القاهرة – (رياليست عربي): على مدار السنوات المنصرمة، لفق النظام الايراني عِدَّة مرات اتهامات أمنية ضد محامين قد ترافعوا في قضايا سياسية، أو دافعوا عن معتقلين سياسيين، فحوكم هؤلاء المحامون وحُكم عليهم بالسجن فترات طويلة. ومع ذلك لم تقف جماعة كبيرة من محاميِّ إيران مكتوفي الأيدي أمام انتهاك حقوق المواطنين من قبل النظام.
بعد مرور ما يقرب من شهر على مقتل الفتاة الإيرانية كُردية الأصل “مهسا (جينا/ ژينا) أميني” فی 16 سبتمبر 2022 على أيدي “شرطة الأخلاق” المعروفة في إيران باسم “دورية التوجيه (گشت اِرشاد)”، عقب اعتقالها بتهمة ارتداء الحجاب بصورة “غير مثالية”، وتعرضها إلى ضربٍ مبرحٍ أدى إلى إصابتها بسكتة دماغية أودت بحياتها، نَظَّم المحامون الإيرانيون وقفةً احتجاجيةً أمام مبنى “نقابة المحامين المركزية” في محيط ميدان “الأرجنتين” بالعاصمة طهران. وميدان “الأرجنتين” هو أحد الميادين الرئيسة بطهران، وقد سُمي بهذا الاسم في إطار علاقات الصداقة بين الشعبين الإيراني والأرجنتيني.
وفي وقت سابق، أكد البيان الصادر عن مجموعة من المحامين أن هذه الوقفة تُنظم احتجاجًا على قيام الحكومة الإيرانية بانتهاك حقوق الشعب وحرياته الأساسية.
وقد جاء في جزء من متن بيان المحامين المقتضب: “احتجاجًا على تعامل الأجهزة الأمنية والشرطية العنيف وغير القانوني مع الشعب، واحتجاجًا على اعتقال المواطنين الأعزاء والمحامين المدافعين عن الحق أمام قوى النظام، سوف نتجمع من أجل إيران يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2022 في تمام الساعة الواحدة ظهرًا أمام مبنى نقابة المحامين المركزية الواقع في ميدان (الأرجنتين) بطهران”.
على الرغم من أن هذه الوقفة كانت سلمية، ولم تحمل أية شعارات سياسية، ولم تدع إلى أية تحركات شعبية، إلا أنها سرعان ما فُضت بالقوة مع وصول القوات الأمنية وقوات التعبئة (البَسيج) ومطلقي الغاز المسيل للدموع. هذه الواقعة أصبحت بادية مواجهة الحكومة الإيرانية ومؤسساتها الأمنية مع المحامين بلا روية.
لم يكن قد مضى وقتٌ طويلٌ على وقفة المحامين الاحتجاجية في طهران حتى انتشرت أخبارٌ عن اعتقال محامين اعتزموا الدفاع عن المتظاهرين الذين اعتقلتهم قوات الأمن خلال المظاهرات المنددة بمقتل “مهسا أميني”. ففي 11 نوفمبر 2022، كتبت مجلة “حقوقنا ما (حقوق ما)” التي يصدرها نشطاء حقوق الإنسان في أوروبا: “اُعتقل ما لا يقل عن 8 محامين إيرانيين في شيراز، وكان هؤلاء المحامون قد ترافعوا عن المتظاهرين المعتقلين أمام المحاكم الإيرانية”.
ووفقًا لما ذكره تقرير هذه المجلة، فإن المحامين الذين اُعتقلوا في مدينة شيراز يومي 2 و3 أكتوبر 2022 هم: بَهارة صحرائیان، ومحمد هادي (رامین) جعفر پور، ونازنین سالاري، ومهدي صَفَري، وقُدسیِّة قُدس بین، ومحمود طَرافَت روي (محمود طراوت روى)، وآستارة أنصاري، وعليِّ رِزا زارع (على رضا زارع). وكان قد أفاد تقريرٌ سابقٌ أن “أمين عادل أحمديان” كان من بين المحامين المعتقلين في هذه المدينة أيضًا.
لم تقتصر حملة اعتقالات المحامين على شيراز وحدها، بل امتدت أيضًا إلى أذربيجان الشرقية وطهران من منتصف شهر أكتوبر 2022، حيث أُلقي القبض على كل من: قاسم بوعادي (قاسم بُعَدى)، وأمیر مهدي پور، ونيجين كياني (نِگین کیانی) المحامین الناشطين في أذربيجان الشرقية خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر.
كما أُلقي القبض على كل من: محمد عليِّ كام فِيروزي، وآرَش كيخُسرو، وحسن أسدي زيد آبادي، ومصطفى نيلي في طهران بأمر ضبط وإحضار أو دونه، وكان جميعهم قد ترافعوا عن المتظاهرين المعتقلين.
وكان عضو مجلس إدارة نقابة محاميِّ بوشهر “عادل مُقدَّس” الذي رافق عددًا من المحامين خلال استدعائهم إلى وحدة نيابة الأمن السابعة بسجن “إيفين (اِوين)” الخاص بالسجناء السياسين، قد قال سابقًا: “هناك إحصائيات مختلفة تم إعلانها حول عدد المحامين المستدعين من قبل النيابة، لكن يبدو أنه اُستُدعِيَ حتى الآن أكثر من 100 محام إيراني”.
اغتيالات ممنهجة ووفيات غامضة
مع شروع الحركة الاحتجاجية “امرأة، حياة، حرية (زن، زندگی، آزادی)” في إيران المنددة بالحجاب الإجباري وتعنيف المرأة الإيرانية عقب مقتل الفتاة “مهسا أميني” على أيدي “شرطة الأخلاق”، زُهقت أرواح عدد من المحامين أيضًا خاصة النساء منهم بسبب مشاركتهن في المظاهرات، حيث لقيت 3 محاميات مصرعهن بشكل مريب بعد شهورٍ قليلةٍ من بداية الاحتجاجات، ولم تُجر أية تحقيقات مستقلة ونزيهة حول أسباب مصرعهن وكيفية حدوثه، وهن: مريم آرفين (مریم آروین)” محامية سيرجانية، ونرجس خورَّامي فرد (نرگس خُرَّمی فرد)” محامية مشهدية، ومُحَبت مظفري محامية بِهبَهانية.

وقد أفاد تقرير وکالة أنباء “وكلاپريس (أخبار المحامين)” التابعة للمحامين الإيرانيين، أن السيدة “خورامي فرد” قد توفيت في 2 ديسمبر 2022، وذكر نقيبا محاميِّ سمنان وخُراسان الرضوية أنهما لا يعلمان سبب وفاتها وكيفية حدوثه، لكن يُقال إنها قد شاركت في أغلب المسيرات الاحتجاجية بمشهد، وكانت تتابع أحوال المتظاهرين المعتقلين وأوضاعهم.
كما أفاد تقرير نشرته “نقابة محاميِّ محافظة كرمان”، أن السيدة “آرفين” قد أُلقي القبض عليها في 30 نوفمبر أثناء دفاعها عن بعض المتظاهرين المعتقلين في قاعة محكمة سيرجان أمام موكليها، واُقتيدت إلى السجن مُكبلة اليدين والقدمين.
وتقول المحامية الإيرانية “مرزية مُحبي (مرضيه محبى)” التي اضطرت إلى مغادرة إيران واللجوء إلى فرنسا بعد أن وجه لها المدعي العام في مشهد اتهامات أمنية: “تتحدث التقارير عن كيفية اعتقال السيدة آرفين، فبينما كانت تدافع عن موكليها في قاعة المحكمة، استخدم رجال الأمن رذاذ الفُلفُل من أجل إلقاء القبض عليها، وتعرضت إلى إهانة شديدة من قبل مَن حقق معها”.
وتعلق السيدة “محبي” على وفاة “آرفين” الغامضة قائلة: “بينما لم يُجر أي تحقيق حول كيفية وفاة السيدة آرفين، ولم تظهر نتائج المعمل الجنائي، أعلن المدعي العام في سيرجان أن آرفين قد انتحرت، وادعى أنها حاولت الانتحار مرة سابقة”، وفي هذا السياق تضيف محبي: “تعليق المدعي العام المتسرع ممکن أن يثير الشك في سبب وفاة هذه المحامية، وهذا الأمر يشير بدوره إلى وجود خطة ممنهجة لاغتيالها في السجن”.
المحامية “مُحَبت مظفري” عضوة في نقابة محاميِّ محافظة خوزستان، وقد توفيت هي الأخرى بشكل مريب في 1 فبراير 2023، ووفقًا لما يذكره زملاؤها، فإن أسرة السيدة مظفري تتعرض إلى ضغوط شديدة من قبل الأجهزة الأمنية حتى لا تدلي بأية تصريحات إلى الوسائل الإعلامية حول كيفية وفاة ابنتهم.
وتسعى المحامية “مرزية محبي” إلى كشف الغموض عن سبب وفاة السيدة مظفري، حيث تقول: “بناءً على رواية حساب “1500 صورة (۱۵۰۰ تصوير)” على موقع تبادل الصور والمقاطع المصورة (إنستغرام) Instagram، أن السيدة مظفري اُعتقلت في طهران، وتعرضت إلى التعذيب، فأُصيبت بارتجاج فی المخ أثناء الاعتقال، وتوفيت بعد إطلاق سراحها. لذا تتعرض أسرتها إلى ضغوط من قبل الأجهزة الأمنية حتى لا تدلي بأية تصريحات إلى الوسائل الإعلامية حول سبب وفاة ابنتهم”.
کما أفادت التقرير السنوي 2022 لوكالة أنباء “وكلاپرس” بأن 4 محامين لقوا مصرعهم في حوادث جنائية، و10 آخرين تعرضوا إلى محاولات اغتيال.
جدير بالذكر أنه بسبب الدفاع عن المعتقلين السياسيين، يواجه المحامون الإيرانيون دائمًا ضغوطًا غير مسبوقة من قبل النظام الإيراني؛ تتمثل في تهديدهم واعتقالهم واغتيالهم، هذا بالإضافة إلى مساعي الحكومة المستمرة والحثيثة إلى تقويض دعائم استقلال نقابة المحامين المركزية بالتصديق على قوانين متعددة على مدار السنوات الأخيرة.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.