المتابع لصيرورة الاحداث السياسية والإجتماعية والأمنية والإقتصادية الجارية في السودان، والتدافع الحاصل بين النخب بأشكالها المختلفة سيلاحظ بأن الأزمة التي يعايشها السودان هي أزمة مفتعلة ناتجة عن تزاحم هذه النخب، وأن تقاعسها في لعب دورها المنشود اوصل الأوضاع في البلد الى حافة الأزمة.
ولكن فرص إنقاذ الوضع لازالت قائمة في حال تداركت هذه النخب الامر من خلال إعلاء مصلحة الوطن والمواطن وتفعيل مبادرات مختلفة تحتكم لصوت العقل وتُرفد بضمير وطني جمعي حي يعي المخاطر التي تجابه الوطن. إن تجارب الدول التي شهدت تغيير ثوري وصراع وتجاذب سياسي ومجتمعي توصلت نخبها بالنهاية الى قناعة راسخة مفادها انه لا مناص من التوافق الوطني ومن القبول بالحلول الوسطية والتدرج في تحقيق الأهداف المشروعة حتى لا تقع هزات سياسية وأمنية ومجتمعية تؤثر على كيان الدولة ووحدة ترابها ولاتضرب بالسلم المجتمعي القائم على قيم وعادات وثوابت القوى الوطنية. والنخب التي سارت ببلدانها عكس هذا المسار أدت الى تخليق وضع فوضوي خطير.
وفي هذا السياق، يمكن إعطاء النموذج التونسي مثالاً يحتذى به إذ مر بتجربة مماثلة للتحولات التي تعايشها الدولة السودانية، ولكن أسهمت النخب السياسية التونسية بامتصاص الازمات من خلال الوعي السياسي الرفيع وتقديم الكسب الإستراتيجي وتغليب الحوار على الصدام، والتوافق على التعارض وعدم الصراع والتخندق والإنزواء في أفق الرهانات الأيدولوجية والمصالح الحزبية الضيقة والذاتية المنحرفة عن المصلحة الوطنية العامة.
وبالتالي كان من الاجدر بالنخب السودانية لاسيما السياسية منها أن تعي الخطر المحدق بالبلد وأن تسرع بالتوافق حتى تنشل الوطن من هذا الوضع المأزوم. ولكن للاسف يبدو أن هذه النخب إختارت مسلك التعارض بدلاً التوافق، حيث تسعى كل نخبة الى إحراج الأخرى حتى تحقق نفوذ سلطتها، على سبيل المثال النخبة العسكرية تسعى لإستغلال حالة اليأس الحاكمة على الشارع السوداني كي تتيح لنفسها فرص التغول والإنقضاض على السلطة. فضلاً عن تقاعس بعض النخب من أداء دورها منح بعض النخب لإستعادة زمام سلطتها التي تأكلت مع أعاصير التغيير، على سبيل المثال مع تجاهل القوة السياسية التقدمية دور القوى القبلية والمجتمعية أسهم في تأزيم أوضاع بعض الاقاليم السودانية، وتأزم الاوضاع حمل المواطن السوداني بالتخندق خلف ستار القبلية لحماية نفسه وماضيه ومستقبل أبنائه.
وبالمحصلة نلاحظ أن النخب السودانية بكل صنوفها المختلفة تتخادم بقصد ام من دون قصد، لذلك يمكن القول تخادم النخب يعقد المشهد في البلد ويدخله في فوضى عارمة، وتحرم السودان من تحقيق التحول الديمقراطي القائم على التوافق الوطني الكامل.
إبراهيم ناصر، باحث بالشأن الإفريقي. خاص “رياليست”