بعودة الإتحاد الروسي إلى الساحة الدولية منذ أزمة جورجيا 2008، بدأت حرب من نوع خاص بين الولايات المتحدة والإتحاد الروسي وهي الحرب الإستخباراتية. إمتدت هذه الحرب حتى إلى المجال الرياضي فيما يخص أزمة المنشطات. ففي الفترة الأخيرة تم الكشف عن العديد من قضايا التجسس سواء داخل الإتحاد الروسي أو داخل الولايات المتحدة. ولعل أهم هذه القضايا، مسألة القبض على الروسية ماريا بوتينا في الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة التجسس، وإستتباع هذه القضية بعملية القبض على أمريكي يُدعى بول ويلان، في نهاية عام 2018 بتهمة التجسس أيضا داخل الإتحاد الروسي.
مستوى جديد
لكن بالقبض على مواطن روسي منذ أيام في دولة ثالثة “إيطاليا” بتهمة التجسس بطلب من الولايات المتحدة، فإننا نكون أمام مستوى جديد لهذه الحرب الإستخباراتية. فقد تم القبض على ألكسندر كورشونوف، مدير قسم تطوير الأعمال في المؤسسة الموحدة لإنتاج المحركات التابعة لمجموعة “روس تيخ” في مطار نابولي بنهاية شهر أغسطس، وكان معه الإيطالي موريسيو باولو بيانكي المدير السابق في شركة ” GE Aviation” التابعة لشركة جينرال إليكتريك الأمريكية بتهمة الحصول على أسرار إقتصادية خاصة بمحركات الطائرات.
وردا على ذلك طبقا لـ روسيا اليوم زار عدد من الدبلوماسيين الروس وزارة الخارجية الأمريكية قبل أيام. وقامت السفارة الروسية في واشنطن، بنشر بيان على حسابها في “فيسبوك“، إن الدبلوماسيين أعربوا للوزارة عن احتجاج موسكو الشديد على هذه التصرفات “غير الشرعية”، وطالبوا إيضاح أسباب توقيف المواطن الروسي وسحب طلب تسليمه للولايات المتحدة بشكل فوري.
وأضاف البيان: “أشرنا إلى أن هذه الممارسة السيئة للسلطات الأمريكية والمتمثلة في مطاردة مواطنين روس عبر العالم غير مقبولة، فهي تتناقض مع أحكام القانون الدولي، إضافة إلى كونها تقود إلى تدهور أكبر للعلاقات الروسية الأمريكية وتجعلها أقل قابلية للتنبؤ”.
سابقة خطيرة
بالطبع هذه سابقة خطيرة في هذه الفترة، خصوصا وأن هناك علاقات قوية تربط كل من موسكو وروما. ويبدو أن هذه الخطوة جاءت من بعض الدوائر الأمنية الإيطالية وليست قرار سياسي خالص. وتعتبر هذه الخطوة أيضا غير مسبوقة من ناحية أن هذه أول مرة يتم فيها القبض على شخصية روسية تنفيذية مهمة داخل المجتمع العسكري الروسي. فهذه العملية تستهدف الحفاظ على مستوى التوتر بين الولايات المتحدة وبين روسيا خصوصا وأن هذه الخطوة جاءت بعد رغبة أمريكية بإستعادة روسيا إلى مجموعة الدول الثماني الكبرى.
السؤال المهم هنا، هل ستؤثر هذه الخطوة على العلاقات الإقتصادية الروسية-الإيطالية؟
يبدو أن الأمر لن يصل لهذا الحد، خصوصا وأن إيطاليا من الدول الأوروبية القليلة جدا التي تمتلك علاقات قوية مع موسكو، وأيضا يمكن أن ترد روما على هذا الأمر بأنها اتبعت القواعد القانونية الخاصة بالإنتربول والإتفاقيات الثنائية مع واشنطن في مجال تسليم المتهمين. لكن سيكون أمام الكرملين فقط العمل على تحضير رد مماثل بالقبض على شخصية أمريكية رفيعة المستوى داخل حدود الإتحاد الروسي أو في أي دولة صديقة أخرى. فطبيعة الحرب الإستخباراتية الروسية-الأمريكية منذ عشر سنوات تخبرنا بذلك. بالإضافة لذلك فإن الإدارة الروسية سيكون عليها تشديد إجراءات سفر المسؤولين الأمنيين والعسكريين الروس للخارج في الفترة المقبلة.