موسكو – (رياليست عربي): تركيا في العام الماضي، بلا شك، واحدة من صانعي الأخبار الرائدين في العالم، بما في ذلك بفضل مبادرات حفظ السلام في أوكرانيا، وتنفيذ اتفاق الحبوب وتمديده، الدور الحاسم في ذلك لعبه نشاط السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي يسميه هو نفسه “دبلوماسية القادة”.
كان الإصرار الدبلوماسي لرئيس الدولة محسوساً في جميع مجالات السياسة العالمية تقريباً، كما برز أردوغان في الشبكات الاجتماعية، فقد احتل الزعيم التركي المرتبة الثالثة بين أكثر 50 من قادة العالم تأثيراً على موقع “تويتر” في عام 2022، يليه، الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
سمحت له سنوات عديدة من الخبرة السياسية بالعمل في عدة اتجاهات في وقت واحد – من أذربيجان إلى الشرق الأوسط، ومن الصراع في أوكرانيا إلى عضوية السويد وفنلندا في الناتو، وكان أكثر نجاحاً من العديد من رجال الدولة الأوروبيين، وفي هذا الصدد، قال حسين باجي مدير معهد السياسة الخارجية التركي: “كان هذا عام أردوغان ودبلوماسيته ويجب الاعتراف بهذا”.
“دبلوماسية القادة”
أحد الأمثلة اللافتة للنظر لدبلوماسية أردوغان، يسمي الخبراء الأتراك الدور الذي لعبه في إنعاش صفقة الحبوب فيما يتعلق بانسحاب روسيا منها، ثم أجرى الرئيس التركي محادثات هاتفية مكثفة بشكل خاص مع قادة الاتحاد الروسي وأوكرانيا والأمم المتحدة والغرب، يشار إلى أن رجب طيب أردوغان استغل الموقف لتخفيف التوتر في العلاقات بين روسيا وألمانيا.
دبلوماسية القيادة” أمر بالغ الأهمية لحل القضايا، حتى المستشار الألماني أولاف شولتز كان له موقف مختلف تماماً تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل شهر وغيره تجاه روسيا، مؤكداً أنه من المهم إيجاد لغة مشتركة”، كما قال أردوغان في مقابلة سابقة له، أجرى الرئيس التركي في اليوم السابق محادثات هاتفية مع بوتين وشولتز، تم خلالها بحث الوضع في أوكرانيا وتمديد اتفاقيات اسطنبول الخاصة بتصدير المنتجات الزراعية من الموانئ الأوكرانية.
يمكن تفسير نشاط السياسة الخارجية للرئيس التركي جزئياً من خلال الجوانب السياسية المحلية، في يونيو 2023، من المقرر إجراء انتخابات عامة (رئاسية وبرلمانية) في تركيا، أردوغان لا يخفي رغبته في الفوز بهم، بالإضافة إلى ذلك، سيكون هذا انتصاراً في العام الذي سيتم فيه الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية، هذا صحيح جزئياً، لكن الخط الذي اتخذه الرئيس الحالي لتركيا في الدبلوماسية يعكس إلى حد كبير الوضع الدولي المتغير وانهيار النظام العالمي القديم، من الواضح أن بنية الأمن الدولي، التي نشأت منذ أكثر من نصف قرن، آخذة في الانهيار أمام أعيننا، وإدراكاً منه لذلك، يسعى أردوغان إلى عدم تفويت الفرصة لتأخذ تركيا مكانها الصحيح في العالم الجديد الناشئ، بناءً على أهميتها الجغرافية والجيوسياسية والأفكار الوطنية.
ولهذا يقول الزعيم التركي بشكل متزايد إن “العالم أكثر من خمسة”، في إشارة إلى عجز الأمم المتحدة عن حل الأزمات التي تنشأ في العالم وضرورة إصلاح مجلس الأمن، الذي يضم خمسة أعضاء دائمين (روسيا، الولايات المتحدة، والصين، وبريطانيا، وفرنسا) لها الحق في النقض، وإذا رغبت في ذلك، يمكنها منع أي قرار.
نحو عالم أكثر إنصافاً
تم تحديد الأطروحات الأساسية لرئيس تركيا حول الحاجة إلى إصلاح الأمم المتحدة في كتاب “عالم أكثر عدلاً ممكناً”، الذي نُشر في سبتمبر 2021 وتم تقديمه على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولفت أردوغان فيه الانتباه إلى مشاكل السياسة العالمية: أزمة الهجرة، والإرهاب الدولي، والإسلاموفوبيا، والتمييز، وازدواجية المعايير، ووفقاً له ستواصل تركيا جهودها لإصلاح الأمم المتحدة “حتى إقامة نظام تكون فيه القوة لمن هم على حق، وليس العكس – فالقوي هو على حق”.
وفي تعليقه على مبادرة أردوغان، أشار رئيس دائرة الاتصالات في إدارة الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، إلى أن تركيا منفتحة على مناقشة مقترحاتها لإصلاح الأمم المتحدة، “مقترحاتنا لحل المشكلة هي قبول وجهة النظر الواردة في عبارة “العالم أكثر من خمس دول”، وتتعلق هذه المقترحات على وجه الخصوص بتغيير هيكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لضمان السلام والاستقرار، نظام عالمي عادل وأكثر استدامة للأمم المتحدة يعكس التعددية الثقافية والاحترام المتبادل”، وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة ترى أنه من الضروري إلغاء نظام الفيتو المعمول به في مجلس الأمن الدولي، والذي سيضمن أقصى تغطية للدول الممثلة في المنظمة.
الامتثال للمصالح الاقتصادية
يتفق الخبراء المحليون على أن تركيا ستواصل في عام 2023 الدبلوماسية النشطة، والتي ستهدف بشكل أساسي إلى حل الأزمة الأوكرانية، لقد أوضحت أنقرة كثيراً أنها تعتمد على التطورات الإيجابية في هذا الأمر بحلول الربيع، دون استبعاد اجتماع رفيع المستوى لممثلي الاتحاد الروسي وأوكرانيا من خلال وساطة تركيا، “إن علاقة أردوغان الشخصية الجيدة مع بوتين وزيلينسكي جعلت من الممكن في السابق إيجاد طريقة للخروج من المأزق على ما يبدو في صفقة الحبوب، وسيواصل الرئيس التركي بلا شك نشاطه في الاتجاه الأوكراني في العام المقبل، مع مراعاة كلماته في أنقرة إن “الحرب لا منتصر فيها ولا خاسر للعالم”.
بالنتيجة، ستواصل تركيا، مع الأخذ في الاعتبار الخبرة المتراكمة لـ “دبلوماسية أردوغان” في الاتجاه الأوكراني، المناورة بين سياسة الغرب التي لا يمكن التنبؤ بها في أوكرانيا ومراعاة مصالحها فيما يتعلق بروسيا، ولا سيما المصالح الاقتصادية، كما من الواضح أنه على الرغم من عدم الرضا في الغرب، فإن مبادرة إنشاء مركز للغاز على الأراضي التركية ستتطور، وستبذل أنقرة جهوداً لجذب دول جديدة إلى المشروع بحيث يكون مفيداً اقتصادياً لجميع المشاركين فيه، ومن الواضح أيضاً وانها لن تنضم الى العقوبات ضد روسيا رغم الضغط المتزايد من الولايات المتحدة.
أندريه بالاريا – إعلامي – روسيا.