موسكو – (رياليست عربي): في سبتمبر، بدأ موضوع ما يسمى بالإغلاق مرة أخرى في المناقشة بنشاط في وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية والمحلية، يشير هذا المصطلح إلى إغلاق الحكومة الأمريكية عندما يفشل الكونغرس في الاتفاق على ميزانية للسنة المالية الجديدة (بحلول الأول من أكتوبر).
ويترتب على عدم وجود ميزانية متفق عليها في الوقت المناسب توقف عمل الهيئات الحكومية والمنظمات والمؤسسات (المدارس والمستشفيات وغيرها)، كما يتم نقل المسؤولين وموظفي الوكالات الحكومية إلى إجازة قسرية غير مدفوعة الأجر، وهو أمر غير مفيد لهؤلاء الموظفين ولا للمواطنين الذين يحتاجون إلى خدمات بعض الهياكل والمنظمات. وبالتالي، فإن الإغلاق قصة غير سارة بالنسبة للولايات المتحدة.
كان هناك 20 حالة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة بين السبعينيات وحتى الوقت الحاضر. وكانت أطولها في الأعوام 1995-1996 و2013 و2018-2019. وفي جميع الأحوال، تمكن أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من التوصل إلى حل وسط، ولكن لماذا تحدث عمليات الإغلاق على الإطلاق؟
السبب الرئيسي هو النهج المختلف الذي يتبعه الحزبان الجمهوري والديمقراطي في التعامل مع القضايا المالية. لقد دافع الجمهوريون تاريخياً عن الحد من نفوذ الحكومة الفيدرالية، وبالتالي لا يدعمون الإنفاق غير الضروري والمفرط عليها. يدعو الحزب الديمقراطي إلى مشاركة أكبر للدولة والحكومة في الاقتصاد والقضايا ذات الأهمية الاجتماعية التي تتطلب استثمارات مالية كبيرة. ومن ناحية أخرى، يراهن الجمهوريون على جذب رجال الأعمال، وبشكل عام، على المبادرات الخاصة في العديد من القضايا الاجتماعية.
سبب آخر لعمليات الإغلاق هو العلاقات العامة السياسية من قبل الأحزاب أو الإدارة الرئاسية أو السياسيين الأفراد. وفي مثل هذه اللحظات يتولى الزعيم الأميركي دور الوسيط الذي يجب أن يجمع مواقف الأطراف في الكونغرس، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية التي يوجد تهديد بإنهاء عملها في البلاد.
وفي ظل الظروف المثالية، يحاول الرئيس التقريب بين مواقف الطرفين، ويدعوهما إلى الوفاء بمسؤولياتهما تجاه الناخبين وشعب الولايات المتحدة في الوقت المحدد، لكن اليوم نرى اتهامات من جو بايدن لعدد من الجمهوريين في الكونغرس، فيردون عليه، أو بالأحرى على خصومه، أي الحزب الديمقراطي، بالمقابل. هذه ليست الحالة الأولى في السياسة الأمريكية وبالتأكيد ليست الأخيرة، لكنها تظهر أن التهديد بالإغلاق يسمح باستخدامه كجزء من صراع سياسي، وفي ظل الظروف المثالية، يتعين على أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي أن يتوصلوا إلى تسوية سريعة وواضحة. ولكن نظرا لتزايد المواجهة السياسية على طول الخطوط الحزبية على مدى السنوات الثماني إلى العشر الماضية، فقد أصبحت هذه مهمة صعبة على نحو متزايد.
إن مسألة حل المشاكل المتعلقة بتسوية الميزانية والحد الأعلى للدين الوطني الأمريكي تصبح دائماً موضوعًا للمساومة السياسية والمناقشة الصاخبة في وسائل الإعلام. لكن الساسة والمسؤولين الأميركيين يتمكنون دائماً من إيجاد سبل للخروج من الصعوبات التي تنشأ.
ولماذا يمكن تحقيق ذلك رغم الصعاب؟ إن الجواب مبتذل: الإغلاق يتسبب في توقف عمل المؤسسات المهمة للسكان، ويصبح السكان غير راضين، إن البحث بين السكان وفي وسائل الإعلام عن المسؤولين عن الإغلاق قد يؤدي إلى حقيقة أن بعض السياسيين الأمريكيين قد يفقدون مناصبهم، أي أنهم لن يتم انتخابهم أو إعادة انتخابهم للمنصب المنشود، وفي هذا الصدد، فإن الضجيج حول الإغلاق والمساومات السياسية مكونات ضرورية للأحزاب والإدارة الرئاسية، لكن المهمة لا تزال تتمثل في منع مثل هذه الأحداث، حتى لو جاءت من مصالح أنانية لإعادة الانتخابات، ولا تهتدي. لاعتبارات خير الناس.
إذا تحدثنا عن الوضع الذي يحدث الآن، فيجب اعتماد مشروع الميزانية للسنة المالية الجديدة بحلول الأول من أكتوبرن وحتى الآن، لدى الجمهوريين والديمقراطيين نهجان مختلفان في كيفية هيكلة هذا النظام، فقد اقترح أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين مقترح ميزانية مؤقتة حتى 17 نوفمبر، ومن المتوقع بحلول هذا الوقت أن يتم حل قضايا الميزانية المثيرة للجدل.
ومع ذلك، تضمن هذا المشروع تقديم المساعدة المالية للحكومة الأوكرانية، ولم يرق ذلك للجمهوريين، وخاصة جناحهم اليميني، وهم يعتقدون أنه من المستحيل بالتأكيد إدراج الأموال المخصصة لأوكرانيا في الميزانية المؤقتة، وقد حان الوقت للسيطرة على المساعدات نفسها، إن لم يكن تخفيضها (إجراء عمليات التدقيق، على سبيل المثال)، وبالإضافة إلى ذلك، يريد الجمهوريون خفض الدين الوطني وتوفير الموارد المالية لهذه الأغراض، ويؤيد الديمقراطيون الحفاظ على المستوى السابق للتمويل الحكومي ولا يريدون خفض المساعدة المخطط لها مسبقاً لكييف، كما أن الدين الوطني يشكل أيضاً موضوعاً غير ذي صلة بالنسبة للديمقراطيين في المفاوضات الحالية.
وبغض النظر عن مدى دراماتيكية الأخبار حول الإغلاق القادم وعواقبه والمفاوضات حول خيارات الميزانية، فإن كل ذلك سينتهي بتوصل الكونغرس إلى حل وسط يناسب المشرعين والإدارة الرئاسية، ومن المهم أيضاً أن نفهم لاحقاً من الذي استفاد من هذه التسوية: الجمهوريون أم الديمقراطيون أم الشعب الأميركي؟