باريس – (رياليست عربي): هل التعبئة ضد إصلاح نظام التقاعد: هي استفتاء ضد ماكرون؟ وهو السؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن في الشارع الفرنسي، عقب المظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس يوم الخميس الماضي، والتي شارك بها ما يزيد عن 2 مليون مواطن، وليس هذا فقط بل مع إضراب عام في وسائل المواصلات، شل حركة البلاد تماماً وبشكل كبير.
فقد يبدو أن رئيس الدولة إيمانويل ماكرون قد قلل من أهمية السياق الاجتماعي، والذي يمكن أن يحول المعارضة للإصلاح إلى حركة احتجاجية أكثر شراسة وقوةً.
ليس من المستغرب، التعبئة القوية للموظفين والنقابات العمالية والأحزاب الاشتراكية والمعارضين المعادين لمشروع إصلاح المعاشات يمثل انتصاراً للنقابات الموحدة لأول مرة منذ فترة طويلة، إن نجاح يوم 19 يناير هذا، سواء من حيث حجمه أو بهدوئه، دون تجاوزات مفرطة، أمر لا جدال فيه، ليس فقط من خلال عدد المتظاهرين والذي زاد عن 2 مليون مشارك، ولكن أيضاً من خلال توزيعهم الجغرافي، بصرف النظر عن الحشد الباريسي، كان هناك الآلاف في المدن الأخرى.
والأكثر إثارة للإعجاب، مشاركة موظفين من القطاع الخاص، “موظفون لم نعتد على رؤيتهم في المظاهرات” .
كل شيء ساهم في إنجاح يوم الاحتجاج هذا، الشعور السائد لدى الفرنسيين حسب استطلاعات الرأي بأن هذا الإصلاح غير عادل، إنه يعاقب الموظفين الأكثر تواضعاً، والمهن الطويلة – أولئك الذين بدأوا العمل في سن 20 – وكبار السن، غالباً ما يتم دفعهم إلى Pôle Emploi بعد سن 55 عاماً؛ إنها مبنية على جهود الموظفين وحدهم دون مساهمة من الشركات.
ولكن ليس فقط، من خلال تدافع رسائلها باستمرار، شكك الجهاز التنفيذي في الهدف الحقيقي لهذا الإصلاح، حفظ نظام الدفع عند الاستخدام؟ أو تمويل انتقال الطاقة أو التبعية أو نظام التعليم؟
فقد اقترح إيمانويل ماكرون في الخريف، إضافة إلى معركة الخبراء حول التوقعات حول توازن النظام بحلول عام 2030، تحول هذا الشك إلى سم بطيء التقطير، وانتهى الأمر بإقناع غالبية المواطنين بأن السلطة وجدت وسيلة من بين أمور أخرى لسداد “مهما كان الثمن” وإرسال إشارة إلى بروكسل بالصرامة- مقر الإتحاد الأوروبي.
باختصار، كان من الأفضل أولاً وقبل كل شيء إصلاحاً للمالية العامة، كما يصرح معظم وأغلب المحللين والباحثين والمهتمين وأصحاب الخبرة بهذا.
إيمانويل ماكرون محق عندما تذكر أنه لم يغش خلال حملته الانتخابية وأنه حذر من أنه سيكون من الضروري العمل لفترة أطول، لكن يبدو أنه نسي ما حلّله بنفسه علناً، صوت بعض الفرنسيين ضد مارين لوبان أكثر من صوته ضده وضد برنامجه، نسيت مرة أخرى أن كلماته لعام 2019 – “عندما تكون مؤهلاً ضعيفاً ولديك مهنة ممزقة، حظاً سعيداً لتصل إلى 62 عاماً! – أصاب الأرواح وأعيد بثه على نطاق واسع مؤخرًا.
وبالمثل، يبدو أنه قلل من شأن السياق الاجتماعي (التضخم، انخفاض القوة الشرائية، ارتفاع أسعار الطاقة، التشاؤم، الشعور بالتخفيض) يمكن أن يحول المعارضة للإصلاح إلى استفتاء مناهض للإصلاح.
لذا، كثير من المتخصصين والمهتمين، كان من الأفضل لرئيس الدولة الامتناع عن صب الزيت على النار بالتأكيد هذا الأسبوع، خلف أبواب مغلقة في مجلس الوزراء، على أنه لا يؤمن بـ “انتصار اللامسؤولية”، إلا أنه من بين المتظاهرين لم يكن هناك فقط مؤيدون للعودة إلى التقاعد عند سن الستين، أكثر من مليون موظف، ليس كلهم غير مسؤولين، نزلوا إلى الشارع يوم الخميس.
مظاهرات يوم 31 يناير الجاري
ومع تسارع الأحداث، أعلنت النقابات الفرنسية الرئيسية الثماني يوم الخميس، 19 يناير، يوماً جديداً للتعبئة في 31 يناير ضد إصلاح نظام التقاعد، تجمع اليوم الأول في الشوارع 1.1 مليون شخص حسب الشرطة، و 2 مليون حسب احصائيات مراكز الرصد والمتابعة.
التعليق والتحليل
أولاً، إن نظام التقاعد عن العمل والإحالة إلى المعاش، وحجم المخصصات المالية التي تظهرها موازنات الدول تزداد وتتضخم يوم بعد يوم، وأصبحت تؤرق الحكام والمسؤولين، منذ سنوات، وخاصة مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، لذا، والدليل على ذلك أن كثير من رؤساء الوزراء السابقين طالبوا برفع وزيادة سن التقاعد في البلاد المتقدمة والتي تنتهج النظام الاقتصادي الحر.
وأن التحجج بالأزمة الاقتصادية الحالية بسبب جائحة كوفيد-19، او الصراع الروسي الاوكراني، أسباب عبر حقيقة، بل من المقبول أنها سوف تعجل بضرورة تعديل تلك السياسات في بلاد عدة.
لذا، على الدول الانتباه لهذا الأمر جيداً، وخاصة الدول ذات الاقتصاد غير القوي، من أن نظام التقاعد ضروري التعديل، وحتمية العمل على ذلك اليوم قبل الغد .
ثانياً، المصارحة والمكاشفة واتخاذ قرارات مؤلمة في أوقات صعبة، تمسح قطاع وشريحة كبرى من المواطنين، بعد مغامرة ومخاطرة من المسؤولين والحكام، من الضروري الانتباه جيداً لهذا الأمر، حيث أن اتخاذ قرارات مثل تلك التي تمس دخول المواطنين بالسلب، من شأنها إحداث كثير من الأضرار للمواطن، ليست مالية أو اجتماعية فقط، بل أضرار نفسية وسلوكية، من فقد الثقة، والرضا بين المواطن ومتخذ القرار، تزيد من السلوك السلبي، وعدم المشاركة، كما أن نشر روح الإحباط واليأس، هي أخطر بكثير على الشعوب بالمقارنة بالخسائر والمشاكل الاقتصادية والمالية التي تمر بها أغلب دول العالم الآن.
والسؤال مطروح وموجه لك الآن عزيزي القارئ الكريم، هل هي واجبة في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الشعوب ولظروف قاهرة، ام أنها قرارات لتصحيح مسار قرارات خاطئة اتخذت في السابق؟
وإلى متى سوف يكون المواطن فأر تجارب للمسؤولين وضحية لمغامرات وأحلام لم يُنادِ بها ولم يطلبها وليس بحاجة لها في تلك الظروف الصعبة؟ وأن هذا المواطن هو الوحيد المطالب بسداد فاتورة هذه القرارات وأصحابها؟ وهل السماح بالمظاهرات والتعبير ( النظم الديموقراطية) أو منع المظاهرات وحرية التعبير (أنظمة غير ديموقراطية) سوف تفيد، او تغير من الأمر شيء؟ طالما أن في الأخير القرار في يد المسؤول، وعلى المواطن التنفيذ، سواء سمح بالمظاهرات أم لا؟
وأخيراً، على كل مسؤول أن يتأنى في اتخاذ القرارات وخاصة الصعبة والمؤلمة، لأن الضغط الدائم والمتلاحق والمستمر، يهدد الأمن الداخلي للدول، ويزيد المسافة بين المسؤولين والمواطنين، مما يؤدي إلى نشر الشعور بعدم المبالاة والمسؤولية، والتي بدورها تنعكس على الأداء الاقتصادي والاجتماعي ويزيد من تعقد الأمور وليس حلها.. لذا، انتبهوا أيها السادة الكرام.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.