باريس – (رياليست عربي): يُعتبر شهر سبتمبر نقطة فارقة للعديد من الدول حول العالم، فقد شهد ذلك الشهر عبر التاريخ الكثير من الأحداث السياسية، والتي كانت نقطة تحول في الأحداث العالمية اللاحقة، إضافة إلى العديد من الأحداث المأساوية والحروب، مروراً بالكثير من الكوارث الطبيعية، والتي راح ضحيتها الكثير من الأرواح.
وشهد شهر سبتمبر بشكل خاص عدداً من الأحداث والتي كانت أهمها مطلع هذا القرن الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في يوم 11 سبتمبر، والتي تركت بصمات واضحة على نمط السياسة الخارجية الأمريكية وتوجهاتها ونظرتها إلى العالم وترتيب أولوياتها، وكذلك تصنيفها لقوائم الحلفاء والأعداء، ومن أهم تداعيات أحداث 11 سبتمبر على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الخلفاء أو غيرهم كما يلي:
أولاً، حدوث تصادم وتباين وانقسام، في اتجاهها وفلسفة الطبقة السياسة بشأن السياسة الخارجية الأمريكية:
الأول: يدعو إلى التدخل والانخراط التام في شؤون العالم وقضاياه، باعتبار أن موقع الولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها ومصالحها القومية تنتشر في طول العالم وعرضه، وهذا الأمر يمكنها معه الانسحاب من مواقع النفوذ ومسارات السياسة الإقليمية في مناطق العالم المختلفة، ويُؤمن الديمقراطيون بهذا الاتجاه ويدافعون عنه، وتعزيز مفهوم الهيمنة والقطب الواحد والعولمة وفقاً للمعنى الأمريكي American Globalisation.
وهو الأمر الذي نراه اليوم من الإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة جون بايدن، وصقور الديمقراطيين وعلى رأسهم، نانسي بيلوسي.
الثاني: يدعو إلى الانسحاب من القضايا الدولية والتقوقع الداخلي والبعد عن التدخل في مناطق العالم المختلفة، لأنه جر عليها عداء كثير من الشعوب ولا يحقق مصالح للولايات المتحدة بما يتناسب مع الثمن الذي تدفعه جراء ذلك، ويتبنى هذا الاتجاه الجمهوريون المسيطرون على الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش حينئذ، غير أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، من الصعب عليها اعتماد هذه السياسة، فالرد على الهجمات التي نالت من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية دفعها إلى الانخراط في مناطق لم تكن راغبة في الانخراط فيها، فإصلاح الأضرار الجسيمة التي لحقت بصورة الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة عظمى، يفترض تدخلاً وانخراطاً في العالم، وليس مزيداً من الانعزال، لأن الانعزال قد يفهم منه أنه انسحاب من الميدان وهزيمة سياسية ومعنوية أخرى، وتمثل ذلك في التدخل في أفغانستان والعراق، ونقض الاتفاق النووي مع ايران من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ثانياً، أتاحت تلك الهجمات غطاءً دبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ سياسات متطرفة، واتخاذ إجراءات إقليمية ودولية، لم يكن بالإمكان قبولها في مرحلة ما قبل الهجمات، فقد أتبعت الإدارة الأمريكية سياسة خارجية مستقلة وصارمة، غير عابئة ببقية دول العالم-“منهجية القطب الأوحد”.
ثالثاً، أثرت تلك الهجمات على تعامل الإدارة الأمريكية مع مختلف دول العالم، حيث حدث تصادم بين دول كانت حليفة للولايات المتحدة، بسبب الاختلاف حول السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر (مثل فرنسا وألمانيا)، كما حدث تقارب بين الولايات المتحدة ودول كانت في مصاف المنافسين لها مثل روسيا والصين-“واليوم الوضع انقلب 180 درجة”.
رابعاً، السياسة الخارجية الأمريكية وهيكل النظام الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث اتخذت السياسة الخارجية الأمريكية من أحداث 11 سبتمبر نقطة انطلاق من أجل تغيير النظام الدولي، والتغيير المقصود هنا، هو تغيير في قواعد إدارة العلاقات الدولية، وتغيير في أنظمة بعض الدول على النحو الذي يثبت أحادية القطب الأمريكي وسيطرته على النظام الدولي، ونشر مبدأ الحرية الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية معياراً لسياستها منذ انخراطها في شؤون العلاقات الدولية.
وهذه الرؤية الأمريكية لا تقر، سياسة الاحتواء والتوازنات القوى والاستراتيجيات الردع، كما أنها لا تتعدى القواعد القانونية التي قامت عليها حركة العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والسبب في ذلك هو حدوث تغير في الأساس الفلسفي للرؤية الأمريكية الراهنة والحالية لمستقبل النظام الدولي ، فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعم فريق الدول الداعية إلى الحفاظ على الوضع القائم، والاعتماد على مفاهيم وسياسات توازن القوى، أصبح واجباً أن تتحول إلى قوة داعية إلى تغيير النظام الدولي، حتى ولو استلزم ذلك عدم احترام مبادئ السيادة الوطنية للدول، بل وإمكانية التدخل في الشئون الداخلية وضع هذا التغيير من خلال تشكيل ائتلاف مع الدول الحليفة الجاهزة للتدخل، مثل بريطانيا وأستراليا وكندا واليابان ، كما وضعت في حسبانها إمكان التدخل المنفرد من أجل تنفيذ هذا التغيير ، ووفقاً لهذه الرؤية الجديدة للمحافظين الجدد، فإن العبرة في التدخل من أجل التغيير وليس من المهم أن يكون هذا التغيير موافقاً للمبادئ والقواعد الدولية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، أو الاتفاقيات والأعراف الدولية، ولكن من المهم هو ما إذا كان التدخل محدثاً للتغيير في الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية نحو الأحسن أو نحو الأسوأ، وذلك من خلال:
- الوسائل الأمريكية لتنفيذ تلك السياسة
إن تنفيذ سياسة التغيير في الأنظمة الحاكمة بالدول، وفي شكل العلاقات الدولية، يعتمد على القوة الأمريكية، أو بالأحرى على التفوق الأمريكي الكاسح عسكرياً واقتصادياً، مع تعزيز لأدوار أخرى، مثل عناصر الاستخبارات، أو القوات الخاصة أو أدوات الإعلام، فضلاً عن تطوير إدارة المساعدات الاقتصادية بتوجيههاً لتحقيق هدف التغيير، وطبقاً لرؤية المحافظين الجدد، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على مستوى تفوق كاسح على كل القوى الكبرى الأخرى حلفاء وأصدقاء وخصوم، ولذلك زادت الإدارات المتعاقبة الإنفاق العسكري من 232 مليار دولار إلى 352 ثم إلى 400 مليار دولار، ثم إلى 470 مليار دولار تتصدر الولايات المتحدة جميع دول العالم في حجم الإنفاق العسكري والذى بلغ أكثر من 778 مليار دولار مع نهاية العام الماضي ليتفوق على إجمالي إنفاق أكبر 11 دولة تالية لها في قائمة مؤسسة «بيتر بيترسون» الأمريكية لأبحاث الاقتصاد الدولي لأكبر 12 دولة في العالم من حيث الإنفاق على القوات المسلحة، وذكر الباحثون في المؤسسة أن إجمالي إنفاق أكبر 11 دولة في العالم بعد الولايات المتحدة بلغ 761 مليار دولار ليصل مجموع إنفاق هذا القائمة التي تشمل 12 دولة 1.539 تريليون دولار أو ما يعادل أكثر من %77 من الإنفاق العالمي على الجيوش والأسلحة والذى بلغ حوالى 1.98 تريليون دولار بنهاية العام الثاني لوباء كورونا.
وجاءت الصين في المركز الثاني على العالم في إنفاقها العسكري والذي يتجاوز 252 مليار دولار لتقل كثيرا عن الإنفاق الأمريكي على قواتها المساحة وبعدها الهند بحوالي 73 مليار دولار ثم روسيا بما يتجاوز 61.7 مليار دولار وبريطانيا بما يقرب من 59.2 مليار دولار، وظهرت المملكة العربية السعودية في المركز السادس بحجم إنفاق عسكري يصل إلى أكثر من 57.5 مليار دولار لتصبح الدولة العربية الوحيدة في هذه القائمة وبعدها ألمانيا بما يزيد عن 52.8 مليار دولار ثم فرنسا بحوالي 52.7 مليار دولار واليابان بما يتجاوز 49 مليار دولار.
واحتلت كوريا الجنوبية المركز العاشر بحوالى 45.7 مليار دولار في إنفاقها العسكري ثم إيطاليا بما يقرب من 34 مليار دولار وأخيراً أستراليا التي توقف إنفاقها العسكري عند حوالى 30 مليار دولار.
- التغيير في الأنظمة طبقاً للأهداف الأمريكية
يرى أصحاب سياسة التغيير في الأنظمة والدول، أن هذا التغيير يرتبط بالأخطار التي تهدد الأمن الأمريكي والدولي، ولقد كان لأحداث 11 سبتمبر، أثرها الكبير في تحديد تلك الأخطار، فالإرهاب الدولي هو أول مصادر التهديد وأخطرها، ويليه الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة، ثم الخلل في البنيان الاجتماعي والسياسي في بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعض الصراعات الإقليمية التي قد تؤدي إلى تهديد أمن المناطق التي تقع فيها أو الأمن الدولي على اتساعه، ومن ثم كان هناك هدفان على خريطة الأولويات الأمريكية:
الأول: يتمثل في ضرب حركات الإرهاب، خاصة تنظيم القاعدة الذي يعد أكبر هذه الحركات وأخطرها، وذلك باستخدام القوة العسكرية والاستخباراتية والمعلوماتية.
الثاني: ويتمثل في تغيير الأنظمة الديكتاتورية التي تدعم الإرهاب دعماً مباشراً، أو التي يمثل وجودها دعماً للإرهاب، من خلال عدائها للحرية والديمقراطية.
- العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الكبرى
المقصود بالدول الكبرى هنا: “روسيا والصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي”، كما ينظر إليه في مجموعه قوة اقتصادية كبرى، ويتحدد دور هذه الدول في النظام الدولي والتأثير على السياسة الدولية، في ضوء ما تتمتع به من قوة وما تملكه من تصورات لمستقبل النظام الدولي، وقدرتها على التفاعل مع القوة الأمريكية ومحاولات الولايات المتحدة فرض سيطرتها على النظام الدولي.
أولاً، مع الاتحاد الأوروبي
حدث خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11 سبتمبر حول كثير من القضايا الدولية، ولعل من أبرزها استخدام القوة العسكرية في إطار الحرب ضد الإرهاب ونزع الأسلحة، واستراتيجية الضربات الوقائية وغيرها من الوسائل التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير النظام الدولي. غير أن الخلاف في التصور والرؤية بين دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ليس خلافاً بين كل دول الإتحاد وإنما بين بعض دول الإتحاد وبين واشنطن، أما البعض الآخر فإنه يتفق مع معظم عناصر التصور الأمريكي لمستقبل النظام الدولي سواء من حيث الأهداف أو من حيث الوسائل، والأهم من ذلك أن الدول التي اختلفت في التصور مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تختلف معها في الأهداف، وإنما حول أنسب الوسائل لتحقيقها، وربما يكون من المهم التفرقة بين الأهداف المعلنة، وغير المعلنة في التصور الأمريكي:
- الأهداف غير المعلنة، إنشاء إمبراطورية أمريكية تنفرد بالسيطرة على العالم بما فيه أوروبا، واستخدام النفط ورقة ضغط على الأخيرة مستقبلاً، غير أن الدول الأوربية المؤيدة للتصور الأمريكي لا تقتنع بمثل هذه الأهداف الخفية.
- الأهداف المعلنة فتتمثل في مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. فالاختلافات بين الولايات المتحدة وبعض دول الإتحاد الأوروبي، تنصرف إلى رؤية الطرفين للأدوات والوسائل السلمية اللازمة للوصول إلى الأهداف التي تحظى بدرجة توافق عالية فيما بين الطرفين، أما الاختلافات حول أساليب العمل، فتنحصر في مسألة استخدام القوة في معالجة المشكلات الدولية، حيث يفضل الأوروبيون العمل من خلال الأمم المتحدة والمنظمات والمؤسسات الدولية.
ثانياً، مع اليابان
عملاق اقتصادي، وهو حليف وثيق الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبينهما توافق كبير في الرؤى والتصورات على مستوى الأهداف والوسائل، وتزداد درجة التوافق إذا كانت الرؤى تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وكل ما تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية وفيما يتعلق مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل أو تغيير الأنظمة، لا تعترض اليابان عليه، بل تعلن توافقها التام مع الأطروحات الأمريكية.
ثالثاً، مع الصين
قوة بشرية واقتصادية هائلة، كما تمتلك قوة عسكرية متنامية هي الأكبر والأهم في إقليمها، وبين الولايات المتحدة الأمريكية والصين علاقات اقتصادية قوية، حيث تُعد الولايات المتحدة هي السوق الرئيسي للمنتجات الصينية، وتحقق الصين فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة يزيد على سبعين مليار دولار سنوياً، ولا يمكن تصور أن تضحى الصين بهذا الفائض التجاري من أجل أي قضية إقليمية أو دولية، ولذلك فإن الصين رغم اعتراضها على الحرب ضد العراق دون قرار من مجلس الأمن، لم ترق بذلك الاعتراض اللفظي إلى أية إجراءات قد تضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعاً، مع روسيا
كانت تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية، رغم الجهود المستمرة، في تحسين أوضاعها الاقتصادية والسياسية، ورغم مصالحها الهامة مع العراق- قبل الغزو- إلا أنها لم تستطع أن تحول رفضها المبدئي للحرب ضد العراق، إلى إجراءات ملموسة تمنع هذا الغزو أو تحول دون تحقيقه لمكاسب استراتيجية أمريكية، وعندما نجحت روسيا في ذلك خلال العقدين الماضيين وعندما استعادت مركزها كقوة عالمية لها تأثيرها، فقد كانت في السابق في حاجة إلى الاستثمارات والمساعدات الأمريكية والأوروبية لإعادة بناء اقتصاد رأسمالي متقدم.
تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الاستراتيجية الأمريكية
مما لاشك فيه أن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى تغيير واضح في الاستراتيجية الأمريكية وفيما يلي أبرز ملامحها:
- نجح الخطاب السياسي الأمريكي إلى تدويل الأزمة أو إلى عولمة الأزمة، والمنطق الأمريكي في هذا الشأن ، وأن ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية هو عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وأن العالم كله معرض لمثل هذه الهجمات ما لم يتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة هذا العدو الجديد الذي لم تتحدد ملامحه ولم تعرف أساليبه وإستراتيجياته بعد.
- تصنيف الدول، تبعاً لموقفها من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث صرح أن الدول التي لم تقف مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي مع الإرهاب، وبدأت في البحث عن نقطة موضوعية تستطيع من خلالها أن تنسج خيوط التحالف ضد الإرهاب ووجدت أن نقطة البداية هي “الإسلام السياسي” الذي أتسع وتزايد نشاطه في السنوات الأخيرة بصورة أوجدت حساسية وقلق لعديد من القوى في العالم مثل الهند وروسيا والصين ودول الإتحاد الأوروبي.
- طرحت الولايات المتحدة الأمريكية دعوة إلى تجفيف المنابع المالية والاقتصادية لما تسميه بالإرهاب، كما حاولت توظيف هذه الأزمة من أجل تحقيق مصالح ومنابع وفوائد جديدة تساعدها على الاحتفاظ بموقعها المتميز على قمة النظام العالمي، وذلك من خلال السيطرة على موقع استراتيجي هام بالقرب من الدول التي يمكن أن تشكل مصدر تهديد للمصالح الحيوية الأمريكية (روسيا– الصين – إيران)، وكذلك السيطرة على مواقع الطاقة المحتملة في المستقبل (بترول بحر قزوين) مع إحكام السيطرة على مناطق النفوذ التقليدية.
- تحددت معالم الإستراتيجية الأمريكية في الاتجاه نحو القيام بعمل عسكري كبير تتوافر له ضمانات تحقيق الانتصار بأقل تكلفة ممكنة، مع تصوير العدو بصورة مبالغ فيها، وكانت أفغانستان هي الميدان المناسب لتلك العمليات العسكرية التي هدفت في المقام الأول إلى تحقيق التماسك الداخلي خلف الإدارة الأمريكية، والتأكيد على أن الأمة الأمريكية في حالة حرب مع عدو خطير يهدد الحضارة والمدنية والقيم الأمريكية، وفى الوقت نفسه انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية “الضربات الوقائية” وهى الإستراتيجية القائمة على ضرورة القيام بعمل عسكري ضد أي دولة، ترى الولايات المتحدة أنها قد تشكل تهديداً لأمنها. وفى إطار هذه الإستراتيجية، كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد بغزو العراق، بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل يهدد الأمن القومي الأمريكي، وما تقوم به وممارسة في سوريا والعراق.
- استغلت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب، لتحقيق هدف مزدوج وهو السيطرة على أفغانستان (حتي بعد انسحابها بداية هذا العام )من ناحية، وبسط سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى من ناحية أخرى، كما تهدف أيضاً إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة من ناحية ثالثة، علاوة على الاقتراب من القوى النووية في جنوبي آسيا (الهند وباكستان)، لإحباط أي حرب إقليمية في هذه المنطقة، قد تؤثر مستقبلاً على موازين القوى في المنطقة.
انعكاسات السياسة الامريكية الخارجية على الشرعية الدولية، والأوضاع العالمية
إن أخطر الآليات لمواجهة الإرهاب، هي الفوضى الدولية، التي أعطت القوى الكبرى أو الدول الصغرى في آن واحد، الحق في مقاومة الإرهاب بواسطة الغزو أو العدوان العسكري أو اتخاذ إجراءات قهرية من دولة ضد دولة أخرى، وإضفاء مفاهيم جديدة للأمن والسلم الدوليين، بمعنى أن الشرعية الدولية باتت مهددة تماماً، وعاد العالم إلى شريعة الغاب، كما أن تحدى الشرعية الدولية، لم يقتصر على غزو العراق فقط، ولكن ظهرت آثاره في العديد من مناطق العالم ومثال ذلك: ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق والأراضي المحتلة وغرة واثيوبيا ، وعدم الاحترام لأي قرار صادر من مجلس الأمن، والإطاحة بالاتفاقات أو التعهدات أو المبادرات من القوي الكبرى أخرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
فالسياسة الأميركية الخارجية خلال بعد هجمات سبتمبر بالطبع ، فقد انعكس ذلك مباشرة على الأمن والسلم الدوليين، وغيَّر العديد من المفاهيم في الأمن الوطني، وتغيرت بسبب ذلك أدبيات الحرب والسلام واختلطت الأوراق، وكانت الضحية الأولى والأخيرة هي الشرعية الدولية، وهو الأمر الذي نلمسه ونراه جميعاً على الساحة الدولية، وزاد من الأمور صعوبة وتعقيداً، جائحة كورونا، والنزاع المسلح الأوكراني الروسي، وقضايا المناخ والاحتباس الحراري، والجفاف والتصحر والمياه، والنقص الغذائي والجوع، والفيضانات والهجرة غير الشرعية، والتضخم والكساد، والمشاكل الاقتصادية العديدة، هي نتيجة طبيعية ومنطقية، لتبني الإدارات الامريكية المتعاقبة سياسة خارجية تدعم مفهوم الهيمنة والسيطرة والقطب الواحد.
والسؤال، هل ما يحدث الآن عالمياً ودولياً سوف يدعم نظام القطب الواحد “الولايات المتحدة الأمريكية”؟ أم أنه سوف يزول، ويصبح متعدد الأطراف، ويبزغ النجم الصيني والروسي؟
والسؤال الأهم، سواء بقي نظام القطب الواحد أو زال، هل سوف تتحسن الأوضاع العالمية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وننعم بسلم وأمن واستقرار عالمي حقيقي، وهو الهدف الذي قامت علية الأمم المتحدة منذ عام 1945؟
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.