موسكو – (رياليست عربي): في خضم الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، برزت تركيا كواحدة من أهم الوسطاء الدوليين القادرين على تسهيل الحوار بين الطرفين. وفقًا لتقرير نشرته “إزفستيا” الروسية، فإن أنقرة تمتلك مقومات فريدة تتيح لها لعب هذا الدور الحيوي، نظرًا لعلاقاتها المتوازنة مع كل من موسكو وكييف.
لكن مع استمرار التصعيد العسكري وتزايد التعقيدات الجيوسياسية، يطرح سؤال مهم: هل ستظل تركيا منصة فعَّالة للحوار بين روسيا وأوكرانيا، أم أن الضغوط الإقليمية والدولية قد تحد من تأثيرها؟
تمتلك تركيا تاريخًا طويلًا من العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، خاصة في مجالات الطاقة والدفاع، مثل صفقة منظومة S-400 والتعاون في مشاريع الغاز مثل “تيوب نورد ستريم”. في الوقت نفسه، تدعم أنقرة علاقات قوية مع أوكرانيا، بما في ذلك اتفاقيات التعاون العسكري وتأييدها للسيادة الأوكرانية، هذا التوازن مكَّن تركيا من لعب دور الوسيط في عدة محطات مهمة، أبرزها استضافتها محادثات بين المسؤولين الروس والأوكرانيين، والتوصل إلى “اتفاقية الحبوب” التي سمحت بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود، مما خفف من أزمة الغذاء العالمية.
لكن رغم هذه النجاحات الدبلوماسية، تواجه الوساطة التركية تحديات كبيرة. فمن ناحية، التصعيد العسكري المستمر في أوكرانيا يجعل أي مفاوضات سلام عملية معقدة، خاصة مع تمسك كييف باستعادة أراضيها المحتلة، بينما تصر موسكو على تحقيق أهدافها الأمنية، ومن ناحية أخرى، تواجه تركيا ضغوطًا من حلفائها في الناتو لتبني موقف أكثر صرامة ضد روسيا، مما قد يهدد حياديتها كوسيط. كما أن الخلافات الروسية التركية في ملفات أخرى، مثل سوريا وليبيا، قد تؤثر سلبًا على قدرة أنقرة على البقاء كطرف مقبول من كلا الجانبين.
ومع ذلك، لا تزال تركيا تحتفظ بأوراق قوية قد تمكنها من الاستمرار في لعب دور الوساطة. فموقعها الجغرافي كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا، وعلاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا وأوكرانيا، يجعلانها لاعبًا لا غنى عنه في أي مسار دبلوماسي مستقبلي. كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتمتع بخبرة سياسية تسمح له بالمناورة بين المصالح المتضاربة، مما يعزز فرص أنقرة في قيادة أي مبادرات سلام محتملة.
لكن نجاح تركيا في هذا الدور سيعتمد على عدة عوامل حاسمة، منها استعداد روسيا وأوكرانيا للتفاوض بجدية، وقدرة أنقرة على الحفاظ على سياستها المتوازنة دون الانحياز لأي طرف، كما أن التطورات العسكرية على الأرض قد تغير المعادلة بشكل مفاجئ، فإذا حققت أوكرانيا انتصارات ميدانية كبيرة، فقد ترفض أي وساطة تركية إن رأت أن الظروف أصبحت في صالحها. بالمقابل، إذا شعرت روسيا بأنها في موقع قوة، فقد تفضل التفاوض مباشرة مع الغرب بدلاً من الوساطات الإقليمية.
ختامًا، على الرغم من التحديات، تبقى تركيا واحدة من أبرز اللاعبين القادرين على تسهيل الحوار بين روسيا وأوكرانيا. نجاحها في هذا الدور لن يعتمد فقط على مهاراتها الدبلوماسية، بل أيضًا على التطورات السياسية والعسكرية في الصراع، ومدى استعداد الأطراف الدولية لدعم أي مساعٍ تركية نحو السلام، إذا تمكنت أنقرة من الحفاظ على هذا التوازن الدقيق، فقد تصبح بالفعل منصة حيوية لأي مفاوضات مستقبلية، مما يعزز مكانتها كقاعدة دبلوماسية مؤثرة في المنطقة والعالم.