بغداد – (رياليست عربي): علمت صحيفة “إزفستيا” في السفارة الروسية في بغداد أن المفاوضات بشأن انسحاب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من العراق مستمرة، وسبق أن ذكرت وسائل إعلام أن انسحاب قوات التحالف سيبدأ في سبتمبر 2025، لكن وزارة الخارجية العراقية أعلنت لاحقا تأجيل الإعلان عن موعد انتهاء المهمة، وفي الوقت نفسه، يعتقد غالبية السكان المحليين أن القوات الأجنبية يجب أن تغادر بلادهم.
الوجود الأمريكي في العراق
ذكرت وسائل إعلام في وقت سابق أنه كان من المفترض أن يبدأ انسحاب قوات التحالف العسكري الدولي من العراق في سبتمبر 2025، لكن وزارة الخارجية العراقية أوضحت لاحقا أن موعد إعلان الانسحاب النهائي لما تبقى من الجيش الأمريكي من البلاد تأجل بسبب الأحداث الأخيرة في المنطقة، في الوقت نفسه، أضافت صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن مصادر أن واشنطن علقت على ما يبدو عملية المفاوضات بشأن انسحاب القوات، ومع ذلك، فإن الحوار بشأن انسحاب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق مستمر.
من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية العراقية تأجيل الإعلان عن موعد استكمال مهمة التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش (داعش وهي منظمة إرهابية محظورة في الاتحاد الروسي)، لكن بحسب دبلوماسيين عراقيين، لا يوجد حديث عن تعليق المفاوضات حول هذه القضية، وقالت السفارة الروسية إن الغالبية العظمى من المجتمع العراقي مجمعة على أن التحالف يجب أن يكمل مهمته ويغادر البلاد.
وفي الوقت نفسه، بدلاً من أنشطة التحالف الدولي في العراق، يخطط الطرفان لبدء شكل ثنائي للتعاون.
بالتالي، إن المفاوضات بشأن انسحاب قوات التحالف من العراق مستمرة منذ يناير 2024 في إطار اللجنة العسكرية العليا الثنائية، وفي الوقت نفسه، تخطط بغداد لمواصلة تطوير التعاون الأمني مع واشنطن، ولكن على أساس ثنائي، وأشارت البعثة الدبلوماسية الروسية إلى أنه تجري مناقشة أشكال ومعايير هذا التعاون.
ويعود وجود القوات الأمريكية في العراق إلى عام 2003، عندما أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس العراقي صدام حسين، بحجة منع بغداد من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وقوضت أيضاً التوازن السياسي الداخلي للسلطة، مما أدى إلى عزل الأقلية السنية بشكل فعال من السلطة، وإن التهديد الإرهابي الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية، والذي نشأ إلى حد كبير نتيجة لهذه الأعمال، أجبر الولايات المتحدة على العودة إلى العراق كجزء مما يسمى بالتحالف الدولي ضد داعش، بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس الحالة السورية، لا يوجد حديث عن احتلال البلاد، حيث يتم نشر الجيش بناء على طلب الحكومة العراقية.
وفي عام 2020، بعد هزيمة دولة الخلافة التي نصبت نفسها ونهاية سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على جزء من أراضي العراق وسوريا، طالب البرلمان العراقي بالانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية من البلاد. وفي عام 2021، أعلنت بغداد رسميا انتهاء المهمة القتالية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين، كانت هناك دعوات مستمرة من العراق لسحب القوات الأجنبية من البلاد.
ثم عادت المناقشات حول انسحاب القوات الأمريكية إلى الواجهة مرة أخرى بعد تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر 2023، والآن تتعرض القوات الأمريكية في العراق وسوريا لهجوم منتظم بالصواريخ والطائرات بدون طيار التابعة لجماعة كتائب حزب الله وغيرها من الجماعات الموالية لإيران، وأثارت الضربات الانتقامية التي شنتها واشنطن إدانة شديدة من الحكومة العراقية التي وصفتها بأنها “أعمال عدائية”، وفي يناير/كانون الثاني 2024، قال رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، إن بغداد تسعى إلى انسحاب قوات التحالف الدولي من أراضيها، لأنها تستطيع حماية نفسها من التهديد الإرهابي.
حالياً، لا يزال هناك حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق كجزء من التحالف، ويتمركزون في “المنطقة الخضراء” في بغداد، حيث تقع المباني الحكومية والبعثات الدبلوماسية، وفي مطار العاصمة، وكذلك في مطار الحرير العسكري في محافظة أربيل في كردستان العراق.
كيف سيؤثر الانسحاب الأمريكي على الوضع في سوريا والعراق؟
تستخدم واشنطن وجودها في العراق لتقديم الدعم اللوجستي وغيره من أشكال الدعم للجيش الأمريكي على الضفة الشرقية لنهر الفرات، مما يبقي الكيان الكردي شبه الحكومي واقفاً على قدميه في سوريا، وتنتشر فرقة صغيرة من القوات الأمريكية قوامها 900 جندي بشكل رئيسي في محافظات دير الزور والرقة والحسكة (تقع على الضفة الشرقية)، وكذلك في منطقة التنف على الحدود السورية الأردنية.
وسيؤدي انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى تعقيد التواصل مع العالم الخارجي بشكل كبير بالنسبة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، والتي لا تسيطر عليها دمشق، وحتى وقت قريب، كانت الوحدات العسكرية الأمريكية في الجمهورية العربية السورية تستخدم قواعدها في العراق لتزويد المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها بكل ما تحتاجه، وسيعني خروج القوات الأميركية من العراق حصاراً كاملاً على القواعد الأميركية والتحالف الكردي “قوات سوريا الديمقراطية” الذي لا تسيطر عليه الحكومة المركزية.
وفي الوقت نفسه، هناك رأي في مجتمع الخبراء مفاده أنه من غير المرجح أن يوافق الأمريكيون على الانسحاب الكامل للقوات من العراق.
أما الحديث عن انسحاب القوات الأميركية من العراق لا يتعلق بقاعدة الحرير، لأن المجموعة السورية من القوات الأميركية يتم إمدادها عبر قاعدة الحرير، وقال كيريل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، إنهم مقيدين، وبالتالي فإن قاعدة الحرير في كردستان العراق ستعمل طالما أن المجموعة الأمريكية تعمل في سوريا.
وبالتالي فإن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا قد يكون حاسماً لحل المشكلة الكردية، ومع اقتراب الاتفاق بين واشنطن وبغداد، سيصبح ممثلو الإدارة الذاتية أكثر تساهلاً مع دمشق، وإلا فقد يواجهون عملية تركية أخرى، إن أنقرة هي التي تخوض صراعاً طويل الأمد ضد التشكيلات الكردية، بما في ذلك في سوريا والعراق، وتعتقد تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره سلطاتها منظمة إرهابية. الآن تسيطر القوات التركية على جزء من الأراضي في شمال سوريا، وفي العراق تقوم بعمليات باستخدام الطيران.
وهذا أحد أسباب عدم الانسحاب، لأن إمداد المجموعة الأمريكية في سوريا يتم عبر العراق، التشكيلات الكردية موجودة بفضل الدعم الأمريكي، ومن غير المرجح أن تكون قادرة على العمل بدونه.
وتشمل المخاطر الأخرى إذا انسحبت القوات الأمريكية من العراق احتمال زيادة نفوذ الجماعات الإرهابية، ووفقاً للقيادة المركزية الأمريكية، لدى داعش حوالي 2500 مقاتل في العراق وسوريا، منهم حوالي 1000 طليق في العراق.
ومع ذلك، فمن المفترض أن تكون أنظمة الحكم المحلي ناضجة بما يكفي لمكافحة خطر الإرهاب بشكل مستقل، كما ضعف تهميش أهل السنة، الذي أصبح أحد المحفزات الرئيسية لتعزيز قوة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة (منظمة إرهابية محظورة في الاتحاد الروسي) في عام 2000، وفي السنوات الأخيرة، ظهرت قوة سنية كبيرة إلى حد ما، وهي قوة التقدم، وحققت نجاحاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية لعام 2021.
وتنوه السفارة الروسية في بغداد بالنجاحات الملحوظة التي حققها رئيس الوزراء السوداني الحالي في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وقالت السفارة: “إن رئيس الحكومة، وهو مدير ذو خبرة، محمد السوداني، يشارك بنشاط في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الطويلة الأمد: البطالة، ونقص الكهرباء، وتدهور البنية التحتية، والتضخم، وما إلى ذلك”.
وفي الوقت نفسه، تشير البعثة الدبلوماسية إلى أن القوى السياسية العراقية تمكنت من تجاوز الأزمة الحادة وتشكيل ائتلاف شامل يضم كافة الأحزاب والكتل السياسية الرئيسية، ولخص دبلوماسيون روس أن تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي يرافقه تطور نوعي في العلاقات الثنائية بين العراق وروسيا.