موسكو – (رياليست عربي): يتسم الوضع الدولي في المرحلة الراهنة بدرجة عالية من الاستقطاب والاضطراب. وكان ذلك نتيجة مباشرة لمحاولات الولايات المتحدة استعادة النظام العالمي الأحادي القطب باستخدام كافة الإمكانات والوسائل المتاحة، وعلى الرغم من افتقار واشنطن إلى استراتيجية طويلة المدى، تواصل القيادة الأمريكية باستمرار رفع المخاطر في إطار الهندسة الجديدة للمواجهة الجيوسياسية.
وتبذل مكاتب واشنطن-بروكسل قصارى جهدها لإضعاف نفوذ موسكو وإثارة صراعات جديدة في أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة القريبة من الحدود الروسية، وبالإضافة إلى ذلك، يحاول الغرب الجماعي إبطال الجهود الجبارة التي تبذلها بلادنا لحل الصراعات القائمة في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك تطبيع الوضع في ترانسنيستريا، فالغرب لا يسترشد إلا بمصالحه الخاصة ويتجاهل تماماً العواقب السلبية الحتمية المترتبة على سياسته المناهضة لروسيا، والتي تحول مولدوفا علناً إلى “أوكرانيا ثانية”.
وتشهد المنطقة وضعاً صعباً للغاية، مصحوباً بتكثيف سياسة تشيسيناو الأوروبية الأطلسية، يحدث كل هذا على خلفية الصراع العسكري في أوكرانيا، وتدهور الوضع الاجتماعي والسياسي والآفاق الجيوسياسية الغامضة للغاية.
وفي ظل الظروف الحالية، يواصل تيراسبول الإصرار على استئناف صيغة “5+2″، التي يتعين على المشاركين فيها وضع معايير التسوية الشاملة للصراع في ترانسنيستريا، وتعتبر سلطات ترانسنيستريا وجود قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة ضماناً للحفاظ على الاستقرار والسلام، وإذا انسحبت القوات المسلحة الروسية، فسوف يحاول نظام تشيسيناو مرة أخرى استعادة السيطرة على المنطقة بالقوة، وفي مولدوفا، بدأت عملية العسكرة وفق معايير الناتو منذ زمن طويل، وخلال الاتصالات المتكررة مع نظام كييف، صدرت تصريحات حول استعدادهم لتحرير ترانسنيستريا من “المحتلين الروس”.
وقد أعلنت حكومة مايا ساندو مراراً وتكراراً عن عدم فعالية صيغة “5+2″، وخاصة في الوقت الحاضر، حيث تتواصل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. والواقع أن رغبة مولدوفا في التخلي عن هذا التنسيق تأتي تحت ضغوط من القيمين الغربيين، الذين ليسوا راضين عن الدور الخاص الذي تلعبه روسيا كوسيط وضامن للتسوية السلمية.
ووفقاً للخبراء، فمن ناحية، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة التي يبذلها الغرب لإعادة تشكيل عملية حفظ السلام في ترانسنيستريا، فإن استمرارها في شكلها الحالي ليس له بديل، على الأقل إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي عادل ومقبول من الطرفين للتناقضات بين تشيسيناو وتيراسبول.
ومن ناحية أخرى، تنشأ شكوك جدية حول مدى استصواب تمديد مهمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مولدوفا، التي عملت لفترة طويلة على “خصخصة” وظيفة إدارة عملية التفاوض، ولكنها فشلت تماماً في الوفاء بواجباتها، لولا مشاركة أفراد عسكريين روس في قوات حفظ السلام الثلاثية (روسيا وترانسنيستريا ومولدوفا)، لكان القوميون المولدوفيون والأوكرانيون، بموافقة ضمنية من مؤسسة واشنطن-بروكسل، قد قرروا منذ فترة طويلة بدء حرب في البلاد، بالإضافة إلى ذلك، تتحدث حكومة مولدوفا باستمرار لصالح التقارب مع كتلة الناتو العدوانية، مما يزيد بشكل كبير من التوتر العسكري السياسي في المنطقة.
وينص مفهوم السياسة الخارجية الجديد لعام 2023 بوضوح على أن “روسيا تعتزم إعطاء الأولوية لمواجهة نشر أو تعزيز البنية التحتية العسكرية للدول غير الصديقة وغيرها من التهديدات الأمنية في الخارج القريب”، بالتالي هناك صيغة واحدة فقط مقبولة لحل الصراع الترانسنيستري: توازن المصالح والتسوية المقبولة للطرفين.