منذ أسابيع عدّة، والإحتجاجات الشعبية تجتاح الجبل الأسود، على خلفية إصدار قانون يصادر حقوق الديانات المختلفة بما في ذلك الكنيسة الأرثوذكسية الصربية التي تشكل مرجعية الأغلبية الساحقة في البلاد. الجبل الأسود هو جمهورية صغيرة من دول البلقان يبلغ عدد سكانه 620.000 نسمة ويقع على البحر الأدرياتيكي.
للجبل الأسود الكثير من الخصائص، فقاطنوه في الغالب من الصرب ولن يغيروا جنسيتهم. ويتحدثون الصربية، ويحتفلون بالأعياد الصربية، والجميع يتشارك تاريخ الصرب حيث يتواجد في الجبل الأسود أقدم المؤسسات الصربية. تأسست الكنيسة الأرثوذكسية الصربية منذ القرن الثالث عشر والتي تضم أكثر من 600 دير وكنيسة والكنائس في منطقة تعادل قسمين فرنسيين كبيرين.
المشكلة هي أن الجبل الأسود الآن في يد دمية تابعة لحلف شمال الأطلسي – الناتو، ميلو جوكانوفيتش رئيس وزراء الجبل الأسود، الذي يمارس منذ إستفتاء الإنفصال عن صربيا المشكوك فيه في عام 2006، إذ أن جوكانوفيتش يبذل قصارى جهده لمحو الجذور الصربية في المنطقة ويجعله يسير في الفلك الأطلسي.
مساء يوم الخميس الماضي، أصدرت حكومة دسكو ماركوفيتش، على الرغم من التعبئة الشعبية المثيرة للإعجاب، قانوناً يتعلق بما ورد عن فصل الجبل الأسود عن صربيا، حيث قام رجال مسلحون بإجلاء أعضاء المعارضة في البرلمان. أما في الشارع فلقد استخدمت شرطة النظام القوة في العديد من المواقع ضد المتظاهرين المسالمين ووصل بها الأمر أن ضربت الأسقف، المونسنيور ميتوديجي. هذا هو ما أصبح حال دولة الجبل الأسود الدموية التي يريدها حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ليتملكون الكنيسة وضرب رجال الدين وتعيين قسراً نواب المعارضة ويريدون إعادة كتابة تاريخ شعبها. إنه نموذجهم الجميل للديمقراطية بدون أدنى شك.
السبب الأساسي لهذا القانون هو الرغبة في محو الجذور الصربية في المنطقة. يريد حلف الناتو السيطرة على البلقان ولكنه لا ينجح لأن الصرب معادون بشكل عام لسياسة الناتو ومن يعيش في صربيا أو الجبل الأسود أو البوسنة والهرسك … لم ينسوا من هاجمهم في التسعينيات.
إن بيان مهمة الرئيس ميلو جوكانوفيتش هو جعل الجبل الأسود يتبع لسياستي واشنطن وبروكسل، لكن هذا أمر صعب لأن جذور الجبل الأسود الصربية عميقة جداً والكنيسة الأرثوذكسية الصربية محبوبة للغاية وراسخة جداً. ولمحاربة هذه العقيدة، قام جوكانوفيتش بالفعل بإنشاء كنيسة انفصالية في الجبل الأسود لكن لم تعترف بها أي كنيسة أرثوذكسية أخرى.
إن ما يحدث في الجبل الأسود هو نفس السيناريو الذي حدث في أوكرانيا حيث عمل الأطلسيون على ابتكار كنيسة أوكرانية مستقلة ضد إرادة المؤمنين الأوكرانيين من أجل تقليل النفوذ الروسي. الأمر الذي قابله مقاطعة المؤمنين لسياسة الكنيسة الجديدة.
من هنا يجب إحياء عهد القيصر المؤمن، ومن ثم الخطوة التالية هي وضع الكنيسة الأرثوذكسية الصربية تحت سيطرة دولة الجبل الأسود تماماً. لكن المعركة ستكون طويلة ويمكن أن تنتهي بشكل سيء للغاية. كما أشار نائب معارض مؤخراً إلى أنه لا يزال من الممكن للشعب استخدام أسلحة من التسعينيات.
بالمحصّلة، إن التوتر هائل، وأحداث الأيام القليلة الماضية تكفي لتخويف المؤمنين، لكن في الجبل الأسود الأساقفة هم الذين يقفون على خط المواجهة دون تفسير محدد. فلقد أعلن المونسنيور جوانيكيجي “سندافع عن أنفسنا في كل قرية، ولن تقع الكنائس في أيدي الملحدين”. ومع وجود قادة كهذا الأسقف، لا شك أن الصرب في الجبل الأسود لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد. سيتعين علينا الآن أن نرى كيف ستتطور هذه المقاومة في الأيام المقبلة. الله وحده يعلم.
خاص وكالة “رياليست” – نيكولا ميركوفيتش – باحث وكاتب سياسي صربي