موسكو – (رياليست عربي): وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى منغوليا مساء الإثنين الموافق لتاريخ 2 سبتمبر 2024 في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس المنغولي (أوخناغين هورالسوخ)، حيث ذكر المكتب الصحفي للكرملين بأن الزعيمان أجريا محادثات ضيقة وموسعة، وأنهما تبادلا وجهات النظر حول مختلف قضايا الساعة الدولية والإقليمية، وعلى رأسها تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية)، وناقشا آفاق مواصلة تطوير العلاقات (الروسية – المنغولية) ذات الشراكة الإستراتيجية الشاملة.
- وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استمرار تطور العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، وقام بتوجيه الدعوة للرئيس المنغولي من أجل زيارة روسيا الإتحادية والمشاركة في قمة قازان لدول مجموعة (بريكس +) نظراً لأن هذا الحدث سيكون الأول من نوعه بعد انضمام دول جديدة للمجموعة، حيث عبر الرئيس الروسي لنظيره المنغولي عن أمله بحضور الأخير لقمة (بريكس +) في تتارستان.
- وأشاد الرئيس بوتين بالتعاون الإنساني، ولا سيما في مجال تعزيز دور اللغة الروسية وثقافتها في حمهورية منغوليا، كما دعا الرئيس بوتين نظيره هورالسوخ لبحث سبل التعاون بين روسيا الإتحادية ومنغوليا في مختلف المجالات، وخاصة في المجال الإقتصادي.
- كما أعلن الرئيس بوتين أنه سيشارك في احتفالات الذكرى الــــــــ(85) لانتصار الجيش السوفيتي على اليابان وتحرير منغوليا إبان الحرب العالمية الثانية والذي يصادف يوم الثلاثاء 3 سبتمبر 2024، كما التقى أيضاً برئيسي البرلمان والوزراء المنغوليين، فضلاً عن لقائه الذي جرى مساء أمس مع الرئيس المنغولي (أوخناغين هورالسوخ)، حيث أشار الرئيس بوتين للساسة المنغوليين، أن بلدهم منغوليا قد تحصل على جزء من الغاز الروسي الذي سيمر بأراضيها وصولاً إلى الصين عبر خط (قوة سيبيريا-2).
- وأكد الرئيس بوتين أنه ناقش مع رئيس منغوليا مجموعة واسعة من قضايا التعاون في المجالات السياسية والإقتصادية والإنسانية، حيث تم خلال الإجتماع إيلاء الكثير من الاهتمام لبناء العلاقات التجارية والإستثمارية ذات المنفعة المتبادلة خاصةً وأن روسيا الإتحادية هي أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لمنغوليا، بعد أن نمت التجارة البينية بأكثر من 21 بالمئة خلال الأشهر الـــــــــــــــــــــ7 الأولى من هذا العام 2024.
- ولفت الرئيس بوتين النظر إلى أن روسيا الإتحادية دائماً ما تلبي طلبات منغوليا وتوفر احتياجاتها من الوقود والمشتقات النفطية بأسعار تفضيلية، حيث زودت موسكو الإقتصاد المنغولي لفترة طويلة بموارد الطاقة اللازمة بعد أن وردت خلال العام الماضي 2023 نحو 90 بالمئة من احتياجات منغوليا من البنزين والديزل، ولذلك فإن روسيا الإتحادية ترى آفاقاً جيدة للتعاون في قطاع الغاز مع منغوليا.
- وأضاف الرئيس بوتين أن مشروع الغاز الروسي إلى الصين عبر منغوليا، أي مشروع (قوة سيبيريا-2) يخضع حالياً للمراجعة الحكومية، لأن المشروع سيربط روسيا الإتحادية ومنغوليا والصين الشعبية، وقد تمَّ الإنتهاء من تصميم خط أنابيبه، حيث سيتم في إطار المشروع بحث عملية تزويد منغوليا بجزء من الغاز الروسي الذي سيتم ضخه ضمن الأنابيب عبر الأراضي المنغولية إلى جمهورية الصين الشعبية.
- وأشار الرئيس بوتين إلى أن الشراكة بين البلدين في قطاع الطاقة لا تقتصر فقط على تصدير المواد الهيدروكربونية لأن موسكو منفتحة على تنفيذ المشاريع النووية السلمية أيضاً مع معظم مؤسسات (أولان باتور) الحكومية بما في ذلك مشاريع مشتركة من أجل استخدام المفاعلات النووية الصغيرة.
- وأكد الرئيس بوتين على الصعيد التجاري والمالي أن التعاملات التجارية بين روسيا الإتحادية ومنغوليا تجرى بعملات بديلة عن الدولار واليورو، موضحاً في الوقت نفسه أن علاقات الأخوة والصداقة التي جمعت البلدين أيضاً في ساحات القتال والتقاليد المشتركة أيضاً، قد شكلت لبنة قوية للعلاقات بين روسيا الإتحادية ومنغوليا، وذلك للحفاظ على علاقات حسن الجوار، والتعاون في المجال العسكري والتقني العسكري ومكافحة الإرهاب، بما يسهم في ضمان الأمن لمنطقة آسيا ودولها بشكل كامل.
- وأعلن الرئيس بوتين أيضاً في مقابلة مع صحيفة (أونودور) المنغولية خلال هذه الزيارة، أن الأمر والقرار حالياً، أصبح متعلقاً بالشركاء في منغوليا، لأنهم لا يريدون أن يقتصر دورهم على عبور (ترانزيت) الغاز الروسي فقط، بل إنهم يفكرون في إمكانية استخدام جزء من شحنات هذا الغاز الروسي الرخيص الذي سينقل عبر خط (قوة سيبيريا-2) وذلك لتطوير اقتصاد بلادهم، مشيراً إلى أن روسيا الإتحادية ستجري مفاوضات مع جمهورية منغوليا حول تزويدها بموارد الطاقة الروسية وبأسعار تفضيلية.
- وأتت تصريحات الرئيس بوتين بهذا الصدد لتؤكد ما أعلنته وزارة الخارجية الروسية بأن مشروع خط أنابيب الغاز (قوة سيبيريا-2) من روسيا الإتحادية إلى الصين الشعبية عبر منغوليا، بات على مستوى عالٍ من الجاهزية، حيث سيبدأ تدفق الغاز بعد الإتفاق على الأسعار وحجم الإمدادات، نظراً لأن مشروع خط (قوة سيبيريا-2) هو مشروع يتضمن مد أنبوب بسعة 50 مليار متر مكعب سنوياً من روسيا الإتحادية إلى الصين الشعبية عبر منغوليا، إذ سيتم في إطار هذا المشروع ضخ الغاز الروسي من حقول في شبه جزيرة يامال الواقعة (غرب سيبيريا في روسيا الإتحادية)، وكذلك ضخ الغاز من منطقة (ناديم بور طاز) في إقليم يامالو نينيتس (شمال روسيا الإتحادية بالقرب من منطقة القطب الشمالي)، وهو ما سيثري خزينة الحكومة الروسية، وسيدعم اقتصاد الصين الشعبية ومنغوليا مالياً.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف علاقات روسيا الإتحادية الدولية مع دول قارة آسيا، مثل جمهورية منغوليا، وفي مقدمتهم الخبيرة والإعلامية (صوفيا فيريرا سانتوس)، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصل إلى منغوليا، في أول زيارة له إلى دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية منذ إصدارها مذكرة اعتقال بحقه، حيثُ لم يبدِ الكرملين أية مخاوف حيال ذلك، بل ترجل الرئيس بوتين من طائرته مساءً في مطار العاصمة (أولان باتور).
- وتضيف الخبيرة سانتوس أن الحرب (الروسية-الأوكرانية) قد دفعت الرئيس فلاديمير بوتين لزيادة الإعتماد على الزعيم الصيني (شي جين بينج) لدعم اقتصاد موسكو، مع استمرار العقوبات الأوروبية المتزايدة ضدَّ الكرملين، ولذلك يستهدف خط أنابيب غاز (قوة سيبيريا 2) ربط السوق الصينية بحقول الغاز في غرب روسيا الإتحادية، والتي كانت تزود أوروبا بالغاز قبل الحرب، ولكن الأمر بات مختلف حالياً، ولا يبدو أن الغاز الروسي سيصل إلى أوروبا، قبل ربيع أو صيف العام القادم على أقل تقدير.
- وتؤكد الخبيرة أيضاً، أن الإقتصاد الروسي قد تأثر كثيراً بسبب الحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث تكبدت شركة (غازبروم) الروسية خسارة ضخمة قدرها 629 مليار روبل روسي، وهو ما يعادل تقريباً 6.9 مليار دولار أمريكي خلال العام الماضي 2023 فقط، وهي الخسارة المالية الأكبر منذ 25 عاماً على الأقل، في الوقت الذي تحاول فيه أوروبا تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن روسيا الإتحادية من أجل حصار موسكو، التي ما زالت تسوق شحنات كبيرة من غازها ونفطها بالإلتفاف على العقوبات الغربية.
- فيا يرى الخبير والمحلل السياسي الروسي (بافيل دانيلين)، أن أهمية منغوليا حالياً قد برزت بشكل كبير خلال سنوات الحرب الأخيرة، وبالذات ضمن الشراكة المتنامية بين جمهورية الصين الشعبية وروسيا الإتحادية، وحصرياً في مجال الطاقة، إذ أن الصين تستقبل شحنات الغاز من شرق روسيا الإتحادية عبر خط أنابيب (قوة سيبيريا 1)، والذي دخل في طور التشغيل عام 2019، ونقل ما يقرب من 23 مليار متر مكعب من الغاز خلال العام الماضي 2023، وبلغت طاقته الكاملة 38 مليار متر مكعب، ومن المتوقع الوصول لهذه الطاقة كما هو مخطط حتى نهاية عام 2025، نظراً لأن خط الغاز المسال (قوة سيبيريا 2) سيضيف 50 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الروسي المسال إلى الصين من حقول شبه جزيرة يامال في غرب سيبيريا، وهو الأمر الذي من أجله وصل الرئيس بوتين إلى منغوليا.
- وهنا سيحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قطع الطريق على الأمريكيين الذين يحاولون بشتى الوسائل إفشال هذا المشروع الروسي العملاق، ولهذا السبب استقبلت القيادة المنغولية قبل وصول الرئيس بوتين عدة مسؤولين غربيين، كان أبرزهم وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن)، نهاية شهر أغسطس الماضي 2024، نظراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تبدي اهتماماً زائداً بمنغوليا، حيث أجرى (أنتوني بلينكن) محادثات مع وزيرة الخارجية المنغولية (باتمونخ باتسيتسيغ) التي كانت في واشنطن قبل تلك الزيارة، إذ أعلن الأمريكيون حينها أن منغوليا شريك مهم للولايات المتحدة الأمريكية، وأن الجانين تربطهما قيم ديمقراطية مشتركة، ومصالح مشتركة.
- ونظراً لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد التقى مع الرئيس المنغولي (أوخناغين هورالسوخ)، وكذلك مع رئيس الوزراء (لوفسان نامسراين أويون إردين)، وبعده مع رئيس البرلمان (جومبوجاف زاندانشاتار)، فقد بات من الواضح أن الرئيس بوتين يحاول أن يسحب البساط من تحت أرجل الأمريكيين الذين يحاولون بشتى الوسائل إقناع قادة العاصمة المنغولية (أولان باتور) بالإبتعاد عن الكرملين الروسي، نظراً لأن واشنطن قد أعلنت التزامها بسياسة (الجار الثالث) والتي تهدف لإجبار منغوليا على تعزيز علاقاتها مع دول أخرى غير روسيا الإتحادية وجمهورية الصين الشعبية، كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي، واليابان وكوريا الجنوبية، أي الدول العالم والإقليم المنافسة جيوسياسياً لكل من بكين وموسكو، وهو المخطط الأمريكي الذي أفشله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل ذكاء من خلال زيارته إلى جمهورية منغوليا، وبعد محادثاته الناجحة في العاصمة (أولان باتور) مع القادة المنغوليين رغم مذكرة الإعتقال الصادرة بحقه من محكمة الجنايات الدولية، والتي باتت بعد هذه الزيارة المهمة بالذات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا تساوي حتى قيمة الحبر الذي كتبت به.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.