في الخامس والعشرين من شهر آب الماضي، و في قمة رئاسية ثلاثية كانت الثالثة من نوعها التي جمعت بين زعماء دول مصر، الأردن، والعراق، في العاصمة الأردنية عمّان، تم تدشين مشروع “المشرق الجديد” بين الدول الثلاث، في خطوة يبنى عليها كمنطلق لتعاون عربي نوعي على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
المشروع و أبعاده
بقدر ما كانت قمة عمّان الثلاثية الأخيرة، حجر الأساس لمشروع التعاون العربي الثلاثي، غير أن بداية آفاق هذا التعاون انطلقت شرارته من القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة في آذار 2019، و الحقت باجتماع ثان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الولايات المتحدة في شهر أيلول من العام ذاته.
لعل الأولوية الأولى التي برز تبنيها في هذا المشروع تندرج ضمن أطر اقتصادية وتنطلق من تعزيز التعاون المشترك بين الدول الثلاثة في مجالات الطاقة والاستثمار بحيث يمتد أنبوب النفط انطلاقاً من البصرة العراقية وصولاً إلى العقبة الأردنية لتصل عبر البحر إلى قناة السويس المصرية، إضافة إلى الربط الكهربائي، ودعم البنى التحتية، فضلاً عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية فى المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب، وذلك في سعي ناجح للاستفادة من الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة التي تتحكم بأهم طرق الملاحة والتجارة، وتقع في قلب المنطقة التي تتداخل فيها المشاريع والأجندات المتخالفة.
وإلى الجانب الاقتصادي فإن “المشرق الجديد” يعتمد على القدرات البشرية والصناعية الواعدة لدى مصر بموازاة الثروات الباطنية العراقية، و الموقع الجغرافي المتميز للأردن والذي يعد عقدة ربط بين العراق ومصر، فضلاً عن كون الأردن صلة ربط جيدة فيما لو ضم المشروع لاحقاً كل من سوريا عند تعافيها من آثار الحرب وكذلك لبنان والسعودية. فإن المشروع يؤسس لبنية صلبة تؤدي إلى تحالف مثمر وتعاون استراتيجي بين الدول الثلاثة الرئيسية، فضلاً عن اعتباره مشروع سياسي و إستراتيجي يعمل على رؤية جديدة لإعادة صياغة المنطقة، ويسهم في الانتقال من صراع المحاور الدائر حالياً بين قوى إقليمية تقليدية ومواجهة السياسات التوسعية لمشاريع تلك القوى وضرب النسيج العربي. كذلك الانتقال إلى بناء تحالفي مغاير في المنطقة يقوم على التنسيق السياسي والأمني والتطوير الاقتصادي والاجتماعي.
إن الظروف الدقيقة التي مرت على المنطقة العربية ابتداءا من الآثار غير المباشرة لمساعي معاهدات السلام في المنطقة، و تأثيرات حالة التجاذب بين المحاور الإقليمية و تبعاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وصولاً إلى أزمة جائحة “كورونا المستجد”، كانت كلها عوامل بارزة في تعطيل دوران عجلة التعاون المشترك في “المشرق الجديد”، فضلاً عن الظروف السياسية التي مرت بها العراق العام الماضي تمخضت عن استقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي؛ إلى جانب استمرار تواجد النفوذ الإيراني الذي قام بتوتير البلاد حتى وصول جائحة “كورونا” إليها، فيما كانت مصر تواجه معضلات التنظيمات الإرهابية في الشمال الشرقي من أراضيها، ويضاف إليها التحديات الاقتصادية التي استطاعت تجاوزها وتحقيق تطور تصاعدي في هذا الجانب.
عوائق ومصاعب
تبدو أبرز الفخاخ المنصوبة أمام المحور الجديد في المنطقة، هو قدرة هذا التكتل على إنجاز أهدافه بمواجهة مشاريع إسرائيل و إيران وتركيا، بخاصة وأن الأخيرتين لا تقبلا بهذا المحور الذي سيسهم بإضعاف مخططاتهم، فضلا عن النفوذ الإيراني والتركي في العراق تحديداً و مآلاته عقب هذا المشروع، وكيف تستطيع بغداد تجاوز ذلك. رغم التوافقات الحالية بين مؤسسي المشروع إلا أن هناك عقبات متصلة بالأوضاع الإقليمية غير المستقرة التي تحيط بهم، إلى جانب افتقار خطط التعاون الاقتصادي إلى التمويل لاسيما مع الأزمة المالية الخانقة جراء جائحة “كورونا”. كذلك فإن القدرة على إيجاد حالة من الاعتماد الاقتصادي بين دول المشروع والتعاون فيما يتعلق بذلك سيكون الدليل على إمكانية انتقال “المشرق الجديد” إلى إطار إقليمي أوسع.
مالك الحافظ- باحث و محلل سياسي، خاص لــ “رياليست”