موسكو – (رياليست عربي): إن الزيارة التي يجريها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية هي الأولى إلى ذلك البلد منذ 24 عاماً ومحادثاته مع الزعيم الكوري الشمالي (كيم جونغ إيل) حيث أعلن الجانبان عن إعداد وثيقة أساسية جديدة ستشكل أساساً للعلاقات بين البلدين على المدى الطويل خاصةً بعد الدعم السياسي والعسكري والأمني الذي قدمته بيونغ يانغ لموسكو خلال العملية العسكرية الروسية المستمرة في أوكرانيا وآراء الخبراء الذين اعتبروا بأن زيارة الرئيس بوتين لكوريا الشمالية هي محاولة من قبل موسكو لحشد دعم الدول الشرقية في حال بدأت واشنطن حرباً عالمية ثالثة عبر نظام كييف وهو الأمر الذي ينذر بصراع نووي بين الشرق والغرب لأن الكرملين الروسي سيلجأ إلى العقيدة الروسية.
بعد أن وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة دولة تستغرق يومين إلى جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية الشمالية، حيث استقبله في المطار الزعيم الكوري الشمالي (كيم جونغ أون)، علماً بأن آخر مرة زار فيها الرئيس بوتين كوريا الشمالية كانت في عام 2000، أي قبل 24 عاماً، عندما كان رئيس كوريا الشمالية آنذاك هو الرئيس (كيم جونغ إيل)، أي والد الزعيم الكوري الشمالي الحالي:
- صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستهل محادثاته مع زعيم كوريا الشمالية (كيم جونغ أون) اليوم الأربعاء صباحاً، 19 يونيو 2024، بأنه تم إعداد وثيقة أساسية جديدة ستشكل أساساً للعلاقات بين البلدين لسنوات عديدة قادمة، حيث أكد الرئيس بوتين أنه خلال زيارة الزعيم الكوري الشمالي سابقاً إلى موسكو، تمَّ إحراز تقدم كبير في بناء العلاقات المعاصرة بين الدولتين، لتأتي الوثيقة الأساسية الجديدة، كي تشكل أساساً لعلاقات موسكو مع بيونغ يانغ على المدى الطويل.
- وأشار بوتين إلى أن البلدين احتفلا خلال العام الماضي بالذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهذا العام بالذكرى الخامسة والسبعين لإبرام أول وثيقة مشتركة بين الدولتين، والتي كانت إتفاقية للتعاون الإقتصادي والثقافي، حيث وقع عليها حينها الزعيم الأول لكوريا الشمالية، الرفيق (كيم إيل سونغ)، وفق وصف الرئيس بوتين شخصياً للزعيم الكوري الراحل وهو والد الزعيم الحالي (كيم جونغ أون).
- وقد أعلنت وسائل الإعلام الروسية، وكذلك وسائل الإعلام في كوريا الشمالية، أن الرئيس بوتين قام يوم أمس الثلاثاء 18 يونيو 2024 بالمصادقة على مسودة إتفاقية للشراكة الإستراتيجية الشاملة مع كوريا الشمالية، والتي من المقرر أن يتم التوقيع عليها خلال زيارته الحالية إلى بيونغ يانغ.
- كما أكد الرئيس فلاديمير بوتين في مستهل محادثاته مع نظيره (كيم جونغ أون) في قصر (كومسوسان) في بيونغ يانغ، أن روسيا تكافح منذ عقود طويلة سياسة الهيمنة الإمبريالية التي تحاول واشنطن وأتباعها بأن تفرضها، مشيراً بأن موسكو تقدر عالياً الدعم السياسي المستمر والثابت الذي تظهره كوريا الشمالية للسياسة الروسية، بما في ذلك على المسار الأوكراني. وشدد الرئيس بوتين على أن التعاون بين البلدين يقوم على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل لمصالح البلدين، مضيفاً أن روسيا وكوريا الشمالية، تجمعهما علاقات صداقة قوية وحسن جوار وثيق منذ عقود عديدة.
- من جانبه: أعرب الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون عن دعمه للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، مشيراً إلى أهمية دور روسيا في الحفاظ على التوازن الإستراتيجي العالمي.
- وأكد كيم في مستهل لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعتزم تعزيز التعاون الإستراتيجي مع روسيا، وسط تدهور الوضع الأمني العالمي، مضيفاً بأن كوريا الشمالية تقدر الدور الكبير لروسيا في الحفاظ على الاستقرار والتوازن الاستراتيجي في العالم، معرباً في الوقت نفسه عن دعم بلده الكامل وتضامنها مع الحكومة الروسية، ومع جيشها وشعبها في تنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا لحماية السيادة والمصالح الأمنية، وكذلك سلامة الأراضي الروسية.
- وأعرب كيم جونغ أون عن ثقته بأنه سيتبادل الأفكار والآراء البناءة بشكل مطول مع الرئيس بوتين لتعزيز التعاون في جميع المجالات بين البلدين، بما في ذلك القضايا الدولية.
- وقد شارك في المباحثات داخل قصر “كومسوسان” الكوري الشمالي في بيونغ يانغ، من الجانب الروسي كلاً من : وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والنائب الأول لرئيس الوزراء دينيس مانتوروف، ونائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، والمتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، ومساعد الرئيس للشؤون الدولية يوري أوشاكوف، والسفير الروسي في بيونغ يانغ ألكسندر ماتسيغورا، ووزير الدفاع أندريه بيلاوسوف، ووزير الموارد الطبيعية ألكسندر كوزلوف، ووزير الصحة ميخائيل موراشكو، ووزير النقل رومان ستاروفويت، نائب وزير الدفاع أليكسي كريفوروتشكو، ومدير مؤسسة السكك الحديدية الروسية أوليغ بيلوزيروف، ورئيس روسكوسموس يوري بوريسوف.
- فيما شارك من قبل الجانب الكوري الشمالي يشارك في المباحثات، رئيس الوزراء كيم دوك هون، ووزيرة الخارجية تشوي سونغ هي، ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية لحزب العمال الكوري الشمالي السيد بارك تشونغ تشون، وأمين اللجنة المركزية للحزب تشو يونغ وون، ورئيس الإدارة الدولية للجنة العسكرية المركزية للحزب كيم سونغ نام، ونائب وزير الخارجية إيم تشونغ إيل.
- وقبل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ، نشرت صحيفة (نودونغ سينمون) الكورية الشمالية مقالاً يحمل توقيع الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً، حيث أتى المقال الصحفي الهام تحت عنوان مفاده: (روسيا وكوريا الديمقراطية الشمالية: تقاليد الصداقة والتعاون على مر السنين).
- وقد أكد الرئيس بوتين في ذلك المقال أن علاقات الصداقة وحسن الجوار بين روسيا وكوريا الديمقراطية الشمالية، المبنية على مبادئ المساواة والإحترام المتبادل والثقة، تعود إلى أكثر من سبعة عقود وهي غنية بالتقاليد التاريخية المجيدة، مشيراً إلى أن الإتحاد السوفيتي كان أول من اعترف بجمهورية كوريا الشمالية الشعبية الديمقراطية في العالم، وأقام علاقات دبلوماسية معها، ثم قامت موسكو من بعدها بمساعدة الأصدقاء الكوريين من أجل بناء إقتصاد وطني، وإنشاء نظام للرعاية الصحية، وتطوير العلوم والتكنولوجيا، وتدريب الموظفين الإداريين والفنيين المحترفين.
- ولهذا السبب، وكما يقول المقال الذي كتبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإن روسيا وكذلك كوريا الشمالية سيواصلان بنشاطٍ تطوير (شراكة متعددة الأوجه) بينهما من الآن فصاعداً، نظراً لوجود أطروحات ومحاولات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لفرض دكتاتورية إستعمارية جديدة عالمية على العالم، باستخدام معايير مزدوجة، وكذلك نظراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأسلحتها و(أقمارها الصناعية) نفسها هي التي أثارت الصراع في أوكرانيا.
- وأكد الرئيس بوتين في المقال الذي نشرته صحف كوريا الشمالية، أن الغرب ما زال يقوم بتزويد نظام النازيين الجدد في كييف بالمال والأسلحة والإستخبارات، مما يسمح ويشجع بإستخدام الأسلحة والمعدات الغربية الحديثة لضرب الأراضي الروسية، وذلك بالتزامن مع استمرار عمليات استنزاف الإقتصاد الروسي، بفرض عقوبات جديدة وإثارة التوتر الإجتماعي والسياسي داخل البلاد.
- وعلى الرغم من ذلك أكد الرئيس بوتين في مقاله لصحف كوريا الشمالية أن كل المحاولات الغربية المعادية لاحتواء روسيا وعزلها باءت بالفشل، مشيراً إلى أن الأصدقاء الكوريين الشماليين، وعلى الرغم من السنوات العديدة للضغوط الاقتصادية والإستفزازات والإبتزاز والتهديدات العسكرية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بقيوا فعالين بنفس القدر في الدفاع عن مصالحهم.
- وفي نهاية مقاله، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أمله في أن تتمكن روسيا وكوريا الديمقراطية الشمالية، ومن خلال الجهود المشتركة معاً، الإرتقاء بالتفاعل الثنائي إلى مستوى أعلى، وتمنى في نهاية مقاله موفور الصحة والعافية للزعيم الكوري الشمالي (كيم جونغ أون)، الذي وصفه بالرفيق، كما تمنى السلام والنجاح والتقدم والإزدهار للشعب الكوري الشمالي.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الاستراتيجية الروسية و العالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتداعياتها الإقليمية والدولية مثل ضابطة المخابرات الأمريكية السابقة (ريبيكا كوفلر)، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى حشد دعم الدول الشرقية في حال بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً عالمية ثالثة عبر نظام كييف، حيث قالت الخبيرة الأمريكية أنه وبعد سماح الرئيس الأمريكي جون بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لضرب الأراضي الروسية، فإن الرئيس فلاديمير بوتين، وبلا أدنى شك، سيلجأ إلى العقيدة النووية الروسية التي تنصُّ على استخدام الأسلحة النووية في حال تعرضت روسيا إلى أي إعتداءٍ بأسلحة أمريكية، سواءً عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ.
- ووفقاً لضابطة المخابرات الأمريكية السابقة، فإن الرئيس بوتين يقوم حالياً بجمعِ تحالفٍ كبير من الدول التي ستكون على استعداد لصدِّ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في حال أدت سياستهم القصيرة النظر (حسب وصف الخبيرة الأمريكية) بشأن أوكرانيا إلى إندلاع حرب عالمية ثالثة، ولذلك تأتي زيارة الرئيس بوتين حالياً إلى شرق آسيا في وقتٍ مهمٍ وحساس للغاية، حيث تشير المعطيات الأمنية والعسكرية إلى إمكانية اندلاع قتال بين الغرب والشرق على طرفي نقيض.
- وأفردت وسائل الإعلام الروسية والغربية الكثير من المساحة لتصريحات نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، والتي أعلن فيها بأن روسيا يمكن أن تجري تغييرات على عقيدتها النووية بسبب تهديدات دول حلف الناتو لها، خاصةً بعد أن صرح مؤخراً الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في مقابلة مع صحيفة “تلغراف” أن الدول الأعضاء في حلف (الناتو) تناقش وضع الرؤوس الحربية النووية للحلف في حالة تأهب قصوى.
- ونظراً لأن السيناريوهات التي بموجبها تستطيع روسيا من الناحية النظرية استخدام الأسلحة النووية منصوص عليها في العقيدة العسكرية، وفي أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي، فإن القيادة الروسية قد تستخدم السلاح النووي في حالة العدوان على موسكو أو حلفائها باستخدام أسلحة الدمار الشامل أو العدوان باستخدام الأسلحة التقليدية عندما تكون الدولة نفسها مهددة.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.