تنظيم داعش يعود إلى نشاطه بقوة في سوريا، وما هي الأهداف من وراء ذلك بعد تأكيدات أمريكية كثيرة على قضائها عليه، وكيف يختار أهدافه لتتركز على العسكريين السوريين؟ ولماذا يتركز نشاطه الجديد وسط البلاد؟ وهل قاعدة التنف تشكل منطلقاً به بدعم من القوات الأمريكية؟
إعادة تموضع وتنظيم
في أقل من أسبوع، وبعد الهجوم على منطقة “كباحب” على الطريق بين تدمر ودير الزور، مستهدفاً حافلات تقل جنود سوريين، فلقد نفذ التنظيم هجوماً جديداً على طريق أثريا – السلمية استهدف فيه صهاريج نقل محروقات وسيارات مدنية، وبالنظر إلى هذين الموقعين فهما موقعان حيويان واستراتيجيان بالنسبة لسوريا، فمساحة البادية السورية تشكل حوالي 80 ألف كلم وهي إمتداد للبادية العراقية التي تقدر مساحتها 150 كلم، ما يعني أن هنالك مساحة واسعة يستطيع التنظيم التحرك فيها بحرية لكن من خلال هجمات تحمل عنصر المفاجأة إذ لا يستطيع أحد الجزم متى يهجم وأين، وبالتالي، تبدو المسألة أنها إعادة تنظيم يعمل عليها داعش بعد خسارته لأكبر معاقله سواء الموصل أو الرقة، وطرده الرسمي العام2019 من منطقة الباغوز بعد معارك بينه وبين قوات سوريا الديمقراطية – قسد، واعتقال الآلاف من عناصره، جلهم في معتقلات تعود لقسد في مناطق سيطرته في الجزيرة السورية.
فلقد كان عدد أفراد التنظيم قبيل سقوط الموصل والرقة يصل إلى نحو 150 ألف مقاتل، وبعد القضاء على معاقله وطرده منها يقدر خبراء أن التنظيم لا يزال يملك جيشاً بشرياً ضخماً لكنه أقل بكثير عما كان عليه في السابق، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد عناصره حالياً ما بين 10 آلاف – 15 ألفاً، وأما عودة نشاطه فهي مرتبطة بالعمليات العسكرية التي أنهت خلافته الإسلامية المزعومة، ففي العراق، يعتبر التنظيم أن الجيش العراقي والحشد الشعبي هما هدفان رئيسيان له، وفي سوريا، يعتبر أن الجيش السوري وقسد، والقوات الروسية والإيرانية هي أهداف مشروعة له، بمعنى أن كل من قام بعمليات عسكرية ضده هو هدف لهجماته المتوقع زيادتها في الفترة المقبلة، وأما القوات الأمريكية، لا تعتبر هدفاً رئيساً له لأنها كانت قد انسحبت من بعض القواعد في العراق وتمركزت في أخرى، وفي سوريا، عدد القوات الأمريكية قليل نسبياً بالنسبة للحضور التركي أو الروسي أو الإيراني، لكن من المستبعد أن تكون قوات الجيش الأمريكي من ضمن قائمة أهداف التنظيم لأسباب ستتوضح لاحقاً.
أهداف داعش
بعد انهيار دولة داعش الإسلامية المزعومة، في سوريا والعراق، يتبين أن المنظومة المالية التمويلية للتنظيم قد إنهارت أيضاً، إذ أنه من المعروف أن تمركز داعش كان في المناطق الغنية بالثروات النفطية وكان يعمل على بيعها “خام” لتشكل له مصدر تمويل لدفع رواتب أو شراء صفقات أسلحة مع قوى دولية وإقليمية نشطت في هذا المجال عبر وسطاء منذ العام 2014 وحتى العام 2019، وبالتالي مع سيطرته على الموصل كان قد سيطر على كثير من أسلحة الجيش العراقي، كذلك الأمر في سوريا، ما يعني أنه يملك ترسانة عسكرية ضخمة لكن أين مخبأها؟
إن تمركز التنظيم في عمق الباديتين السورية والعراقية، يشي بأن هناك مخابئ سرية تحت الأرض، عمل على تحضيرها في أوج سيطرته، وبالتالي يستفيد منها الآن، في هجماته هذه، مستغلاً الكثير من الأمور، مثل الاشتباكات التركية مع القوات الكردية في سوريا، والحرب الكلامية الأمريكية – الإيرانية والتي اتسعت منذ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، إضافة إلى جائحة “كورونا” التي أجلت الكثير من المعارك، أيضاً استفاد التنظيم من تجميد برامج التدريب للقوات العسكرية التي كان يشارك فيها أيضاً جنود من الجيش الألماني، هذه العوامل مجتمعة، جعلت التنظيم يعيد إحياء نفسه مجدداً، لكن في هذه المرة هو لا يريد أن يسيطر على الأرض التي خسرها، لكن إن استطاع لن يضره ذلك، بل هو يعود إلى تشكيل نفسه في هذين البلدين ليعود ويتصدر الأخبار العالمية مجدداً عبر سلسلة الإنتقامات التي بدأ بإطلاقها.
وأما عن نقطة شن هجماته التي كان ينتهجها عناصر تنظيم القاعدة، وهي الضرب والإختفاء ومن ثم تبني العمليات إعلامياً عبر الوكالات التابعة له، فإن البادية السورية كما أشرنا هي ملعب التنظيم، يريد أن يعيد كل عناصره إليه سواء الذين عادوا إلى بلادهم أو المنتسبين بعد سقوط التنظيم إلى فصائل إرهابية أخرى، حيث تشير معلومات أن قاعدة التنف تشكل منطلق لداعش، بحسب خبراء عسكريين، إلا أن هذا الأمر غير دقيق، لأن طريق أثريا – السلمية، بعيد نسبياً عن القاعدة وبالتالي كانت القوى المنتشرة سواء السورية أو الروسية سترصدها، قبيل وصولها إلى هدفها، فلقد كان من ضمن سياسة داعش قبيل سقوط خلافته استهداف طريق أثريا – خناصر وهو طريق السفر البديل بعد سيطرة الإرهابيين على ادلب، وبالتالي إن فرضية تمركزه في قاعدة التنف فرضية مبالغ فيها، ما يعني أن عناصره منتشرة في أكثر من بقعة جغرافية، الواضح حتى الآن أنهم في شرق ووسط البلاد.
أخيراً، هناك حلقة مفقودة ستتوضح لاحقاً، فلم يمضِ الكثير على عملية “الصحراء البيضاء” الروسية التي قضت على فلول التنظيم في البادية السورية، وبالتالي، الأسئلة كثيرة اليوم حول مستقبل التنظيم ومدى قدرته على البقاء في سوريا والعراق؟ إنما المؤكد أن بقائه مرتبطاً بحسابات جهات دولية وإقليمية وظَّفت عنوان داعش لتحقيق مكاسب سياسية، وتلك الحسابات تشمل كل القوى الفاعلة في الملفين السوري والعراقي، فلقد خرج التنظيم عن إطار التنظيم المحدود، بل قوة هجماته تبين أنه لا يزال يحظى بدعم دولي كبير، الداعمون له لا يريدون وضع نهاية له، فلقد تمدد كثيراً، فهو في سوريا وفي العراق وفي أفغانستان وفي بعض العواصم الأوروبية وفي كل مكان يراد له الإشتعال.
خاص – فريق عمل “رياليست”.