موسكو – (رياليست عربي): في ساعة متأخرة من مساء أمس، شهدت المنطقة منعطفاً خطيراً عندما شنت إسرائيل سلسلة ضربات جوية دقيقة استهدفت مواقع إستراتيجية إيرانية، في تصعيد غير مسبوق يهدد بإشعال حرب إقليمية واسعة النطاق. هذه الضربات التي تمت بدعم استخباري غربي دقيق، لم تكن عملاً عشوائياً، بل جاءت تتويجاً لشهور من التخطيط الدقيق والاستعدادات المكثفة، حيث استهدفت مراكز حساسة في العمق الإيراني تشمل منشآت عسكرية وبحثية مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
المشهد الإقليمي اليوم يشبه برميل بارود جاهز للانفجار في أي لحظة، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، ظلت المنطقة تعيش على صفيح ساخن من التهديدات المتبادلة والعمليات الخفية. إسرائيل التي ظلت لسنوات تنفذ عمليات استخباراتية ضد البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك اغتيال العلماء وتخريب المنشآت، قررت اليوم الانتقال إلى مرحلة المواجهة المباشرة، مستفيدة من عدة عوامل جيوسياسية حاسمة. أولها التراجع الأمريكي النسبي عن سياسة المواجهة المباشرة مع إيران، وثانيها التصدعات الداخلية في النظام الإيراني الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، وثالثها التغير في التحالفات الإقليمية التي شهدت تقارباً ملحوظاً بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
الرد الإيراني حتى الآن ظل محكوماً بقيود كثيرة، فطهران التي تعرف جيداً فداحة الثمن الذي ستدفعه في أي مواجهة شاملة، تحاول كسب الوقت بين خطاب التهديد الصارخ من جهة، والحرص على عدم تقديم الذرائع لتصعيد أكبر من جهة أخرى. المفارقة تكمن في أن إيران التي أمضت سنوات في بناء شبكة من الميليشيات والنفوذ الإقليمي، تظهر اليوم عاجزة عن حماية عمقها الاستراتيجي، حيث كشفت الضربات الإسرائيلية عن ثغرات كبيرة في منظومة الدفاع الجوي الإيراني التي كانت تتباهى بها لسنوات.
التداعيات الاقتصادية لهذا التصعيد بدأت تظهر فوراً، حيث قفزت أسعار النفط بأكثر من 5% في التعاملات الآسيوية، بينما شهدت الأسواق المالية العالمية موجة من التقلبات الحادة. المشهد الأكثر إثارة للقلق يتمثل في احتمال إغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لتصدير النفط العالمي، وهو السيناريو الذي قد يدفع بالاقتصاد العالمي إلى ركود حاد في وقت تعاني فيه العديد من الاقتصادات من تبعات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية.
على المستوى الدولي، تبدو المواقف منقسمة بين دعم غربي صريح لإسرائيل، وتحذيرات روسية من تداعيات التصعيد، وموقف صيني حذر يترقب تطورات الأحداث. واشنطن التي أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل، تحاول في نفس الوقت منع الانزلاق إلى حرب شاملة، حيث يدرك صناع القرار الأمريكي أن أي مواجهة مفتوحة مع إيران قد تتحول إلى كابوس إستراتيجي يصعب احتواء تداعياته.
المستقبل يطرح عدة سيناريوهات، أكثرها تفاؤلاً هو أن يقتصر التصعيد على هذه الجولة مع عودة الأطراف إلى سياسة الردود المحدودة والصراع بالوكالة. أما السيناريو الكارثي فيتمثل في انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة قد تشمل ضربات على المنشآت النووية الإيرانية، ورداً إيرانياً عبر حلفائها في لبنان واليمن والعراق، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لخطوط الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة العالمية.
في العمق، تكشف هذه الأزمة عن تحول جذري في موازين القوى الإقليمية، حيث تظهر إسرائيل كقوة عسكرية وإستراتيجية لا تضاهى، بينما تواجه إيران اختباراً وجودياً لمشروعها الإقليمي. الساعات والأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث، ولكن المؤكد أن الشرق الأوسط بعد هذه الضربات لن يكون كما كان قبلها، فهل نكون أمام نهاية حقبة الهيمنة الإيرانية الإقليمية، أم أمام بداية حرب جديدة ستغير وجه المنطقة؟