أنقرة – (رياليست عربي): “أعيدوا السوريين إلى بلادهم .. أعيدوهم إلى بلادهم”.. هذا ما يسمعه اللاجئين السوريين في تركيا، التي فتحت لهم أبواب البلاد قبل أقل من عقد من الزمان، ليرحب بهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مقدماً نفسه وقتئذ، رجل السلام والحرية وحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى، مصوراً نفسه على أنه “الشرطي” الذي يحمي أوروبا من اللاجئين مقابل منح هي في الحقيقة “إتاوات” سنوية وفرت من جانب الأوروبيين، لتوفير الإعاشة للاجئين والإنفاق عليهم في تركيا التي تحصل على مليارات اليوروهات كل عام، ولكن في النهاية كانت الحياة للسوريين في تركيا شبيهه بـ “جهنم” نظراً لما تعرضوا له من الاتجار بهم وتصويب العنصرية تجاههم بعد أن فتح لهم “أردوغان” الأبواب وأظهر لهم أنه “خليفة المسلمين” الذي ينقذهم.
“أردوغان” قدم لسوريين إغراءات لترك بلدهم حتى يكون من خلالهم لاعباً أساسياً في أزمة وطنهم، رغبة منه في تحقيق مكاسب مادية و”هالة” دولية، يضع الآن عليهم الضغوط، سواء القانونية أو الشعبية، بعدما حقق من ورائهم مكاسب بمليارات الدولارات التي جناها من الاتحاد الأوروبي والغرب، مقابل ما قام بتسويقه بالقدرة على منع جحافل اللاجئين من المرور للقارة العجوز، ثم ظل يقامر ويتاجر بهم للحصول على المزيد من الأموال الأوروبية أو المكاسب السياسية والاقتصادية، والآن عليهم العودة، فقد تم استنزافهم بكل الطرق وليس لهم مكان سوى العودة إلى منازلهم المتضررة في وطنهم، فهي أفضل كثيرا من جحيم “أردوغان”.

مئات آلاف اللاجئين السوريين، تركزوا في محافظة “شانلي أورفا” التركية التي تستضيف قرابة نصف مليون لاجئ سوري، أي ما يعادل ربع عدد سكان المحافظة، نظراً لما يجمعها من خط حدودي طويل مع سوريا، في ظل ما تسببت به الأوضاع في سوريا منذ اندلاعها عام 2011، ما بين دماراً هائلاً بالبنى التحتية وتهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وكانت تركيا من اللاعبين الأساسيين في الصراع، وذلك رغبة في الحصول على دور إقليمي دولي وفتحت حدودها للاجئين، ليكون هناك حوالى 3.7 مليون لاجئ سوري، وفي ظل موجة الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة بتركيا وارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الليرة التركية، يعيش اللاجئين السوريين تحت ضغط هائل، ويتخوفون من استغلال قضيتهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية التركية المنتظرة في يونيو عام 2023، في وقت يواجه “أردوغان” غضباً شعبياً متنامياً حول استضافتهم في البلاد.
وكان حزب “الشعب الجمهوري”، أكبر أحزاب المعارضة، وعد في حال فوزه بالانتخابات أن يغادر جميع السوريين تركيا، وذلك خلال عامين، ليرد “أردوغان” انتخابياً، معلناً التحضير لعودة مليون سوري إلى بلادهم من خلال تمويل استحداث ملاجئ وبنى مناسبة لاستقبالهم في شمال غرب سوريا، بمساعدة دولية.
واستخدمت القارة الأوروبية “أردوغان” كـ”شرطي” لمنع تدفق اللاجئين الذين قدروا بعشرات الملايين من الدخول إلى أوروبا في السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن استطاع ملايين من دخول دول الاتحاد الأوروبي في الفترة من 2011 حتى 2017 عبر تركيا من خلال منافذ وشواطئ في اليونان وإيطاليا ودول البلقان، ولمن توصلت دول أوروبية إلى اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع نظام “أردوغان” في تحمل وجود اللاجئين على أراضي بلاده ومنعهم من المرور إلى أوروبا مقابل حزم من المساعدات المالية وصلت في مجموعها سواء المعلن والخفي إلى 70 مليار يورو إلى يد تركيا “الأردوغانية”.

وتيقنت “أوروبا” في السنوات الخمس الأخيرة، مدى استخدام “أردوغان” لورقة اللاجئين في ابتزاز القارة العجوز، والإدعاء بتحمل بلاده لاستضافة اللاجئين واستنزاف أموال الموازنة العامة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمعايير اللجوء المتفق عليهم وسط تواجد اللاجئين في مخيمات غير مؤهلة للعيش، وعدم توفير الاحتياجات الصحية والغذاء، فضلاً عن وجود عصابات منظمة غضت الدولة التركية البصر عنها، تقوم بجرائم اتجار في البشر وسرقة أعضاء من داخل مخيمات اللاجئين، الأمر الذي جعل دول الاتحاد الأوروبي، تقلل بنسب كبيرة الدعم المالي المخصص لتركيا لهذا الغرض.
واستخدم أيضا “أردوغان” بحسب تلك مصادر فرنسية مطلعة في تصريحات خاصة، ورقة اللاجئين واتخاذ التدابير الداخلية لمنعهم من المرور إلى دول القارة الأوروبية في عدم تفعيل وتنفيذ العديد من العقوبات تم إقرارها من جانب الاتحاد الأوروبي وأيضا برلمان القارة العجوز، بجانب عقوبات أخرى أعلنت من جانب بريطانيا عندما كانت تحت مظلة الاتحاد ، ودول ألمانيا ، فرنسا، هولندا، بولندا، المجر، إيطاليا، تفرض على الدولة التركية وحكوماتها في صورة عقوبات اقتصادية وسياسية دولية، بسبب موجة الاعتقالات التي ظلت ممنهجة لمدة 3 سنوات في تركيا تجاه سياسيين وبرلمانيين ورؤساء أحزاب ونشطاء من جانب نظام “أردوغان” بتهم تتعلق بدعم الانقلاب العسكري في يوليو 2018.
واستطاع التلاعب من جانب “أردوغان” بورقة اللاجئين والمقايضة بها، منع تنفيذ عقوبات في وقائع خاصة بتعذيب سياسيين في داخل تركيا، وملاحقة جهاز المخابرات التركي وجمعيات تركية مؤيدة لنظام حزب “العدالة والتنمية” لساسة ومعارضين هاربين في الخارج داخل أوروبا وفي دول أسيوية، تم خطفهم ونقلهم إلى الداخل التركي لتصفيتهم.