موسكو – (رياليست): كان مقتل إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز من هذا العام سبباً في ارتفاع حاد في درجة حرارة العلاقات المتوترة بالفعل بين إيران وإسرائيل، والتي كانت تتأرجح على شفا حرب شاملة لعدة عقود من الزمن.
وفي أقل من عام 2024، واجهت إيران سلسلة من التحديات الخطيرة: هجوم إرهابي كبير في كرمان على ضريح الجنرال قاسم سليماني، هجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، أدى إلى مقتل 11 دبلوماسياً واثنين من كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني، والوفاة المأساوية للرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطم مروحية، وأخيراً وفاة زعيم حركة حماس المتطرفة إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية، كل هذا مجتمعاً يجبر القيادة السياسية الإيرانية على اتخاذ قرارات أكثر صرامة وجذرية لتثبت لنفسها وللعالم أجمع أنه لا يستحق “التحدث” مع إيران بهذه الطريقة.
وكان إسماعيل هنية في طهران ضيفاً على حفل تنصيب رئيس البلاد الجديد مسعود بيزشكيان، يشار إلى أن بيزشكيان أعلن خلال خطابه المهيب استعداد إيران للمفاوضات من أجل تخفيف التوتر في العلاقات مع الغرب، وأشار الرئيس الجديد أيضاً إلى أنه يعتزم السعي لتطبيع علاقات إيران الاقتصادية مع الدول الأخرى وعدم الاستسلام في مواجهة القيود الخارجية، كل هذه التصريحات كانت متوقعة ومفهومة تماما، حيث يعتبر بيزشكيان ممثلاً كلاسيكياً لتلك القوى الإصلاحية والدوائر السياسية في إيران التي تدعو إلى مسار أكثر اعتدالا وبراغماتية في السياسة الخارجية.
ومع ذلك، لم يمر أقل من يوم قبل أن تفقد كل هذه الدعوات للرئيس الجديد أهميتها، ففي نهاية المطاف، لم يثبت مقتل إسماعيل هنية تصميم معارضي حماس على اتخاذ إجراءات متطرفة فحسب، بل أظهر أيضاً لإيران أنه لا توجد خطوط حمراء بالنسبة لهم، بعد الحادثة، ظل العالم كله يتساءل منذ شهر تقريباً عن الرد الإيراني وما إذا كان سيكون هناك رد فعل على الإطلاق، ويعتمد رد فعل إسرائيل اللاحق على ذلك، وهو ما يعني أن التهديد بحرب واسعة النطاق لا يزال قائماً.
فمن ناحية، أجبرت إيران إسرائيل على اللجوء إلى إجراءات أمنية متشددة بصمتها المشؤوم، وفي طهران نفسها يعتبر انتظار الرد نوعاً من العقاب، لأن درجة رد الفعل العصبي في الدولة اليهودية مستمرة في التزايد. في المقابل، قررت إدارة البيت الأبيض تهدئة نفسها، قائلة إنها تمكنت عبر وسطاء من إقناع طهران بالتخلي عن فكرة مهاجمة إسرائيل، كما صرحت إدارة جو بايدن، بطريقتها المعتادة، بغطرسة إلى حد ما أن الإيرانيين سيواجهون عواقب وخيمة إذا قامت طهران بالضرب. في الواقع، أصبح تصعيد الصراع الآن في غير صالح واشنطن – فالانتخابات على المحك، ولا ينبغي السماح لترامب تحت أي ظرف من الظروف بإلقاء اللوم على الديمقراطيين لأنهم لم يمنعوا توجيه ضربة إلى حليفهم الرئيسي في المنطقة، ولذلك، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي لبايدن جيك سوليفان على استعداد للتفاوض مع أي شخص، وحتى مع آية الله علي خامنئي نفسه، من أجل عدم السماح بتطور غير موات للأحداث لأنفسهم.
ويرفض المسؤولون الإيرانيون من حيث المبدأ تحديد توقيت ومدى الضربة، مشيرين فقط إلى أن الرد سيتم تقديمه عاجلاً أم آجلاً، بالتالي، إن الجانب الإيراني غاضب ليس من حقيقة مقتل هنية، بل من حقيقة أن إسرائيل سمحت لنفسها باتخاذ هذه الخطوة، التي اعتبرتها طهران وقحة ومتعجرفة، يُشار إلى أن إسرائيل لم تعترف قط رسمياً بمسؤوليتها عما حدث، لتبرر بذلك نفسها مستقبلاً إذا قامت إيران بالعدوان عليها، طهران تأخذ فترة راحة، وهناك أيضاً تفسير لذلك، وعلى خلفية المفاوضات في قطر ومصر بين ممثلي حماس وإسرائيل، فإن الرد الإيراني القاسي لا يمكن إلا أن يدمر كل شيء، ومن الواضح أن الوضع الحالي لن يعمل لصالح طهران.
كما أن القيادة السياسية العليا في إيران عالقة بين المطرقة والسندان، فمن ناحية، هناك حقائق جيوسياسية موضوعية لا يمكن تجاهلها؛ ومن ناحية أخرى، لا يمكن للمرء أن يتنازل عن سلطته، خاصة عندما تبدأ أسئلة غير مريحة في طرحها داخل البلاد، وهذا لا يعني على الإطلاق أن المجتمع يريد الدماء والحرب، لكن الإيرانيين وطنيون تماماً ويعتقدون أن كل هذه “الصفعات” يجب أن تتوقف في النهاية، ويتطور وضع صعب بين إيران وحلفائها في شكل مجموعات وكيلة، تعتبر حراساً مخلصين لمصالح طهران في المنطقة، ومن وجهة نظرهم، فقد حان الوقت لمهاجمة إسرائيل بشكل حاسم ومواجهة كل من يقرر الدفاع عنها، بما في ذلك القوات الأميركية، وتشمل الرؤية التي قدمها حلفاء طهران عمليات واسعة النطاق وطويلة الأمد تستهدف البنية التحتية، وتعطيل الأمن، والأهداف العسكرية والاقتصادية، والمناطق المدنية والسكنية الإسرائيلية، في رأيهم، سيؤدي ذلك إلى حقيقة أن جميع الإسرائيليين سيضطرون إلى العيش في الملاجئ لفترة طويلة وسيواجهون نفس الصعوبات التي يواجهها سكان غزة.
وأصبح الوضع متوتراً للغاية لدرجة أن الولايات المتحدة طلبت من تركيا وحلفاء إقليميين آخرين لهم علاقات مع إيران إقناع طهران بخفض التوترات في الشرق الأوسط، وقد صرحت أنقرة مراراً وتكراراً بأنها تفعل كل ما في وسعها لمنع الصراع، وإلا فستحدث كارثة ستؤثر بالتأكيد على جميع اللاعبين الإقليميين وتؤدي إلى نتائج غير متوقعة، بمعنى آخر، لن يتمكن أحد من الجلوس بهدوء على الهامش.
وبالتالي فإن السلطات الإيرانية تواجه خياراً صعباً: إذ تواجه إيران حرباً كبرى لا يمكن التنبؤ بعواقبها، ولكنها تحتاج أيضاً إلى الحفاظ على كرامتها وعدم السماح لإسرائيل بأن تكون لها الكلمة الأخيرة، ومن المهم أيضاً أن تحافظ طهران على سيطرتها على قواتها الوكيلة في المنطقة، وهو الأمر الذي ثبت مؤخراً أنه صعب على نحو متزايد بسبب التناقضات المتزايدة، والآن اندلع الصراع السياسي الداخلي الرئيسي في إيران بين القوى المحافظة، التي تسيطر عليها كتلة السلطة ورجال الدين، وبين الإصلاحيين الذين يعززون نفوذهم في الحكومة.
أما الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، رغم تهديده لإسرائيل بالرد، ما زال يأمل ألا تصل الأمور إلى حرب ساخنة، وليس الأمر أن بيزيشكيان أو أي شخص آخر يخاف من إسرائيل والولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، يدرك الجميع في إيران أن العدو مسلح بشكل خطير وأن الإيرانيين لن يفلتوا بسهولة في حالة الحرب.
بالتالي، من الواضح أن إسرائيل تحاول بمهارة جر إيران إلى الحرب، وإذا تطورت مثل هذه السلسلة من الأحداث، فإن رئيس الوزراء نتنياهو سيحقق هدفه – توحيد المجتمع بأكمله من حوله وبالتالي تعزيز موقفه، في نفس الوقت سيضطر إلى إشراك الأمريكيين في الصراع، مما يسبب صداعاً خطيراً لإدارة بايدن، إيران الآن ليست في مزاج للقتال؛ فهي بحاجة إلى تحسين الوضع الاقتصادي، وتحسين الظروف المعيشية نوعيا داخل البلاد، ومواصلة عملية إعادة التسلح وتوسيع العلاقات مع جيرانها في المنطقة من خلال الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس، وبذلك تضعف طهران جهود الغرب لعزلها، ويصبح كل هذا مجتمعاً مصدر إزعاج كبير لإسرائيل.
المحلل السياسي فرهاد إبراغيموف –مدرس في كلية الاقتصاد بجامعة رودن – محاضر زائر في الأكاديمية الرئاسية الروسية – RANEPA – روسيا.