجودها الدبلوماسي في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في التاريخ، وأغلقت عدة قنصليات عامة.
المحللون السياسيون ينقسمون حول إمكانية نجاح سياسة التقارب التي يطرحها ترامب. فريق يرى أن الظروف الدولية الحالية، خاصة استمرار الحرب في أوكرانيا، تجعل من الصعب تحقيق أي تقدم ملموس في العلاقات الثنائية. تقارير معهد بروكينغز تشير إلى أن 68% من أعضاء الكونغرس الأمريكي يعارضون أي شكل من أشكال التطبيع مع روسيا في الظرف الراهن، بينما يرى فريق آخر أن ترامب قد يكون قادراً على تحقيق بعض الاختراقات الدبلوماسية، مستفيداً من علاقته الشخصية مع بوتين وتركيزه على المصالح الأمريكية المباشرة بدلاً من الاعتبارات الأيديولوجية.
على الصعيد الداخلي الأمريكي، تثير هذه التصريحات ردود فعل متباينة، استطلاعات الرأي الصادرة عن مركز بيو للأبحاث تظهر أن 42% من الجمهوريين يؤيدون سياسة أكثر ليناً تجاه روسيا، بينما يعارض ذلك 75% من الديمقراطيين، هذا الانقسام الحزبي العميق يشير إلى أن أي محاولة لتغيير السياسة الأمريكية تجاه روسيا ستواجه معارضة شديدة في حال فوز ترامب.
من الناحية الجيوسياسية، فإن احتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير قلق الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، خاصة دول أوروبا الشرقية التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي في مواجهة ما تراه تهديداً روسياً، تقارير حلف الناتو تشير إلى أن 78% من قادة الدول الأعضاء يعتبرون أن سياسة ترامب المحتملة تجاه روسيا قد تضعف التضامن الغربي.
في الجانب الاقتصادي، قد تشهد العلاقات التجارية بين البلدين بعض التحسن في حال تحسن المناخ السياسي. البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية تظهر أن التبادل التجاري بين البلدين انخفض من 38 مليار دولار عام 2013 إلى أقل من 10 مليارات دولار في 2024. قطاعات مثل الطاقة والتكنولوجيا قد تكون المستفيد الرئيسي من أي ذوبان للجليد بين واشنطن وموسكو.
التحدي الأكبر لأي سياسة تقارب محتملة يتمثل في الملف الأوكراني. الخبراء العسكريون يشيرون إلى أن موقف ترامب من الأزمة الأوكرانية سيكون العامل الحاسم في تحديد مسار العلاقات الثنائية. بعض المحللين يتوقعون أن ترامب قد يدفع نحو تسوية سياسية للأزمة، بينما يحذر آخرون من أن أي محاولة للضغط على أوكرانيا لقبول شروط غير مواتية قد تؤدي إلى أزمة سياسية داخل الولايات المتحدة.
بالتالي، فإن إمكانية إحياء العلاقات الأمريكية الروسية في حال عودة ترامب إلى السلطة تبقى مسألة معقدة تحيط بها العديد من التحديات الداخلية والخارجية، بينما قد يكون هناك مجال لبعض التحسن في الأجواء الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية، فإن القضايا الجوهرية مثل النزاع الأوكراني والخلافات حول النظام الدولي ستظل عقبات كبرى أمام أي تقارب حقيقي، الأحداث القادمة، وخاصة نتيجة الانتخابات الأمريكية وتطورات الميدان في أوكرانيا، ستلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبل هذه العلاقات المحورية في النظام الدولي المعاصر.