القدس – (رياليست عربي): يبقى موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محورياً في أجندة الأخبار اليوم، فقد تجمد العالم في ترقب متوتر، تأتي المزيد والمزيد من التقارير من قطاع غزة عن قتلى وجرحى، وعن الضربات والدمار الرهيب، وعن نقص الوقود والمياه والدواء، وكل شيء يشير إلى كارثة إنسانية وشيكة في المنطقة.
ومن الواضح تماماً أنه لا يوجد حل سعيد لهذا الوضع وليس من المتوقع حدوثه في المستقبل القريب، لقد تجاوز عدد الفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة 7 آلاف شخص – كثير منهم أطفال ونساء، وعلى الجانب الإسرائيلي، قُتل أكثر من 1500 شخص بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية الإبلاغ عن مقتل جنود أصيبوا بجروح خطيرة في يوم هجوم حماس.
وفي الوقت نفسه، فإن عدد ضحايا التصعيد الحالي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يرتفع قريباً وسط خطط إسرائيل لشن عملية برية في قطاع غزة.
وأعلنت القيادة الإسرائيلية تنفيذه على الفور تقريباً رداً على الهجوم الذي شنه نشطاء حماس. الهدف من العملية هو تطهير الأراضي من الإرهابيين وإنشاء منطقة عازلة بين قطاع غزة وإسرائيل، استعداداً للعملية، تم تنفيذ غارات جوية واسعة النطاق وقصف مدفعي لمواقع عسكرية تابعة لحماس، مما أدى حتماً إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين، ونتيجة لذلك، اجتاحت موجة من الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل جميع أنحاء العالم.
هناك عدة أسباب للتأخير في بدء العملية البرية، رغم أن هناك الاستعداد الشامل للجيش الإسرائيلي للعمليات القتالية في البيئات الحضرية، ولم يسبق لإسرائيل أن واجهت حجم وتفاصيل مثل هذه العملية، لذا فهي تحاول تقليل خسائرها العسكرية وتقليل العواقب السياسية، وفي هذا الصدد، من المنطقي عدم الحديث عن تأخير المواعيد النهائية، بل عن التحضير الدقيق، وكلما طال أمد استعداد إسرائيل، كلما زاد احتمال شن عملية عسكرية، على هذه الخلفية، تجدر الإشارة إلى أنه، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، يمارس الجيش الإسرائيلي غزوًا لقطاع غزة في قرية فلسطينية نموذجية مبنية خصيصاً، والتي أطلق عليها الجيش اسم “غزة الصغيرة”ـ وهناك يتعلم الجيش الإسرائيلي كيفية القتال “في الشوارع الضيقة وفي متاهة من الأنفاق”.
إن وجود نظام كامل من الأنفاق التي بنتها حماس تحت قطاع غزة يثير الشكوك بين العديد من الخبراء حول قدرة الجيش الإسرائيلي على تطهير المنطقة بشكل فعال، بعد كل شيء، فإن القتال تحت الأرض سيؤدي دائماً إلى عدد كبير من الخسائر، والتي يمكن أن تسبب رد فعل مشدداً من السكان المدنيين، وقد يؤدي هذا بالفعل إلى الإضرار بالسمعة السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزملائه، الذين يتعرضون بالفعل لانتقادات بسبب حقيقة أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية سمحت بوقوع أحداث 7 أكتوبر في المقام الأول، وظهرت معلومات تفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض التوقيع على أمر بشن عملية برية واسعة النطاق في قطاع غزة خوفاً من فقدان ثقة السكان في حالة فشلها.
بالإضافة إلى ذلك، بعد بدء العملية، سيتدفق حتماً تدفق هائل من اللاجئين من قطاع غزة، بحثاً عن ملجأ من أهوال الحرب، إلى أين سيذهبون وكيفية حل هذه المشكلة أصبح الآن غير واضح لأي شخص، وربما يكون هذا عاملاً آخر في تأخير بداية الهجومـ ويستطيع الفلسطينيون التحرك نحو مصر، لكن قدرة معبر رفح محدودة، لكن الشيء الرئيسي هو أن القاهرة لم تعرب بعد عن اهتمامها باستقبال مئات الآلاف من اللاجئين من قطاع غزة على أراضيها.
ومن الواضح أن إسرائيل لن تحل المشكلة الفلسطينية بعملية برية في غزة وتدمير حماس، وسوف تزداد سوءاً، وسوف يواجه الإسرائيليون غضب وكراهية عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين الذين سيشكلون فصائل جديدة ويواصلون حركتهم التحررية، فقط هذه المرة سيكون الأمر أكثر قسوة وعدوانية، وسوف تمتد موجة من العنف إلى الضفة الغربية وتطغى على المستوطنات الإسرائيلية، سوف يتعرض اليهود في جميع أنحاء العالم للهجوم من قبل المتطرفين الإسلاميين، وسوف تصبح أعمال العنف أكثر تواتراً، كما حدث مؤخرا في ديترويت عندما قُتلت الحاخام سامانثا وول.
إن توحيد العالم العربي والدول المعارضة للخيار العسكري لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيؤدي إلى زيادة التناقضات ومزيد من الفجوة بين دول الجنوب العالمي والعالم الغربي الذي يدعم بشكل عام السياسات الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بدء العملية البرية يهدد بتصعيد حاد للصراع، عندما قد تشارك قوات ثالثة، على وجه الخصوص، نحن نتحدث عن حزب الله اللبناني، الذي يتبادل بالفعل القصف مع إسرائيل، بالإضافة إلى ذلك، يمكن الافتراض أن الأسباب الكامنة وراء توقف العملية البرية في غزة مرتبطة بالتحليل وسوء التقدير للعواقب طويلة المدى لمزيد من تصعيد الصراع واستعداد إسرائيل وحلفائها للحرب، وكذلك احتمال دخول إيران إليها، وفي هذه الحالة، يتم تأجيل العملية من أجل تجميع إمكانات القوة التي من شأنها أن تجعل من الممكن إلحاق هزيمة عسكرية بالجمهورية الإسلامية.
وفي حالة توسع القتال ، لا يتم استبعاد تورط الدول الغربية، وبالفعل، تتخذ الولايات المتحدة خطوات تشير إلى أن الولايات المتحدة في مرحلة ما لن ترغب في البقاء على الهامش. وأمريكا، كما أظهرت تجربة السنوات الماضية، تحب جر حلفائها الأوروبيين إلى الحروب.
وفي ظل الوضع المعقد والمأساوي الحالي، يظل الحل الوحيد الصحيح والعاجل هو الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن ووقف إطلاق النار، انضمت روسيا إلى البحث عن حلول؛ ومع زيارة وفد من حماس موسكو، يمكن اعتبار هذه الزيارة بمثابة رغبة الاتحاد الروسي في تكثيف موقفه التفاوضي والعمل كصانع للسلام، ومع ذلك، فإن الصراع الحالي لا يمكن حله بمفرده، ولا يسع المرء إلا أن يعتقد أن الدول العربية والإسلامية سوف تمارس الضغوط على حماس في الاتجاه الصحيح، وأن الشركاء الرئيسيين للدولة اليهودية لن يغذوا المشاعر العسكرية للإسرائيليين.
لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري أعلن قراراً بتوسيع المناورات البرية في قطاع غزة، لكن هذا، على ما يبدو، لا يعني بعد البداية الكاملة للعملية البرية، ففي الأيام الأخيرة، قامت وحدات من الجيش الإسرائيلي بغارات على أراضي القطاع بمساعدة الدبابات والعربات المدرعة، وخلال هذه المعارك تكبد الجانبان خسائر، وبعد ذلك تراجع الجيش الإسرائيلي إلى خطوطه السابقة.
بالتالي، تنتظر إسرائيل الوقت المناسب لتنفيذ العملية ولا يمكن لها أن تتخلى عنها لأن البدء بها أو التأخير بها سيضعف موقف نتنياهو في كلا الحالتين.