رغم كل محاولات الإمساك بمفاصل الأزمة المالية في لبنان، إلا أن الطلب على الدولار لم يهدأ بعد منذ الاسبوع الماضي، المؤشّر الأساسي على عدم انخفاض الطلب هو فائدة الإنتربنك، أي فائدة اقتراض المصارف بين بعضها البعض بالليرة اللبنانية وليوم واحد، طبقا لصحيفة الأخبار اللبنانية.
إن الأزمة الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني الهش أساسا، ليست جديدة على هذا البلد الذي عانى حروب عديدة أرهقت إقتصاده وأثقلت كاهل المواطن اللبناني، لكن مع تصاعد موجة الربيع العربي وبدء الحرب السورية شكّل كل ذلك عوامل ضغط إضافية خاصة في ظل إتباع لبنان لسياسة النأي بالنفس مع سوريا، ما أحدث خناق إقتصادي من نوع آخر كون الأخيرة تُعتبر المتنفس الرئيس للدولة اللبنانية على كافة الأصعدة، إلا أن خروج مظاهرات لبنانية وقطع الطرقات في محاولة للضغط على المسؤولين لم تأتِ بنتيجة في ظل وجود من يعمل على تأجيج الأوضاع وتفاقمها ولعل لعبة المصارف والسوق السوداء هي الأبرز كونها تمس المواطن اللبناني بكل توجهاته.
طبيعة الأزمة
لقد بدأت الأزمة الفعلية عندما عمد تجار السوق السوداء إلى التحكم بأسعار الدولار الأمريكي وسحبه من الأسواق، مما شكّل عبئا على المصرف المركزي اللبناني، ليصبح هناك تفاوت كبير في سعر الصرف، ما يعني أن هناك ضغطا بدأ في السوق السوداء، لكن المتحكم الرئيس مرتبط بالسوق العالمي لسعر الصرف، للضغط على الوضع السياسي في لبنان وتحديدا حزب الله الذي لا يتعامل مع المصارف اللبنانية لإعتبارات كثيرة لكن أهمها العقوبات الأمريكية المفروضة على شخصيات كثيرة منه، وبالتالي إن إتباع هذا الأمر أضر بمصالح لبنان عموما، وأما جمهور المقاومة اللبنانية لم يتأثر كما أشرنا، ولقاء مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إتسم بجو عاصف، مما يؤكد أن مساعي واشنطن أضرت بحلفائها لا بخصومها في لبنان، وبالتالي الضغط الأمريكي من البوابة الاقتصادية لن يحقق من أمره شيء سوى فتح الطريق أمام حلفاء واشنطن الإلتفاف إلى معسكرات أخرى لدرء الكارثة.
أزمات متراكمة
في سياق متصل، إن تأثر لبنان بمشاكل الجوار وخاصة سوريا، إنعكس سلبا على الوضع المعيشي المرهق، كأزمة النازحين السوريين والفلسطينيين، في ظل تقاعس الأمم المتحدة عن الإلتزام الكامل بواجباتها تجاههم، ما خلق أزمة مضافة إلى الأزمات الأخرى، فضلا عن أن إغلاق معبر نصيب – جابر بين سوريا والأردن، أثر على لبنان بشكل كبير، لأنه كان متنفساً له سواء تصديراً أو إستيراداً، ومع عودة إفتتاح معبر القائم – البوكمال السوري العراقي، سيكون أمام الإقتصاد اللبناني بارقة أمل جديدة، من أجل أن ينتعش الوضع قليلا. لكن، لن يستمر الوضع هكذا لكثير من الأسباب لعل أبرزها، “وهو ما سيحدث لاحقا”، حدوث غارات إسرائيلية للإشتباه بنقل أسلحة إيرانية عبره إلى حزب الله في لبنان.
من هنا، يبدو أن أزمات لبنان لن تنتهي ومستمرة، وما تحاول واشنطن فعله، هو الضغط السياسي من الناحية الاقتصادية لتأليب الشعب ضد دولته ومسؤوليه، مما سيزيد الأوضاع سوء، فلا حلول مرتقبة إن لم يعد النازحون السوريون إلى بلدهم كمرحلة أولى ومن ثم إحياء العلاقات الاقتصادية مع سوريا وإلغاء سياسة النأي بالنفس، والتوجه شرقا نحو الصين و الإتحاد الروسي لخلق واقع جديد سيلقي حتما بفائدة عامة على كل لبنان، ويقطع الطريق على واشنطن التي تريد من لبنان أن يكون قاعدة لها، للضغط على حزب الله أولا ولحماية مصالح إسرائيل أمنيا وإقتصاديا في المقام الثاني.