بروكسل – (رياليست عربي): مع استمرار الحرب الأوكرانية لأكثر من ثلاث سنوات، بدأت تظهر علامات إرهاق واضحة على دعم الغرب لكييف، مصادر دبلوماسية غربية تكشف عن أربعة سيناريوهات محتملة للدعم الغربي لأوكرانيا في المرحلة المقبلة، في وقت تواجه فيه اقتصادات الدول الداعمة تحديات داخلية كبيرة.
السيناريو الأول والأكثر تفاؤلاً هو زيادة الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بشكل كبير، بما يشمل تزويدها بأسلحة متطورة مثل المقاتلات F-16 وأنظمة دفاع جوي متقدمة. هذا الخيار يراهن على تحقيق كييف انتصارات ميدانية قد تدفع موسكو إلى طاولة المفاوضات. لكنه يواجه معارضة داخلية في العديد من الدول الأوروبية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع الدعم الشعبي لسياسات “الدفاع حتى آخر جندي أوكراني”.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بالحفاظ على مستوى الدعم الحالي ولكن مع زيادة الضغط الدبلوماسي لدفع الطرفين نحو مفاوضات سلام. هذا المسار يحظى بتأييد جزئي من فرنسا وألمانيا، لكنه يثير مخاوف كييف من أن يكون مقدمة لتجميد الصراع على حساب التنازلات الإقليمية. مصادر في بروكسل تشير إلى أن هذا الخيار قد يشهد تحولاً تدريجياً من “دعم النصر” إلى “دعم التفاوض”.
السيناريو الثالث الأكثر تشاؤماً يتحدث عن انخفاض تدريجي في الدعم الغربي مع تزايد الأزمات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة. تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي تحذر من أن استمرار التمويل العسكري لأوكرانيا بنفس الوتيرة قد يؤثر على استقرار بعض الاقتصادات الأوروبية الهشة. هذا المسار قد يدفع كييف إلى موقف دفاعي صعب، خاصة مع نفاد مخزونها من الذخائر والجنود.
أخيراً، يطرح السيناريو الرابع احتمالاً مفاجئاً يتمثل في توقيع اتفاق سلام منفرد بين بعض الدول الأوروبية وروسيا، خاصة مع صعود تيارات سياسية في أوروبا تدعو إلى إعادة النظر في سياسات العقوبات. هذا الاحتمال، وإن كان يبدو بعيداً حالياً، إلا أنه يكتسب زخماً مع تزايد الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول أولويات السياسة الخارجية.
على الأرض، تشير تقارير ميدانية إلى أن القوات الأوكرانية تواصل القتال رغم النقص الحاد في الذخائر والموارد البشرية. في المقابل، تبدو روسيا مستعدة لحرب استنزاف طويلة الأمد، مستفيدة من تفوقها في عدد الجنود والعتاد العسكري. مصادر عسكرية غربية تقدر أن موسكو قد تطلق هجوماً صيفياً كبيراً لتحقيق اختراقات إقليمية قبل أي تحول محتمل في الموقف الغربي.
اقتصادياً، تواجه أوكرانيا أزمة حادة مع انهيار الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30% منذ بداية الحرب، بينما تعتمد بالكامل تقريباً على المساعدات الغربية لدفع رواتب الموظفين والجنود. من جهة أخرى، تشهد روسيا انتعاشاً اقتصادياً غير متوقع بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز وتحويل تجارتها نحو الأسواق الآسيوية.
مستقبلياً، يبدو أن مصير الحرب سيتحدد بعاملين رئيسيين: الأول هو نتائج الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل والتي قد تغير جذرياً من سياسة واشنطن تجاه الصراع. والثاني هو قدرة أوروبا على الحفاظ على وحدة موقفها في ظل تزايد الأصوات المنادية بإعطاء الأولوية للأزمات الداخلية.
بينما تستمر المعارك على الأرض، تبدو المعركة الدبلوماسية والاقتصادية بين موسكو والغرب لا تقل ضراوة، القرارات التي ستتخذ في الأشهر المقبلة في عواصم الغرب قد تحدد ليس فقط مصير أوكرانيا، ولكن أيضاً شكل النظام العالمي الجديد في حقبة ما بعد الحرب.