شهدت العاصمة الليبية – طرابلس هذه الأسبوع مظاهرات حاشدة أمام المبنى الرئاسي لحكومة الوفاق، بينما لا يزال الوضع الإقتصادي صاعداً مع تأرجحات سياسية وميدانية لم تحقق المطلوب منها بعد.
لماذا لم تلبِّ حكومة الوفاق مطاب المحتجين؟
شهدن طرابلس مظاهرات حاشدة لسكان العاصمة من ضمنهم نساء وأطفال، رفعوا لافتات كتب عليها عبارات يسألون فيها عن أقاربهم المعتقلين، ولماذا لم يخضعوا لمحاكمات حتى الآن، فيما لم يقم مسؤولو الحكومة بالرد أو التعليق أو محاولة إمتصاص غضب المحتجين، الذين هم معتقلين بحسب المتظاهرين في سحن معيتيقة ومصراته من بين 70 معتقل تحت سيطرة وزارة الداخلية الليبية برئاسة فتحي باشاغا، إذ يبدو أن صمت الحكومة يأتي لجهة تتورط أسماء في الأمن الليبي والذي يرأس جزء منه عبد الرؤوف كارة الإرهابي المطلوب دولياً، لجهة الإعتقالات التي يبدو لا تحمل أسباباً سوى أنها تخالف نهج هذه الحكومة، ولا حل للمخالفين إلا بالإعتقال أو التصفية، لتكون هذه المظاهرات دون جدوى.
ويبدو أن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج تعيش أسوأ مخاوفها في هذه الفترة، فلقد عاد الصوت الغربي إلى الإرتفاع مجدداً، وهذه المرة عبر رفض الإتفاقية الأمنية والبحرية المبرمة مع تركيا من جانب الوفاق في العام 2019، ما يعني أن هناك مسعىً لإبطالها دولياً، في حين أيضاً لم يصدر أي تعليق من المسؤولين حيال هذه المسألة، ولعل إستقالة السراج المرتقبة في آخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري، بدأت تتكشف أسبابها، وهي الإنسحاب قبل التورط بملفات ستفتح تباعاً.
لماذا جددت تركيا تدخلها في ليبيا؟
بعد ثبوت بدء الخطوات الجادة لنقل ليبيا من حالة الفوضى والمعارك إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بين الفريقين المتحاربين، مجدداً تتدخل تركيا لتعطيل أي تقدم إيجابي للعملية السياسية عبر خلط الأوراق، وما تبرع به أنقرة هو إغداقها بالأسلحة والعتاد العسكري لحكومة الوفاق، على الرغم من التصريحات التركية حول حل أزمة شمال أفريقيا، ليس هذا فقط بل أرسلت تركيا ضباط ومدربين، يعملون على تدريب العناصر التابعة للوفاق على تكتيكات معينة وكيفية إستخدام الأسلحة الثقيلة الجديدة ومن بين ذلك دبابات “إم 60” وسفن حربية.
وهذا يعني أن أنقرة لن تتوقف عن دعم الوفاق، ولن ترضخ للإملاءات الغربية بأن تخرج صفر اليدين من ليبيا بعد كل ما حصدته وتكلفت به حتى الآن، فبعد أزمة شرق المتوسط ومسألة ناغورنو كارباغ إعتقد البعض أن الأجواء مهيأة للإنقلاب على تركيا، لكنها تستمد قوتها من الدعم الأمريكي الخفي غير المعلن، لكن أن تدخل في عددٍ من الأزمات الكبيرة معاً والتي تتقاطع جميعها مع المصالح الأمريكية، ليس وليد صدفة بقدر ما هو تنسيق كشفت عنه وثائق طرحتها وزارة العدل الأمريكية مؤخراً، فالتدخل التركي في الأزمة الليبية لن ينتهي ولن يُسمح لليبيين بأي حل سياسي وإن وصل إنتاج النفط إلى المرتبة الأولى عالمياً.
لماذا تم تسريب وثائق تثبت تورط واشنطن في ليبيا؟
كما تركيا، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية في تصريحاتها دعم التسوية السياسية في ليبيا، وهذا ظاهراً، إلى أن سربت مواقع رسمية أمريكية وثائق تثبت تدخل واشنطن في الشأن الليبي من قبل مسؤولين نافذين في الإدارة الأمريكية على صلات مستمرة مع تركيا وقطر، وبدعم إعلامي من كبرى وسائل الإعلام المشهورة، فمثلاً هناك وثيقة سربتها وزارة العدل الأمريكية ليس للطعن في بلدها بل لأن النظام المعمول به هو مراقبة المصاريف كل ستة أشهر ومن خلال الكشوفات تبينت مصادر المدفوعات من وإلى، وهناك وثيقة في قسم “فارا” في موقع وزارة العدل تكشف عن صف من المنظمات المسؤولة عن اللوبي نيابة عن حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يسيطر عليها فائز السراج، وكشفت الوثيقة أيضاً الصلات والإتصالات عبر منظمات أمريكية عديدة، وتكشف الوثيقة نفسها أيضا عن تفاصيل محددة لجهود الضغط هذه. على سبيل المثال ، وقعت شركة ميركوري للشؤون العامة في 25 أبريل/ نيسان من العام 2019، إتفاقية ضغط مع حكومة الوفاق الوطني. الغرض المعلن من الاتفاقية هو الضغط على الكونغرس والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة للحصول على الدعم في وسائل الإعلام. ووفقا للاتفاقية ، فإن رسوم دعم وتبييض أنشطة حكومة الوفاق الوطني في وسائل الإعلام الأمريكية كبيرة جدا – 150000 دولار شهريا ، بالإضافة إلى 50000 دولار ربع سنويا للسنة وما بعدها، ما لم يقرر أحد الطرفين إنهاء الاتفاقية.
ومن بين المسؤولين الضالعين في هذه المسألة، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية لويزيانا ديفيد فيتر، وكان دوره، التخطيط الاستراتيجي والضغط والتواصل مع المسؤولين الأمريكيين والعلاقات العامة، إضافة إلى كريس كونز، وليندسي جراهام، وكريس مورفي، وماركو روبيو، وتيد ليو، وآن واغنر، وتوم مالينوفسكي. بالإضافة إلى ذلك، تضم القائمة العديد من الموظفين المحترفين في لجان مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي بالإضافة إلى ستيفاني ويليامز (المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا) وروبرت أوبراين، الذي شغل منصب رئيس الولايات المتحدة للأمن القومي.
من هنا، إن الأزمة الليبية لو أريد لها الحل، لما إستمرت عشر سنوات، وهذا أصبح معروفاً للجميع، ولكن إنكشاف الدور الأمريكي والتركي المتعاون ولذي لطالما أكدناه، لم يعد سراً، فهل ستنجح الجهود التي تسعى إلى تسوية ليبية شاملة؟ لا يبدو أن ذلك ممكناً في الوقت الحالي، ولا يعد هذا الأمر تثبيطاً للعزائم، بل هو حقيقة واضحة، فأينما وضع الأمريكي يده لن تستطيع الدول التي تعاني أزمات من النهوض مجدداً حتى يتم تغيير كل الأطراف التي لم تطبع مع واشنطن، فالوضع القائم مستمر إلى أن تسيطر الولايات المتحدة على القرار السياسي الليبي، كالحالة العراقية ما بعد العام 2003.
فريق عمل “رياليست”.