القاهرة – (رياليست عربي): تنقسم عادةً آراء النخب داخل الدول التي تجاور الدول العظمى إلى رأيين، فهناك رأي ينادي بضرورة الاحتماء من القوة العظمى عن طريق توطيد العلاقات بدول عظمى أو تجمعات دولية أخرى منافسة لهذه الدولة العظمى، بينما ينادي الرأي الأخر بضرورة الاحتماء بالدولة العظمى كون هذا يجعل الدولة في مأمن من أي ضربات محتملة من هذه الدولة كونها تمثل أمن قومي للدولة العظمى المجاورة، وقد شهدت جورجيا باعتبارها دولة مجاورة لروسيا سيناريو مماثل لما تطرحه هذه الإشكالية، فقد ذهب فريق بأهمية توطيد العلاقات مع روسيا، وذهب فريق أخر بضرورة توطيد العلاقات مع أوربا وخصوصًا مع الإتحاد الأوربي، وقد خطت جورجيا بالفعل عدة خطوات نحو محاولة الانضمام إلى الإتحاد الأوربي، ومن هنا يتمثل السؤال الرئيسي لهذه الورقة حول
ما هي الجهود الجورجية نحو الانضمام للاتحاد الأوربي؟ وما هي انعكاسات ذلك على العلاقات الجورجية الروسية؟
والذي ينتج بدوره عدة تساؤلات فرعية هي:
– ما هو شكل العلاقات الجورجية الروسية؟
– ما هو شكل العلاقات الجورجية بالاتحاد الأوربي؟
– ما هي محاولات جورجيا للانضمام للاتحاد الأوربي، وإلى ماذا أفضت هذه المحاولات؟
– ما هي انعكاسات محاولات جورجيا للانضمام للاتحاد الأوربي على العلاقات الجورجية- الروسية؟
المبحث الأول
محددات العلاقات الجورجية الروسية
ارتبطت العلاقات الجورجية الروسية بعدد من المحددات الهامة، التي تحددت وفقها شكل العلاقات بين روسيا وجورجيا على مدار فترة الدراسة، ولعله من الأهمية بمكان أن يسلط هذا المبحث الضوء على عدة محددات هامة مثل علاقات الجوار الجغرافي التي تربط كل من روسيا وجورجيا ببعضهم، وكذلك القدرات العسكرية غير المتكافئة بين الجارين، وكذلك الحرب الروسية الجورجية 2008 والتي مثلت عاملًا أساسيًا ومحددًا فاصلًا في العلاقات الروسية الجورجية، وأخيرًا توجهات النخبة والقادة السياسيين لكلا الدولتين والتي تشكل على أساسهما العديد من ملامح السياسة الخارجية لكلا الدولتين.
1-الجوار الجغرافي:
ويشمل هذا العنصر الحديث عن عدة نقاط رئيسية تتمثل في الموقع، والمساحة، والتضاريس، ولعل أهمية هذه العناصر تتجلى عند الحديث عن السياسة الخارجية للدول إذ أنها تؤثر في السياسة الخارجية للدول تأثيرًا كبيرًا إذ أنها تحدد نوعية الخيارات، ومدى الفرص المتاحة أمام صانع القرار السياسي الخارجي، كما أنها تتمتع بقدر من التأثير على عناصر القوة التي تؤثر في قدرة الدولة على تنفيذ سياستها الخارجية، حيث يمكن من خلاله تحديد المجال الحيوي للدولة، وهويتها وما قد يواجهها من تهديدات.
وتتأثر درجة تأثير الموقع الجغرافي للدولة بعدة عوامل رئيسية، ويأتي على رأسها مواقع المرور الدولي، والمواقع المطلة على البحار، حيث أن هناك مواقع جغرافية محددة تتسم بأنها طريق طبيعي للمرور والانتقال الدولي، وتعد حماية تلك المواقع أمرًا حيويًا بالنسبة للدولة صاحبة تلك المواقع، وتعد هذه المناطق محل أنظار الدول المجاورة، إذ أنها تحاول دائمًا التحكم فيها نظرًا لما تمثله من أهمية لمواصلاتها واتصالها بالعالم الخارجي.
وتقع روسيا في شمال آسيا في الجزء الغربي من الأورال، والذي يعتبر جزء من أوربا، وتطل على المحيط الشمالي، بين أوربا وشمال المحيط الهادي، وتشترك روسيا مع جورجيا بحدود طولها 723كم²، بينما تقع جورجيا في جنوب غرب آسيا، وتطل على البحر الأسود بين تركيا وروسيا في شمال القوقاز، والملاحظ أن جورجيا تقع على البحر الأسود، كما أنها يمر بها عدد من خطوط نقل البترول والغاز من آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر الموانئ الجورجية المطلة على البحر الأسود، وهو الأمر الذي استدعى أهمية وجود نفوذ روسي على جورجيا لضمان حفاظها على أمن الطاقة الخاص بها.
وتبلغ المساحة الكلية لروسيا حوالي 17,098,242كم² وتعتبر أكبر دول العالم من حيث المساحة، وفيما يخص التضاريس فإنها تعتبر بمثابة سهل واسع النطاق، بينما تبلغ المساحة الكلية لجورجيا حوالي 69,700كم²، أما بالنسبة لتضاريسها فنجد أنه في الشمال هناك جبال القوقاز الكبرى، بينما في الجنوب يوجد جبال القوقاز الصغرى، وتطل على البحر الأسود من الغرب، وبذلك فإن جبال القوقاز الكبرى تفصل بين روسيا وجورجيا وقد لوحظ على العلاقات الروسية الجورجية أن روسيا كانت دائمًا ما تحاول السيطرة على أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، الأمر الذي يمكن تفسيره في ضوء العوامل السابق ذكرها والتي تتعلق بمساحة جورجيا المهمة، وإشرافها على خطوط هامة للغاز والبترول التي تمثل أمن طاقوي بالنسبة لروسيا، وهو ما أدى فعلًا إلى تدخل روسيا في جورجيا باستمرار خاصة فيما يتعلق بالأقاليم الثلاثة التي حدثت فيها حركات انفصالية وتعددت أشكال هذا التدخل بين الأساليب السلمية، والتدخل المسلح.

2-القدرات العسكرية:
ويقصد بالقدرات العسكرية هي تلك الموارد المادية وغير المادية التي تتيح للدولة الدخول في صراع مسلح قد يصل إلى حد الحرب الشاملة، وتتضمن أعداد الجيوش، ومستوى تسليحها وتدريبها، وتلجأ الدولة لهذه القدرات إما باستخدامها بشكل فعلي، أو كأداة للردع للدول الأخرى[1]، وتعد عاملًا فاصلًا من عوامل انتصار الدولة حال دخولها في حرب مسلحة.
وتنقسم القدرات العسكرية حسب طبيعتها واستخداماتها وتأثيرها إلى قسمين رئيسيين هما: السلاح التقليدي، والسلاح فوق التقليدي، ويتمثل السلاح التقليدي بطبيعة الأمر بكل ما يرتبط بالصورة التقليدية للقوة العسكرية والتي تحصر صورة القدرات العسكرية للدولة في الجيوش، والجنود، والدبابات والطائرات، والمدافع، والسفن، والصواريخ المضادة للدبابات.
أما السلاح فوق التقليدي فيمكن أن نربطه بالأسلحة الاستراتيجية، والتي تتمحور حول الصواريخ الباليستية، والقنابل النووية، أو أسلحة الدمار الشامل، ودائمًا ما يتم الإشارة إلى هذه الأسلحة باعتبارها أسلحة الردع، أو أسلحة التوازن، ويعد امتلاك هذا النوع من الأسلحة أهمية قصوى بالنسبة للدول الكبرى مثل روسيا والتي تمتلك بدورها النوعين السابق ذكرهما من القدرات العسكرية، ولعل أبرز نقاط الاختلاف بين روسيا وبين الاتحاد السوفييتي هو أنها دائمًا ما تصرح بامتلاكها لهذه الأسلحة المتطورة، وبإعلانها عن التدريبات العسكرية، والمناورات التي تتم بالتعاون مع الدول الشقيقة، وبتحليل هذا النمط من السياسة الخارجية الروسية نجد أن ذلك يمثل ريشة في قبعة روسيا من جانبين، أولهما إعلامي يهدف لوضع روسيا إعلاميًا على خريطة القوى العسكرية الكبرى في العالم، وثانيهما اقتصادي، ويهدف إلى تسويق الأسلحة الروسية الجديدة التي يمكن بيعها مستقبلًا.
وبمقارنةً هذا الوضع بجورجيا نجد أن القدرات العسكرية لدى جورجيا لا ترتقي لأن تنافس أو تتحدى القدرات العسكرية الروسية، وما حدث بينهما في حرب 2008 كان خير شاهد على التفوق العسكري الروسي الكبير، لكن جورجيا ما زالت تمتلك حسب تصريحات الخبراء العسكريين أنظمة دفاع جوي موروثة من الاتحاد السوفيتي[2]، وأنها تعمل بالتدريج على استبدالها بتكنولوجيا إسرائيلية أكثر حداثة، ولعل التقارب الجورجي الإسرائيلي عسكريًا كان أحد أهم السمات الهامة للقدرات العسكرية الجورجية.
ويوضح هذا الجدول[3] مقارنة بين القدرات العسكرية الروسية والجورجية والتي يمكن التعويل على هذه الأرقام في توضيح الفارق بين القدرات العسكرية الجورجية والروسية، ومن ثم البناء على هذه المحددات في توضيح مدى تأثر سياسات جورجيا بهذه المحددات في تعاملها مع الملفات التي تمثل أمنًا قوميًا بالنسبة لروسيا:
ويتضح من هذا الجدول الفرق الكبير في القدرات العسكرية بين جورجيا وروسيا، وهو ما وضح جليًا

وتم اختباره في الحرب التي دارت بينهما عام 2008 حيث تمكنت القوات الروسية من اكتساح القوات الجورجية في تلك الحرب، الأمر الذي استغلته روسيا في فرض انفصال أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وتسعى جورجيا لتعويض الفرق في القوة بينها وبين روسيا من خلال الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي الذي يميل لصالح أوربا حاله كحال الإتحاد الأوربي.
لذا فإن أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو أن التفوق العسكري الروسي على حساب جورجيا، والحرب التي شنتها روسيا على جورجيا عام 2008، وظهور روسيا كتهديد لجورجيا ومصالحها كان دافعًا قويًا لتفكير جورجيا في أن تنتهج أسلوبًا تستطيع من خلاله حماية نفسها ومصالحها، ووجدت في تقاربها من المؤسسات الدولية الأوربية طوق النجاة حيال ذلك.
3- الحرب الروسية الجورجية 2008:
مثلت الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا محددًا هامًا في العلاقة بين الدولتين، إذ أن العلاقة بين روسيا وجورجيا اختلفت بالكلية على إثر هذه الحرب، إذ نتج عن هذه الحرب مقتل عدد من الجورجيين وتشريد عدد كبير أيضًا منهم، ودخول ملف التصعيد بين جورجيا وروسيا إلى حيز جديد تمثل في لجوء روسيا إلى استخدام سياسة العنف القائمة على القوة العسكرية، الأمر الذي يمكن أن يتم اعتباره أكبر تصعيد شهده ملف الصراع الجورجي الروسي، وقد اختلفت الآراء حول أسباب الحرب[4]، فهناك من ذهب إلى اعتبار أن قرار الحرب كان بسبب التقارب الملحوظ الذي بدأت تلحظه روسيا بين جورجيا والغرب والذي تمثل في محاولة التقارب بين جورجيا وكل من الإتحاد الأوربي وحلف الناتو، وذهب البعض الآخر لاعتبار أن قرار الحرب كان بسبب منع جورجيا من النجاح والتقدم من خلال اقتصادها وديمقراطيتها، والتي كانت تمثل مشكلة لبوتين، حيث أنه مان يرى -حسب هذا الرأي- أن الديمقراطية ضمن الحدود الروسية يمكن أن تقلص وحدة الرأي بين السكان الروسيين وهو ما يمثل خطورة كبيرة على روسيا، ومصالحها، وتماسكها.
وقد ذهب بعض أخر إلى اعتبار أن الحرب كانت حلقة من حلقات الصراع على أوسيتيا الجنوبية، التي شهدت نزاعًا جورجيًا روسيًا ضاريًا منذ عام 2004 أي قبل الحرب بأربعة سنوات، حيث أن روسيا كانت تؤيد انفصال أوسيتيا الجنوبية، بينما تمسكت جورجيا برفضها الكبير لذلك، لتبدأ تجاذبات بين كل من روسيا وجورجيا حول أوسيتيا الجنوبية.
4-اتجاهات النخبة الحاكمة والقادة السياسيين:
كما أوضحت مقدمة الورقة أن النخب داخل الدول التي تجاور قوى عظمى تتخبط حول السياسات التي يتعين عليها القيام بها وما إذا كانت يجب عليها أن تتخذ سياسات من شأنها أن تتقرب بها إلى القوة العظمى التي تجاورها بما يضمن لها الحماية من بطش هذه القوة، أم أنها ينبغي أن تتخذ سياسات تتقرب بها إلى منافسي هذه القوة العظمى التي تجاورها حتى تستطيع التعويل على القوى الأخرى في حال حدوث أي اعتداء عليها من قبل القوة العظمى التي تجاورها، وقد شهد الملف الجورجي انطباق هذه المقولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى إذ أنها شهدت حكومات ونخب أبدت تقاربًا من الجانب الغربي بشكل كبير، وحكومات أخرى أبدت تقاربًا للجانب الروسي، وتمثل ذلك في محاولات حكومات جورجيا المتعاقبة منذ عام 1995 والذي يعتبر تاريخ المحاولة الأولى لانضمام جورجيا إلى الإتحاد الأوربي، ثم عام 2003 والتي شهدت ثورة الزهور السلمية والتي أطاحت بالنظام المدعوم من قبل روسيا والذي كان يعمل لصالحها، وشهد عام 2004 توقيع خطة عمل مع الإتحاد الأوربي لتحديد إصلاحات محددة لتعزيز العلاقات بينهما في خطوة هامة من خطوات التقارب الجورجي الغربي، وحتى عام 2014 والذي تم فيه توقيع اتفاقية شراكة مع الإتحاد الأوربي، وصولًا إلى الفترة الحالية في 2024 والتي تشهد حكومة تميل أحيانًا إلى الجانب الروسي في العديد من السياسات، بينما تمضي قدمًا أيضًا في ملف الانضمام إلى الإتحاد الأوربي تلبية لمطالب الشعب الجورجي المكلوم من روسيا.
المبحث الثاني
جورجيا والإتحاد الأوربي
أوضح المبحث الأول للدراسة محددات العلاقات الروسية الجورجية وركز بشكل رئيسي على عاملين أساسيين وههما، الجوار الجغرافي ودوره في ازدياد أطماع روسيا تجاه أوكرانيا، وكذلك القدرات العسكرية لكلا الدولتين وميل الكفة لصالح روسيا، وأيضًا الحرب الروسية على جورجيا عام 2008 ودورها في انفصال بعض الأراضي الجورجية، وأخيرًا سمات القادة داخل كلا الدولتين، ويحاول هذا المبحث أن يسلط الضوء على توضيح محاولات جورجيا للتقارب من الغرب في أوربا، ومساعيها نحو الانضمام إلى الإتحاد الأوربي.
وقد مر التقارب الجورجي الأوربي بعدة محطات هامة، يمكن أن يتم التركيز فيها على المحطات التي مثلت امتدادًا لأحداث أخرى جارية تفيد موضوع الدراسة، وقد اعتمدت الدراسة على عدة محطات يمكن إجمالها على النحو التالي:
أولًا، أبريل 1999، أصبحت جورجيا أول دولة قوقازية تنضم إلى مجلس أوروبا كعضو كامل، وليس هذا إلا دليلًا على اعتراف الجماعة الأوروبية بالتقدم الذي أحرزته جورجيا في بناء دولة يحكمها سلطة القانون، كما أن جورجيا قد انضمت إلى الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والبروتوكولات الملحقة بها بعد أن صدق عليها البرلمان الجورجي باستثناء وفي إطار تلك الاتفاقية، اعترفت جورجيا بالاختصاص القضائي الذي تتمتع به المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتم، بالفعل اختيار ممثل لجورجيا لدى المحكمة وهو الرئيس السابق للمحكة العليا في جورجيا.
ثانيًا، أكتوبر 1999، وقّعت جورجيا على بروتوكول بشأن الانضمام لاتفاق مراكش المنشئ لمنظمة التجارة العالمية. وصدّق البرلمان على البروتوكول وأصبحت جورجيا عضواً كاملا في منظمة التجارة العالمية، كما أنها بدأت تقيم تعاونات مع الإتحاد الأوربي، ممثلة في خطة عمل مبدئية نحو الشراكة المستقبلية.
ثالثًا، ديسمبر 2014، اتفاقية الشراكة الشاملة بين جورجيا والإتحاد الأوربي، والتي تضمنت عدد من الإصلاحات التي يتعين على جورجيا القيام بها، وأيضًا تضمنت تعاون بين جورجيا وبين الإتحاد الأوربي ومؤسساته الشريكة، وقد شهدت هذه الاتفاقية تصديق البرلمان[5] في جورجيا في ذات العام، ودخلت بعدها حيز النفاذ، وأعرب البرلمان الجورجي عن أن الإصلاحات القضائية الأخيرة المصممة، لتعزيز المؤسسات الديمقراطية في جورجيا، ودعم حهود المجتمع الجورجي لتحقيق المزيد من الديمقراطية، وقد صرح عدد من المسؤولين في جورجيا أن هذه التجربة تظهر أن الجورجيين يفضلون حل مشاكلهم، وليس تجنبها، وأنه يتعين على أوربا أن تظهر تضامنًا حقيقيًا مع جورجيا وشعبها.
وقد مثلت تجربة عام 2014 نقلة نوعية في التقارب الجورجي من الإتحاد الأوربي حيث أنها بدأت تأخذ شكل رسمي متمثل في وجود اتفاقية صريحة، ببنود واضحة للتعاون، واشتراطات أوربية لانضمام جورجيا للاتحاد الأوربي، والتزام جورجي بتنفيذ هذه الإصلاحات[6]، وأيضًا تصريحات عن مسؤولين رسميين في جورجيا يعبرون فيها عن رغبتهم في مزيد من التعاون مع الجانب الغربي في أوربا، ورغبتهم في الانضمام إلى الإتحاد الأوربي، الأمر الذي بدأ يثير القلق لدى الجانب الروسي.
كما أن ديسمبر عام 2014 شهد قرارًا هامًا من قبل الإتحاد الأوربي يقول بأن جورجيا يمكنها التقدم بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بما يتوافق مع مبادئ الديمقراطية واحترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وقد طُرح الأمر على الشعب الجورجي في استفتاء[7] وافق عليه 77% من الشعب الجورجي، وعارضه 11%، وأمتنع عن التصويت 12%، كما أن موقف الشعب الجورجي من الانضمام للناتو لم يقل أهمية عن موقفهم من الانضمام للاتحاد الأوربي، حيث وافق 72% من الشعب الجورجي على الإنضمام، وعارض الأمر 15% فقط، وأمتنع عن التصويت 11%، وقد صرح عدد من المسؤولين في جورجيا عقب هذا القرار بأن جورجيا قد تصبح عضوًا في الإتحاد الأوربي في غضون 10-15 سنوات، وقد قدمت وزارة خارجية جورجيا خطة عمل لتحقيق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتلقت معلومات حول تنفيذ اتفاقية الشراكة بين جورجيا، والاتحاد الأوروبي، وخطة العمل الوطنية لتنفيذ أجندة الشراكة، وقد أشاد الجانب الأوروبي، في اجتماع لمجلس الشراكة بين جورجيا والاتحاد الأوروبي وفي تقرير المفوضية الأوروبية، بإصلاحات الحكومة الجورجية الهادفة إلى تنفيذ اتفاقية الشراكة، اعتمد الاجتماع أيضًا إستراتيجية الحكومة بين عامي 2017-2020 بشأن اتصالات جورجيا للتكامل بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو[8].

رابعًا، مارس 2022، حيث تقدمت جورجيا بطلب رسمي من أجل الانضمام إلى الإتحاد الأوربي[9]، وقد تأثرت جورجيا بالأحداث التي كانت تشهدها المنطقة، والتي تمثلت في الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي أعاد إلى جورجيا ضرورة إحياء ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوربي لتأمين جورجيا من بطش روسيا الذي يمكن أن يهددها في أي لحظة، وقد أعلنت الحكومة الجورجية في أعقاب هذا القرار بالتقدم للانضمام إلى الاتحاد الأوربي أن جورجيا دولة أوربية،ـ وأن انضمامها إلى الاتحاد الأوربي هدف استراتيجي.
خامسًا، ديسمبر 2023، حيث منح المجلس الأوروبي جورجيا وضع المرشح لعضوية الاتحاد، ومثل هذا الخطوة المنتظرة من قبل جورجيا منذ سنوات عديدة، وقد قامت عديد من الدول الأوربية بتأييد موقف جورجيا الراغب في الانضمام للاتحاد الأوربي، كان على رأسها دولة فرنسا التي أكدت على دعمها لانضمام جورجيا للاتحاد الأوربي، وأنها تقف إلى جوار جورجيا ضد المحاولات التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
إذن فإننا يمكننا القول إن محاولات جورجيا للتقرب من الغرب في أوربا اتخذت عدة مراحل، وتخللها عدد من المنعطفات التي استطاعت جورجيا أن تتعاطى بشكل إيجابي مع غالبيتها، إلا أن استطاعت في نهاية المطاف أن تضمن لنفسها وضعًا إيجابيًا في استراتيجيتها نحو الانضمام إلى الإتحاد الأوربي، الأمر الذي يؤيد وجهة النظر السالف ذكرها حول تخوف جورجيا الدائم من الجوار الروسي، الأمر الذي يمكن أن يسبب لها أزمات مستقبلية، كما سبب لها أزمات ماضية كما تمت الإشارة في الورقة، ومما لا شك فيه أن التقارب الجورجي تجاه الغرب لم يحظى بتأييد من روسيا، إذ أن روسيا قد اتخذت العديد من الإجراءات، وصرحت بعديد من التصريحات إزاء قلقها من اعتزام جورجيا للانضمام إلى الإتحاد الأوربي، وحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يشكل تهديدًا لروسيا، ولعل هذا كان أحد أهم الأسباب التي دفعت روسيا لاتخاذ قرار الحرب ضد أوكرانيا، والتي يمكن أن نشهد سيناريو مماثل لها في جورجيا!، لذا فإن هذه الورقة قد حاولت أن تطرح محددات العلاقات الروسية الجورجية، ومحاولات جورجيا للانضمام إلى الإتحاد الأوربي، وانعكاسات ذلك على الموقف الروسي تجاه جورجيا.
خاص وكالة رياليست – محمد عواض – محلل سياسي – مصر.
[1] جيا إسماعيل ملا محمد، السياسة الخارجية الروسية ما بين الدبلوماسية والنزعة العسكرية: دراسة لعهد بوتين، جامعة الشرق الأدنى، معهد الدراسات العليا، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية، قسم العلاقات الدولية، نيقوسيا، 2021 ص ص 11:16، متوفرة عبر الرابط :http://docs.neu.edu.tr/library/8889014183.pdf
[2] ديفيد إكس، جورجيا ستكون قادرة على “استنزاف” الطيران الحربي الروسي، أر تي بالعربية، 2020، متوفر عبر الرابط:https://arabic.rt.com/world/1154236-
[3] مصطفى أمين مصطفى، العلاقات الروسية الجورجية منذ عام 1991، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2013، ص23
[4]– صحيفة العربي، موجود عبر الرابط: الحرب الروسية الجورجية.. 5 أيام طبعت ذاكرة شعب وفرضت الولاء لموسكو
[5] European Parliament ratifies EU-Georgia association deal, News, Agenda. GE, available on: https://web.archive.org/web/20200226000905/https://agenda.ge/en/news/2014/2890
[6] TAMAR KHIDASHELI, Georgia’s European Way,2011, page 100:107 available on:
[7] Luis Navarro, Public attitudes in Georgia: Results of a April 2014 survey carried out for NDI by CRRC-Georgia This research is funded by the Swedish International Development Cooperation Agency (Sida), National Democratic Attitude, Georgia, 2014. available on:
[8] Meeting of State Commissions on NATO and EU Integration, The official Website of Georgia’s Government, available on:
[9] جورجيا تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الشرق الأوسط،