موسكو – (رياليست عربي): كان اجتماع زعماء دول مثلث فايمار (فرنسا – ألمانيا – بولندا)، الذي انعقد في 15 مارس/آذار، بمثابة محاولة جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي لإظهار نهج موحد تجاه الصراع الأوكراني.
وعلى خلفية الخطاب المتشدد والعدواني للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإصرار المستشار الألماني أولاف شولتز على توريد صواريخ توروس، والمسار المستقر المناهض لروسيا للقيادة البولندية، وظهور قادة ثلاث دول أوروبية في ساحة المعركة، وكان مصير نفس المنصة أن تنتهي بقرار صاخب لدعم كييف، وتبين أنه بيان للمستشارة الألمانية حول استعداد الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأرباح من الأصول الروسية المصادرة لشراء أسلحة للقوات المسلحة الأوكرانية.
للوهلة الأولى، تبدو المبادرة وكأنها نتيجة لتسوية معقدة بين مجموعات مختلفة من الساسة الأوروبيين الذين يروجون لنهج متعارض تقريباً في التعامل مع كل ما يحدث في أوكرانيا، ويمكن لمؤيدي “الحرب حتى النهاية المريرة” أن يتنفسوا الصعداء – فرغم الاتجاه نحو خفض حجم المساعدات إلى كييف، فإن الأسلحة والذخائر سوف تستمر في إرسالها، أولئك الذين كانوا قلقين بشأن حالة الميزانيات والاحتياطيات العسكرية الأوروبية مطمئنون أيضاً – سيتم تنفيذ عمليات التسليم على حساب شخص آخر، وعلى ما يبدو، دون الإضرار بالترسانات الأوروبية.
وأخيراً، يمكن للسياسيين الذين يصرون على تجميد الصراع أن يعزوا أنفسهم بالأمل في أن يؤدي مثل هذا المخطط إلى جولة جديدة من تصعيد الأزمة بسبب التوسع النوعي أو الكمي لمجموعة الأسلحة الموجودة تحت تصرف القوات المسلحة الأوكرانية. من غير المرجح.
ومع ذلك، فإن مثل هذه “التسوية” ستكون لها في الواقع عواقب وخيمة، وخاصة على دول الاتحاد الأوروبي نفسها، لم تنظر موسكو إلى تجميد الأصول الروسية بعد بدء العملية العسكرية الخاصة على أنه خطوة عدائية من جانب شركائها الأوروبيين السابقين فحسب، بل ترك أيضاً تساؤلات حول أمن أصول الدول الأخرى على أراضي الاتحاد الأوروبي، وبدأ الشعور بالقلق بشكل خاص في بكين، حيث رأوا، وليس من دون سبب، أوجه تشابه خطيرة في الديناميكيات المدمرة للعلاقات بين العواصم الأوروبية وموسكو.
ورغم أن الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي ظلت مجمدة، فإن الوهم الرسمي بإمكانية عكس ما كان يحدث ظل قائماً، والحديث عن مصادرتها المحتملة كان يقابل دائما بالمشككين، ويشيرون إلى خطر التدابير الانتقامية التي قد تتخذها روسيا والتكاليف التي ستتحملها سمعة الاتحاد، وفي نهاية المطاف فإن صورة “الحديقة المزهرة” الأوروبية أعظم قيمة من أن يتم إهدارها.
ولعل الساسة الأوروبيين يعتقدون أن مصادرة الدخل لا تعادل مصادرة الأصول في حد ذاتها، وينبغي لموسكو أن تشعر بالسعادة لأن كل شيء في الوقت الحالي يسير عبر أنصاف التدابير، وهذا حكم خاطئ يوضح فهمهم القديم لتحديد الأهداف ونظام التنسيق للقيادة الروسية، والآن لا يسعنا إلا أن نتكهن بشأن الإجراءات الانتقامية المحتملة من جانب موسكو، ولكن ليس هناك شك في أنها ستتبع.
فهل كان أمام الأوروبيين خيار في هذا الوضع؟ ويظل تمويل أوكرانيا هواية باهظة الثمن بالنسبة للسياسيين الغربيين، منذ بعض الوقت كان الأمر يبدو وكأنه استثمار قصير الأمد في الهزيمة العسكرية التي منيت بها روسيا والتي أعقبتها تغيرات اجتماعية وسياسية عميقة، وفي التفسيرات الأكثر تطرفاً، فإن مصير دولة يعود تاريخها إلى ألف عام من الممكن أن يتقرر بواسطة عمود واحد من دبابات ليوبارد 2 أو عشرات الصواريخ بعيدة المدى.
كما أجبر فشل ما يسمى بالهجوم المضاد للقوات المسلحة الأوكرانية الساسة الغربيين على الانخراط في الارتجال الاستراتيجي، حيث تبين أن سداد الرهن العقاري لمنزل أوروبي بدون روسيا على عدة دفعات كبيرة كان مهمة مستحيلة، كان علينا تقليل حجم المدفوعات السنوية وتحمل تمديدها بمرور الوقت.
والآن حانت المرحلة التي يتعين فيها اقتراض المدفوعات نفسها. أولاً، بسبب نقص الأموال لدينا، ثانياً، نظراً لحقيقة أن الشارة الفخرية “المتبرع المالي المكرم لأوكرانيا” لم تعد تُلبس على طية صدر السترة، وإذا أمكن إخفاؤها في الجيب قبل المناسبات العامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجماهير المحلية، فقبل عام ونصف العام فقط، تباهت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا باربوك بحقيقة أنها ستدعم كييف بغض النظر عن آراء ناخبيها، والآن يتعين على الحكومة الألمانية أن تبرر احتفاظها بالمبالغ الهائلة المخصصة لأوكرانيا في مشروع ميزانية الدولة، في ظروف حيث يستمر الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين الألمان في التدهور.
بالتالي، تفضل الدول الغربية الآن المساهمة بشكل معتدل وجماعي في أسلحة القوات المسلحة الأوكرانية، وتطلق على هذه العملية إنشاء التحالفات، وكان أحد أحدث هذه الاتفاقيات هو “تحالف الأسلحة بعيدة المدى” الذي أعلنه المستشار شولتز، كتعويض على ما يبدو عن صواريخ توروس المتبقية في ألمانيا، لقد سئمت برلين من الزعامة الأوروبية فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، ومع عدم تحقيق أي نجاح واضح في تحويلها إلى باريس، فإنها تبادر بسهولة إلى إنشاء ودعم صيغ متعددة الأطراف.
إن لجوء الأوروبيين إلى الأصول الروسية بحثاً عن أموال لتمويل القوات المسلحة الأوكرانية هو، إلى حد ما، خطأ الملاذ الأخير في محاولات بناء نظام جديد لدعم أوكرانيا على خلفية عدم نجاحها في عملية السلام المقدمة، ومن المحتمل أن يساعد ذلك في الحفاظ على الحد الأدنى المطلوب من الإمدادات لإبقاء كييف واقفة على قدميها، ومع ذلك، فإن الضرر الناجم عن هذه الخطوة بالنسبة للاتحاد الأوروبي نفسه سيكون أكثر من كبير.