موسكو – (رياليست عربي): أعلنت الحكومة الروسية مساء أمس الخميس 20 مارس 2025 عن فرضها حالة الطوارئ في منطقة (إنجلز) بمنطقة (ساراتوف) الروسية، بعد أن تسببت الكثير من الطائرات الأوكرانية المُسيّرة بانفجار هائل وحريق في المطار العسكري هناك، وتسببت أيضاً بتضرر عدد من المباني، وإصابة العديد من المدنيين الروس رغم المباحثات (الروسية – الأمريكية).
- وأكدت وزارة الدفاع الروسية إن وحداتها دمرت 132 طائرة بدون طيار أوكرانية الصنع خلال الهجوم الليلي التي تعرضت له ست مناطق من روسيا الإتحادية بما في ذلك 54 طائرة أوكرانية في منطقة (ساراتوف) لوحدها التي ضربتها أكثر الطائرات الأوكرانية وقصفت مطارها العكسري.
- فيما أكدت قيادة القوات الجوية الأوكرانية من الجانب الأوكراني، أن قواتها أسقطت ليل البارحة أكثر من 75 طائرة روسية مسيرة من أصل 171 طائرة بدون طيار أطلقتها روسيا الإتحادية على أوكرانيا خلال الليل، كما أسقطت 63 طائرة أخرى باستخدام تشويشات الحرب الإلكترونية.
- وفي هذا الصدد أكد (أركادي رايكوفيتش) حاكم مدينة (كروبيفنيتسكي) الأوكرانية أن الطائرات الروسية المُسيّرة قتلت شخصين وأصابت عشرة أشخاص، كما تسببت بتضرر العديد من المباني السكنية، بما في ذلك منازل خاصة ومبانٍ متعددة الطوابق جراء تلك الهجمات.
- وأعلن بعده مباشرةً السيد (أوليه كيبر ) حاكم مدينة (أوديسا) الأوكرانية الواقعة على شاطئ البحر الأسود، أن الطائرات الروسية المسيرة، قد هاجمت أيضاً ميناء أوديسا الأوكراني على البحر الأسود، مما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص وإلحاق أضرار بمبنى سكني ومركز للتسوق في أوديسا.
وحول هذه التطورات العسكرية والأمنية المتوترة رغم المفاوضات الحالية (الروسية – الأمريكية):
- أكد المتحدث باسم الكرملين الروسي (دميتري بيسكوف) صباح اليوم الجمعة إن روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية ستجتمعان في المملكة العربية السعودية لمناقشة استئناف مبادرة البحر الأسود وجوانب أخرى من تسوية وقف إطلاق النار المحتملة. كما اتهم (دميتري بيسكوف) أيضاً الدول الأوروبية بالتخطيط (لعسكرة) نفسها والتحول إلى (حزب حربي) بدلاً من السعي إلى السلام، في إشارة إلى الإجتماع الأخير للقادة العسكريين الأوروبيين الذي عقد في المملكة المتحدة.
- فيما أعلن السيد (يوري أوشاكوف) وهو المساعد الخاص للرئيس الروسي إن محادثات وقف إطلاق النار ستعقد يوم الإثنين المقبل الموافق لتاريخ 24 مارس 2025 حيث سيحضر هذه الإجتماعات عن الجانب الروسي السيد (غريغوري كاراسين) رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ الروسي، وسيرافقه أيضاً السيد (سيرجي بيسيدا)، وهو مستشار رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، على الرغم من أن روسيا الإتحادية تتهم أوكرانيا بمحاولة تخريب جهود السلام، في إشارةٍ إلى هجمات كييف على مستودع نفط في قرية (كافكازكايا) بجنوب روسيا الإتحادية.
- أما من الجانب السياسي والدبلوماسي الأوكراني فقد أكد الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) عقد اجتماعات مع الولايات المتحدة الأمريكية في المملكة العربية السعودية، حيث أعلن بأن ما يعرف اصطلاحاً بـــــــ (الفرق الفنية الأوكرانية) لهذه المحادثات ستصل إلى المملكة العربية السعودية نهاية الأسبوع الجاري، وهو الأمر الذي أكدته الحكومة النرويجية أيضاً من أوسلو، والتي وصل إليها الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلنسكي) لإجراء محادثات سياسية وأمنية وعسكرية وإقتصادية مع رئيس الوزراء النرويجي (يوناس جار ستور)، حيث أكد زيلينسكي من هناك لقادة الإتحاد الأوروبي، أن موسكو قد واصلت ضرباتها العسكرية على نظام الطاقة في أوكرانيا على الرغم من الإتفاق الذي تمَّ التوصل إليه بين الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ونظيره الروسي (فلاديمير بوتين).
- وفي حديثه مع زعماء الإتحاد الأوروبي، طلب (فولوديمير زيلينسكي) من القادة الأوروبيين الموافقة على منح كييف ما لا يقل عن 5 مليارات يورو (5.43 مليار دولار) وذلك لشراء قذائف لسلاح المدفعية الأوكرانية، وهو الأمر الذي يشير بأن نظام كييف ما زال يسعى لتسليح نفسه تحسباً لتمدد فترة الحرب، والتي لا يعتقد الأوكرانيون بأنها ستتوقف قريباً على الرغم من التطمينات الأمريكية، إذ يعتقد قادة نظام كييف العسكريين، وعلى رأسهم قادة المخابرات العسكرية بأن موافقة الجانب الروسي لوقف إطلاق النار، كانت تخص محطات الطاقة الأوكرانية فقط، ولا شيء آخر.
- ولهذا السبب أشار (فولوديمير زيلنسكي) فيما يتعلق بالفكرة التي طرحها سابقاً الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بشأن امتلاك منشآت الطاقة الأوكرانية، أن أوكرانيا لن تتفاوض بشأن ملكية محطة (زابوروجيه) للطاقة النووية التي تسيطر عليها موسكو حالياً، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) كان قد أكد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستوقع قريباً على إتفاقية معادن مع أوكرانيا، إذ يأتي هذا الإتفاق بعد أن أعلن البيت الأبيض الأمريكي أن واشنطن قد تجاوزت هذا الإتفاق من حيث المبدأ، لأن عملية التفاوض بشأنه قد تمت في وقت سابقٍ، وركزت بدلًا من ذلك على اتفاق السلام المزمع عقده بين البلدين المتحاربين، أي روسيا الإتحادية وأوكرانيا.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، أنه وبالتزامن مع العملية التفاوضية التي يقوم بها الجانبين الروسي والأمريكي حالياً، بعد أن نجح الدبلوماسيون في كل من واشنطن و موسكو في القيام بخطواتهم الأولى نحو تسوية الصراع الأوكراني، بات يبدو من الواضح أن الغرب لم يَعُد يعمل بشكلٍ جماعي، نظراً لأن الدول الأوروبية التي ظلت لسنوات طويلة تابعة لواشنطن، تحاول حالياً الآن العثور لنفسها على موقعٍ سياسي ودبلوماسي جديد ضمن العملية الدبلوماسية والتفاوضية الدولية التي تنظمها الممملكة العربية السعودية.
- وحول هذه النقطة بالذات، يؤكد الخبير والمحلل السياسي الروسي (أوليغ كاربوفيتش)، وهو نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية التابعة للخارجية الروسية، فيما يتعلق باستمرار أوروبا بتهديد روسيا الإتحادية، أن أوروبا تمرُّ بمرحلة بلطجة سريعة (على حد وصفه وتقديره)، وليس من قبيل المصادفة أن يصبح ممثلون من جمهوريات البلطيق المعادية لموسكو، مثل إستونيا وليتوانيا على التوالي، ومن خلفهم لاتفيا، هم المسؤولون في الوقت الحالي عن السياسات الخارجية والدفاعية في المفوضية الأوروبية رغم التوترات الإقليمية والدولية. وذلك لأن هذا المستوى غير الطبيعي والخارج عن المألوف من رهاب روسيا الإتحادية ونظريات المؤامرة، والتي كانت في السابق سمة مميزة لبولندا ودول البلطيق فحسب، قد تغلغلت الآن داخل أكثرية النخب السياسية التي تحكم أحزابها معظم عواصم الإتحاد الأوروبي.
- وهنا، يضرب الخبير والمحلل السياسي الروسي (أوليغ كاربوفيتش)، نائب نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، مثالاً حياً على هذا الأمر، فيتحدث عن الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) الذي إدعى ذات يومٍ بأنه مفاوض براغماتي، بعد أن أدرك أن بإمكانه تسجيل النقاط على وجه التحديد على الخط المعادي لروسيا الإتحادية، ولذلك وجدناه كيف وصل فيه الحقد دون خجل إلى درجة تهديدد روسيا الإتحادية باستخدام الأسلحة النووية ضدها.
- ولهذا السبب يؤكد الخبير الروسي (أوليغ كاربوفيتش)، أن أجهزة الأمن الروسية يتوجب عليها أن تفهم ما يمكن أن تؤدي إليه خطابات الأوروبيين العدوانية المتزايدة بشأن القضية الأوكرانية والطرح النشط لفكرة نشر قوة عسكرية أجنبية في أوكرانيا ضمن الخطاب العام للدول الأوروبية، لأن مجرد استفزاز أوروبي واحد سيكون كفيلاً بوصول هذا الخط الحازم مع الأوروبيين إلى صراع خطير مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها للأوروبيين، ولهذا السبب، وبينما يراقب الجانب الروسي المفاوضات الجارية بشأن القضية الأوكرانية، فمن الضروري أيضاً الحفاظ على درجة كبيرة من التعبئة الداخلية والإستعداد من قبل الكرملين الروسي لمجموعة واسعة من التطورات المحتملة.
- وفي هذا السياق، يتحدث خبير روسي ثانٍ، هو مدير مركز التحليل السياسي، الخبير (بافيل دانيلين) فيؤكد بأن العديد من المصادر السياسية الأوكرانية قد أكدت بأن القائد السابق للقوات المسلحة الأوكرانية والسفير الحالي لدى بريطانيا (فاليري زالوجني) قد بدأ بعقد اجتماعات سرية مع ممثلي زعماء العالم.
- وقد كان أحد هذه اللقاءات كان مع الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، (فيكيلي مبالولا)، وهو ما يشير إلى أن المعركة على مقعد الرئاسة في أوكرانيا تسير على قدم وساق بالفعل، وأن الموضوع ليس كما يصوره البعض على أنه مجرد خدعة من قبل من يحاول أن يثير الخلاف عمداً بين زالوجني و زيلينسكي.
- ويتابع مدير مركز التحليل السياسي، الخبير الروسي (بافيل دانيلين) بأن عقد اجتماع كهذا، كان من الممكن أن يكون أمراً عادياً، إلا أن ظهوره إلى العلن على هذا النحو يشير بالفعل إلى أن هناك من يريد ضرب (فاليري زالوجني) وتقديمه كزعيم المعارضة ضدَّ نظام (فولوديمير زيلينسكي)، وهو ما يؤكد بأن هناك أطراف ثالثة غير روسيا الإتحادية تهدف إلى الإضرار بسمعة (فاليري زالوجني)، وفي نفس الوقت تهدف إلى تهديد (فولوديمير زيلينسكي) الذي يتهمه الأمريكيون على سبيل المثال، بأنه يعاني من جنون العظمة بشأن تصرفاته ضدَّ المعارضة الأوكرانية وأفراد حاشيته السابقة، إلى درجةٍ بات فيها مستعداً لضرب اليمين واليسار وضرب كل من يخرج رأسه كمعارض ضدَّه.
- وبحسب مدير مركز التحليل السياسي، الخبير الروسي (بافيل دانيلين)، فإن معظم الدول الغربية، وبعكس روسيا الإتحادية، تعودت أن تضع بيضها دائماً في سلال مختلفة، وذلك من خلال بناء علاقاتٍ لها مع ممثلي المجموعات السياسية المختلفة في أي بلد كان، وليس فقط في أوكرانيا، حيث بات من المرجح أن يفعل الزعيم الجنوب إفريقي الشيء نفسه، أي اللقاء مع (فاليري زالوجني) وليس مع (فولوديمير زيلنسكي) وهذا الإحتمال موجود، لأن السفراء غالباً ما يعقدون ليس فقط اجتماعات عامة، ولكنهم يعتقدون اجتماعاتٍ غير رسمية أيضاً.
- وبسبب هذه الإجتماعات غير الرسمية التي كان يعقدها (فاليري زالوجني) في لندن، فقد تعرض لانتقاداتٍ كثيرة غير متوقعة من قبل (أليكسي أريستوفيتش) وهو المستشار السابق لرئيس مكتب الرئيس الأوكراني، الذي وصف زالوجني نفسه سابقاً بأنه صديق له، لكن (أليكسي أريستوفيتش) بات ينتقد (فاليري زالوجني) في جميع المقابلات، وبات يتحدث بأن زالوجني هو رجل حرب حقيقي، وهو لن يشارك في أي مفاوضات سلام مع روسيا الإتحادية، وأنه سيستمر في إغراق أوكرانيا بالدماء، تماماً كما يرغب الأوروبيون الذين يعارضون محادثات السلام (الأوكرانية – الأمريكية) لإقناع روسيا الإتحادية بوقف هذه الحرب نهائياً.
- كل هذه التغييرات والتطورات السياسية والأمنية والعسكرية التي تشهدها العملية التفاوضية بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، هي التي دفعت الرئيس الأوكراني السابق، الرئيس (بيوتر بوروشينكو) ليستغل هذه الفرصة من التغيرات، ليتحدث أيضاً عن طموحاته الرئاسية، حيث سافر مؤخراً بشكل سري إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بموافقة ومباركة سرية من قبل جهاز المخابرات الروسية، حيث يحاول الأخير إجراء محادثات ثنائية مع الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب)، نظراً لأن كلاً من واشنطن و موسكو، تبحثان حالياً (على ما يبدو) عن بديل محتمل لـــــ(فولوديمير زيلنكسي) الذي بات واضحاً له بأن الإدارتين الرئاسييتين، سواءً الأمريكية في واشنطن أو الروسية في موسكو، لا ترغبان برؤيته على كرسي الرئاسة في كييف، لأنه باختصار شديد غير مواتي و غير مناسب للإتفاق الذي سيتم التوصل إليه حالياً بين قادة البيت الأبيض الأمريكي وقادة الكرملين الروسي، والذي سيتمُّ الإعلان عن تفاصيله الأولى قريباً، ولربما حتى قبل الذكرى الثمانين للنصر السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى ضدَّ النازيين و الفاشيين.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.