موسكو – (رياليست عربي): خلال العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان ضد حركة المقاومة اللبنانية “حزب الله” والتي بدأت قبل أكثر من شهر وشاركت خلالها 5 فرق برية قوامها 50 ألف جندي بدعم جوي، فشلت إسرائيل في الاستيلاء على مستوطنة واحدة في لبنان في المعارك مع “حزب الله” لأن المقاومة العنيدة على الأرض تمنع تطور الهجوم في هذا الموقع العسكري الحالي!
التقدم خلال غزو لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي كان ضئيلاً للغاية لدرجة أنه لم يتجاوز 3 كيلومترات من التقدم في عمق الأراضي اللبنانية لذلك كان اهتمامهم الرئيسي منصباً على مستوطنتي العديسة ورب ثلاثين بعد الفشل في الاستيلاء على مستوطنة عيتا الشعب.
عيتا الشعب: معركة من أجل الرمزية
عيتا الشعب هي منطقة رمزية من حيث حرب لبنان عام 2006، حيث هُزم الإسرائيليون وظلت “صعبة الكسر” بعد سلسلة من القصف الجوي الوحشي من قبل القوات الجوية الإسرائيلية! ولم تتمكن القوات الإسرائيلية حتى من التقدم هنا وأعادت توجيه هجومها إلى قرية الخيام، على أمل تحقيق اختراق من اتجاه جديد. ولتحقيق ذلك ناوروا لمحاصرة عيتا الشعب من الغرب، على أمل عزلها عن بقية لبنان. لقد كان قرارًا تكتيكيًا جريئًا لكنه جاء بتكلفة. وتمكن مقاتلو “حزب الله” باستخدام التضاريس من قطع تعزيزات وإمدادات القوات الإسرائيلية المتقدمة مما أجبرهم في النهاية على التراجع. وبعد طرد العدو من عيتا وجه انتباهه إلى المناطق المأهولة بالسكان في العديسة والطيبة معتقدًا أن الهجوم من الحدود إلى نهر الليطاني يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل.
وقد وفرت مستوطنة مسكوام اليهودية في شمال إسرائيل للإسرائيليين قاعدة نيران فعالة بسبب موقعها المرتفع ولكن حتى هذه الميزة لم تكن قادرة على التغلب على دفاعات “حزب الله”.
ولم تتمكن إسرائيل حتى من احتلال “رمزها المظلم”. عندما شن الجيش الإسرائيلي هجوما مضادا، هذه المرة من مستوطنة ميتولا اليهودية في شمال إسرائيل، بهدف محاصرة الخيام المأهولة بالسكان من الشرق. وفي الخيام قامت القوات الإسرائيلية بالتعاون مع المتعاونين مع جيش لبنان الجنوبي بإدارة سجن ومركز تعذيب سيء السمعة قبل أن تجبرها القوات اللبنانية على الانسحاب تحت ضغطها في عام 2000.
قيود على التكتيكات القتالية الإسرائيلية في جنوب لبنان
إن أساليب الحرب التي تتبعها إسرائيل تخبرنا ببلاغة عن استراتيجيتها وقيودها. واعتمد الجيش الإسرائيلي كعادته على قواته الجوية ومدفعيته وصواريخه لتجنب الاشتباكات المباشرة مع مقاتلي المقاومة. إن اعتماد إسرائيل المفرط على القوة الجوية والصواريخ في عملياتها القتالية جعل التقدم البري غير فعال لأن إسرائيل اعتمدت في السنوات السابقة على الصواريخ والقوة الجوية متوقعة أنها لن تضطر بعد الآن إلى خوض قتال بري واسع النطاق وبدلاً من ذلك أعطت الأولوية لقدراتها على الهجوم على إيران ومنشآتها النووية في المستقبل!
وينبع الإحجام عن استخدام الدبابات والمعدات الثقيلة من الخوف من صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات التي يمتلكها “حزب الله” والتي يمكن أن تصيب المركبات المدرعة على بعد 5 إلى 7 كيلومترات، مما يجعل أي تقدم مدرع محفوف بالمخاطر. أضف إلى كل هذا التضاريس الجبلية والتلال والبنية التحتية العسكرية المتطورة لحزب الله تحت الأرض، الأمر الذي يجعل من المستحيل من حيث المبدأ على الإسرائيليين مواصلة التقدم في جنوب لبنان. أدى هذا التردد من قبل القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى ترك المشاة دون دعم كاف مما حد من أنشطتها العملياتية. تعمل في وحدات صغيرة من 8-10 جنود إسرائيليين لأن القيادة السياسية الإسرائيلية لديها خوف من وقوع جنودها في الأسر بعد أسر أسرى في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023م وهذه الحركة المتعمدة والحذرة جعلتهم فريسة سهلة لقوات “حزب الله” التي استغلت كل فرصة للهجوم تسببت في سقوط المزيد من الضحايا في صفوف القوات الإسرائيلية.
ضعف إسرائيلي أمام الطائرات بدون طيار
في ذلك الوقت يظل الأمن ترفاً لا يمكن أن تتحمله إسرائيل، خاصة في الشمال، حيث لا يزال الإسرائيليون يرفضون العودة إلى المستوطنات وكانت عودة الإسرائيليين إلى شمال إسرائيل هي الهدف الأساسي لعملية حكومة نتنياهو!
تواجه إسرائيل انعدامًا تامًا للأمن: أدى السيل المستمر من الصواريخ وأسراب الطائرات بدون طيار إلى تدمير الشعور بالأمن ليس فقط بين السكان اليهود وكذلك بين القيادة السياسية مما خلق وضعًا يهاجم فيه “حزب الله” حتى منازل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه.
كما نعلم 70% من الميزانية العسكرية لإسرائيل يتم إنفاقها على احتياجات القوات الجوية التي تحت قيادتها أيضًا قوات الدفاع الجوي وهذه الأخيرة بالمناسبة ليست فرعًا منفصلاً للجيش في الكيان الصهيوني وبالتالي نظرًا لكونهم في وضع تابع لا يمكنهم بشكل مستقل إنشاء وتبني تطوير صغير للمعدات العسكرية التي تتخصص فقط في إسقاط الطائرات بدون طيار لذلك تضطر إسرائيل إلى العمل مع “القبة الحديدية” الباهظة الثمن على الطائرات بدون طيار والتي تبلغ تكلفتها المئات مرات أرخص من صاروخ واحد “القبة”.
كما تعاني قوات العدو من بيروقراطية مفرطة في اتخاذ قرارات إسقاط الأهداف الجوية فوق شمال الكيان الصهيوني لذلك يضطر ضباط الدفاع الجوي الإسرائيلي إلى الاتصال بخدمة مراقبة القوات الجوية في تل أبيب من أجل إسقاط طائرة مسيرة واحدة على الأقل وتبلغ مدة طيران الطائرة اللبنانية بدون طيار إلى الهدف 20-30 ثانية فقط على التوالي وبينما تجري عملية اتخاذ القرار البيروقراطية تقوم الطائرة بدون طيار بضرب الهدف في المكان المطلوب.
*بدون موافقة دائرة المراقبة الجوية العسكرية في إسرائيل يمنع مبدئيا إسقاط أي شيء في السماء مهما كان مكانه.
يعتبر سلاح الجو الإسرائيلي فرع النخبة في القوات المسلحة ويعتبر نوعا من “الطبقة المهيمنة” لأن قيادته غير مهتمة بأي حلول غير التكنولوجيا الفائقة بسبب انخفاض تكاليف تطويرها [في الجيش الإسرائيلي وفي عهد نتنياهو ارتفع مستوى غسيل الأموال والفساد]. تقليدياً يضطر الصهاينة إلى إسقاط الطائرات بدون طيار بـ”القبة” باهظة الثمن والتي لا تزيد تكلفتها عن عدة آلاف من الدولارات ويحتاج جيشهم إلى معدات صغيرة تطير وتسقط الطائرات بدون طيار على ارتفاعات منخفضة والتي بالمناسبة “القبة” غير قادرة على القيام بذلك بسبب وجود “مناطق ميتة” لاحتمال إسقاطها.
بالإضافة إلى ذلك أن نتنياهو لم يغلق أبداً سماء شمال الكيان الصهيوني لذلك يضطر الدفاع الجوي والقوات الجوية إلى بناء عمليات بيروقراطية طويلة ومدمرة لحربهم لإسقاط هذا الجسم الجوي أو ذاك خوفاً من إطلاق النار على الطيران المدني الخاص.
خاص وكالة رياليست – إبراهيم موسى – كاتب سياسي.