فاز الحزب الحاكم في كازاخستان، نور أوتان (نور الوطن)، بأغلبية مطلقة من الأصوات في الإنتخابات البرلمانية التي رافقتها احتجاجات ودعوات للمقاطعة.
وأفادت لجنة الانتخابات المركزية، بأن حزب نور أوتان حصل على 71% من الأصوات، أي أقل بـ 10 نقاط مئوية عن النتيجة التي حققها في الانتخابات الأخيرة قبل خمسة أعوام. وقالت لجنة الانتخابات المركزية إن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات البرلمانية بلغت 63.25%. طبقاً لوكالة أنباء “ريا نوفوستي“.
المسار الديمقراطي في كازاخستان لا يزال متعثراً
الإنتخابات لم تسفر عن جديد، الحزب الحاكم والمسيطر على السلطة منذ سقوط الإتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، وهو حزب “نور أوتان” الذي أسسه الرئيس السابق “نور سلطان نزارباييف” والذي تربع على عرش البلاد لما يقارب الثلاثة عقود، فحزب نور أوتان الحاكم يسيطر على البرلمان، ويضم في عضويته 800 ألف عضو من بين 19 مليون نسمة، ورغم حصول الحزب على نسبة أقل مما حصل عليها بالإنتخابات السابقة، إلا أن باقي الأحزاب المتنافسة الأخرى لا يمكن تصنيفها على أنها معارضة، بل كوكلاء وموالين للحزب الحاكم.
وكي تحصل الأحزاب في كازاخستان على تمثيل برلماني، لابد أن تتجاوز عتبة الـ7% من إجمالي نسبة المقاعد في البرلمان، وهو ما تمكن منه حزبان آخران في الإنتخابات الجديدة، حزب “اك شول” (المسار المشرق) والذي حصل على 10.9% من الأصوات ، بالإضافة لحزب الشعب الكازاخستاني والذي حصل على 9.1% من الأصوات وكلاهما موالٍ للحكومة والحزب الحاكم.
لذا فمن الطبيعي أن لا تسفر الإنتخابات عن وجود بديل حقيقي للحزب الحاكم، وذلك لأن الحزب المعارض الوحيد والذي كان يشارك في الإنتخابات البرلمانية السابقة، وهو “الحزب الوطني الديمقراطي” والذي قد انسحب قبل بداية الإقتراع وقرر عدم الترشح هذه المرة بعد خسارته في الإنتخابات الثلاثة الأخيرة ضد الحزب الحاكم “نور أوتان”.
كازاخستان.. إحدى ساحات النزاع الروسي الأمريكي
منذ سقوط الإتحاد السوفيتي والتي كانت تمثل كازاخستان إحدى جمهورياته، بدأت الولايات المتحدة بمحاولة التوغل فى عمق روسيا الإقليمي، خاصة أن كازاخستان من أقوى الإقتصاديات الأوراسية وتأتى فى المرتبة الثانية بعد روسيا، كما أنها ترتبط إرتباطاً كبيراً بالإتحاد الأوروبي أكبر شركائها الإقتصاديين، وتسعى واشنطن للتغلغل والتحكم بآليات صنع القرار في البلاد، وتعتمد في ذلك على إرسال العديد من المنح الدراسية والبعثات للطلاب الكازاخستانيين، وهو ما شكل جيلاً جديداً من الكوادر القيادية التي نشأت على القيم الليبرالية الغربية والموالية لسياسات القطب الأكبر في العالم وهي الولايات المتحدة، فهؤلاء الطلاب عادوا لبلدانهم وتولوا مناصب هامة في الحكومة الكازاخية، ومنهم وزير الإقتصاد “رسلان دالينوف” والذي حصل على تعليمه في جامعة كاليفورنيا، هذا بالإضافة لعدد كبير من القيادات التكنوقراطية الأخرى والتي تتمكن شيئاً فشيئاً من الوصول لمواقع مرموقة في سلم السلطة في البلاد.
في المقابل تتمسك روسيا بالحفاظ على أمنها القومي، والذي تعد كازاخستان جزء لا يتجزأ منه، فموسكو لديها علاقات طيبة مع الحزب الحاكم في البلاد وبالتحديد قائده نور سلطان نزارباييف، بالإضافة إلى أن كازاخستان ضمن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو، وهي أيضاً أهم دول الإتحاد الإقتصادي الأوراسي مع روسيا، لذا فالروابط بين الجانبين وثيقة، وما يعزز ذلك تواجد عدد كبير من السكان الكازاخيين في شمال البلاد والذين ينتمون للعرق الروسي، وهو ما تستغله موسكو كعامل ضغط على الحكومة الكازاخية من حين لحين، مما يجعل حكومة كازاخستان قلقة من مصير مشابه لما حدث في شبه جزيرة القرم عام 2014، والخوف من أن يتكرر في الشمال الكازاخي.
من هنا، إن الوصول لمناخ ديمقراطي سليم في كازاخستان لازال بعيد المنال، فالحزب الحاكم “نور أوتان” لا يزال مسيطراً منذ عقود ومحكماً قبضته على مفاصل الحكم، في حين أن التواجد السياسي للأحزاب الأخرى لازال هامشياً، بل وداعماً لسياسات الحزب الحاكم، مما يجعل وجود بديل فعلي معارض في كازاخستان غير مرجح في الفترة القادمة.
فريق عمل “رياليست”.