دمشق – (رياليست عربي): في صيف كنت فيه بانتظار نتيجة المفاضلة الجامعية، حمل إلينا ماركسي عتيق كتاباً لنتناوب على قراءته.. كان ذلك الكتاب هو نسخة معربة من مزرعة الحيوان كتبها جورج أورويل الإيرلندي الذي بدل اسمه ..على الطريقة الأدونيسية ..
ربما( أورويل )أسهل لممارسة النقد ضد السوفييت من (بلير ).
في ذاك الوقت بينما الرفاق الماركسيون يستمتعون ب (النقد) (الموضوعي) للتجربة السوفياتية ويناقشون مآسي (الستالينية) كنت ما أزال في مرحلة التأثر والتقمص .. لكني تذكرت أولئك الرفاق الكبار قبل وقت وجيز يتحدثون عن ستالين الذي رفض أن يبادل ابنه بجنرال ألماني في الحرب العالمية الثانية ، وكانوا يتحدثون عن بطولات معركة ستالين غراد، وحصار قلعة بريست ..
الرفاق أنفسهم كانوا يرددون بشماتة رواية اذاعة لندن ومونت كارلو عن الثورة الملونة التي أطاحت بشاوشيسكو في رومانيا..
نعود للقصة التي كتبها جورج أرويل والتي بقيت أتقمص نظرية نقد التجارب العالمية فيها.. خاصة عندما كان أستاذ النثر في قسم اللغة الانجليزية يعطي محاضرة عن قصة «حيث تخشى الملائكة أن تدوس أو مكان لا تطؤه الملائكة» Where Angels Fear to Tread لـ ادوارد مورغان فورستر الانجليزي الذي كتب باسم مستعار، وكنت أعرض عليه ثقافتي كطالبة في السنة الأولى فأطلعته على قراءتي لكتاب مزرعة الحيوان ومؤلفه صاحب الاسم المستعار أيضاً، في سياق آداب المملكة المتحدة .
أما بعد:
إن مزرعة الحيوان التي ناقشها ماركسيون على أنها نقد التجربة: هي وصف لمزرعة خنازير بما تحمله الخنازير من دلالات النجاسة يتصارع فيها الخنازير الثائرون على الاضطهاد ثم يفترسون بعضهم، وهي أبشع شكل ممكن أن توصف به تجربة .
مع ذلك تمت المناقشة بسلاسة واقتناع وبإنكار لـ ستالينغراد التي تدفع روسيا ثمنها لحد اليوم أنها لم تهزم يومها..
ربما يستغرب البعض أن أسوق هذا المثال بينما ماتزال رواية 1984 للكاتب ذاته ( أورويل ) عنوان التثاقف، و لازمة لبناء الحجة الثقافية على التفقه في السياسة ، وإني أكتب لكم اليوم لأنكم قد تجدون لي رأياً سابقاً منشوراً يحمل ذات الواقع، فالانضمام للقطيع الثقافي المعولم ليس حالة غريبة أن نكون مصابين بها، لكني أكتب لكم لأن الغرابة أن أعلن عليكم استشفائي منها ..
مجدداً لماذا أكتب هذا بينما ينتهك العدو حرماتنا البشرية والفكرية والإنسانية ، ويدجننا حتى قبول الموت وقدرية الهزائم ..
لأن العدو الذي يجد من يتبنى روايته سيحولك إلى تابع خاضع حتى بدون أن يغري أحد بالعمالة أو يطلق كوهين مجدداً في رحلة جاسوسية لإجهاض أي نهضة تقدمية، العدو يحتاج فقط أولئك الذين يجلسون في المقاهي ثم يسترسلون في اجترار القصص التي يقدمونها لنا، وأولئك الذين يحلسون في جلسة عائلية ليلعنوا أمام أبنائهم وأحفادهم تجاربهم النضالية، ويتحسرون على أنهم لم ينهبوا ويسرقوا مثل فلان وعلان ويصفون بيع الضمائر بالواقعية .
العدو لا يحتاج أن يجتث شيء عندما تجد المناضلين الطبقيين يتفاخرون بطوائفهم وعشائرهم، و عندما يتم الحديث عن سد الفرات ، في اللحظة التي تم ترويض الفرات كما تم ترويض النيل، حتى نفتتح عصر الدولة، يصير الفرات غرباً وشرقاً ومجموعة من المارقين في ظل الناتو ..
الناتو الذي رسم خططاً ثقافية وعسكرية واجتماعية حتى سقط حلف وارسو، الناتو الذي بات قوس قزح للمطر الذي يستسقونه في معابد الشياطين .
و قد يقول البعض عن أي معابد شيطانية نتحدث؟ إنها المعابد التي جعلت بواباتنت الثقافية ممرات إجبارية تنتج ممسوخين محكومين بالطريق بين قلعة آلموت وفرطاج، وبين كونديرا وأورويل يجترون حكايات صدرت من أوكار الاستخبارات الانغلوسكسونية.
بالمناسبة أدونيس لا يدخل تلك التصنيفات رغم أنه حاول جاهداً هو فقط يحمل اسماً فنياً يحبونه في متصرفية لبنان خاصة وأن تياراً ثقافياً قادماً يريد ابتكار شرعية تاريخية للمثلية لذلك يجري التنقيب في نيسابور بحثاً عن المزدكية، فالطريق إلى ابراهيم لم ينجح لحد الآن بالقضاء على إرث محمد بن عبد الله .
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة وإعلامية – سوريا.