أربيل – (رياليست عربي): قوات الحشد الشعبي لم تكن كياناً رسمياً منذ البداية. تشكلت هذه القوات عام 2014 بعد فتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في النجف، عندما سيطر تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق. تطور الحشد تدريجياً من تشكيل عسكري شعبي إلى كيان رسمي ذي دور مؤثر في السياسة العراقية، وأصبح قوة مركزية تحت مظلة رئيس الوزراء العراقي. في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أقر مجلس النواب العراقي قانون قوات الحشد الشعبي، ما جعلها قوة رسمية تابعة لقيادة رئيس الوزراء.
الإحصائيات والتخصيصات المالية
بحسب الإحصائيات العراقية الرسمية، يشكل المجتمع الشيعي 85% من قوات الحشد الشعبي، بينما يشكل المجتمع السني 15%. مع ذلك، فإن القيادة تُهيمن عليها شخصيات من المجتمع الشيعي بنسبة 100%. إضافة إلى ذلك، تُخصص لهذه القوات ميزانية سنوية تقدر بنحو 2.88 مليار دولار، لدعم عدد يتراوح بين 234 ألف إلى 350 ألف مسلح. هذا الحجم الكبير للتمويل والقوة يجعل الحشد الشعبي لاعباً رئيسياً في المشهد العراقي.
مؤشرات على تغييرات داخل الحشد
تشير التطورات الأخيرة إلى أن قادة ميليشيات الحشد الشعبي بدأوا باتخاذ خطوات تتماشى مع الضغوط الأميركية. على سبيل المثال:
- انسحاب “لواء الطفوف” من نقطتين أمنيتين استراتيجيتين على حدود القائم قرب سوريا، وتسليم المهام إلى القوات الرسمية.
- انسحاب بعض كتائب حزب الله من مدينة جرف الصخر في محافظة بابل.
هذه الانسحابات قد تكون محاولة لتجنب المزيد من الضغوط أو لتوحيد الصفوف استعداداً لمواجهة قرارات مستقبلية قد تؤدي إلى حل الحشد الشعبي. مع ذلك، تعكس هذه التحركات انقساماً واضحاً بين الفصائل، حيث يفضل البعض المقاومة بينما يتخذ آخرون خطوات أكثر براغماتية.
الخيارات المتاحة أمام العراق
لمواجهة هذه التحديات، تملك الحكومة العراقية عدة خيارات:
- تعزيز سيادة الدولة: يمكن للحكومة اتخاذ إجراءات حازمة لإدماج الحشد الشعبي بشكل كامل في القوات المسلحة الرسمية، مع إعادة هيكلته لضمان الشفافية والمساءلة.
- تقليل الاعتماد على الأطراف الخارجية: يجب على بغداد تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية لضمان عدم وقوعها تحت ضغط طرف معين.
- توسيع الحوار الوطني: يمكن تنظيم حوار شامل بين جميع الأطراف السياسية والمجتمعية لتوحيد الرؤى حول مستقبل الحشد الشعبي.
أمثلة دولية للتعامل مع تحديات مشابهة
يمكن للعراق الاستفادة من تجارب دول أخرى في التعامل مع قوات شبه عسكرية:
- كولومبيا: أدارت كولومبيا عملية دمج ناجحة لمليشيات “فارك” في الحياة السياسية والاجتماعية من خلال اتفاقية سلام شاملة.
- لبنان: رغم التحديات المستمرة، يُظهر حزب الله نموذجاً لكيفية التوازن بين المشاركة السياسية والاحتفاظ بقوة عسكرية موازية، رغم تأثيراته السلبية على السيادة اللبنانية.
دور خامنئي في حل النزاعات
لقاء رئيس الوزراء محمد السوداني بالمرشد الإيراني علي خامنئي مثّل خطوة مهمة لإيران لضمان استمرار تأثيرها في العراق. خلال اللقاء، أبلغ خامنئي السوداني قائلاً: “الحشد الشعبي هو من القوى الرئيسية في العراق ويجب تقويته”. هذا التصريح يعكس رغبة إيران في الحفاظ على هيمنة الحشد الشعبي كذراع استراتيجي يخدم أجندتها الإقليمية.
التحديات الإقليمية والدولية والداخلية
في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، قد يصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين. هذا الواقع يفرض على الحكومة العراقية اتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على توازنها السياسي والاقتصادي.
تحقيق التوازن بين المصلحة الوطنية والعلاقات الخارجية
لتحقيق التوازن بين المصلحة الوطنية والعلاقات الخارجية، يتعين على الحكومة العراقية تعزيز التنسيق مع طهران عند الضرورة، ولكن بطريقة تحفظ سيادة العراق وتخدم مصالح شعبه. في الوقت نفسه، تواجه بغداد تحديات كبيرة نتيجة الضغوط الأميركية والإقليمية الهادفة لتقليص النفوذ الإيراني. للتعامل مع هذه التحديات، يجب تبني استراتيجية متوازنة تعزز القرار الوطني المستقل وتجنب أي انقسامات داخلية قد تؤثر على استقرار البلاد.
خاص وكالة رياليست –کاوە نادر قادر – باحث ومحلل سياسي – كردستان.