دمشق – (رياليست عربي): “أدوار ومتغيرات وتحديات”. ثلاثية تؤطر الملف السوري وجُل عناوينه، فالحرب التي بدأت في سورية، انطلقت وفق منهج حُدد مُسبقاً، ووصلت الى جُزئيات خالفت بمضمونها التوجهات الإقليمية والدولية، واليوم وإن كان ظاهراً أن التطورات السورية وما يرتبط بها لجهة الاقليم، قد تبدو تحت سيطرة القوى الفاعلة والمؤثرة في سورية، إلا أن ماهية التطورات السورية خالفت ولا تزال كل التوقعات والتحليلات، لا سيما أن يوميات الملف السوري متعددة المراحل، ولكل مرحلة قوى مؤثرة، خاصة أن تعاقب فصول الحرب السورية، وكذا تعاقب لاعبيها، أدخل الجميع في دوامة البحث عن حلول في بلد تتقاسم جغرافيته خمس جيوش أرضاً ونفوذاً.
في الجغرافية السورية الباحثة عن حلول ومخارج، ثمة أدوار بعضها يخبو، والآخر يتعاظم، فالدور الايراني يتنامي باضطراد ملحوظ، ومثله الدور الروسي، على الرغم من انشغال الأخير بالحرب في أوكرانيا، والدور الأمريكي في موقع الراصد والمتربص، أما الدور التركي فـ متحول وسُمح له من بقية الأدوار، باللعب على كافة المسارات والخيوط، ووصولاً للدور العربي الذي خبى في البدايات، وعاد اليوم للظهور ضمن معادلات إقليمية جديدة.
وربطاً بما سبق، فإن بدايات الأزمة في سورية، فرضت على العرب مقاطعة دمشق ونظامها السياسي، ليتم تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، ونشهد اليوم على حالة من الانفتاح العربي “الجُزئي والخجول” على دمشق، ضمن إطار من السجالات والرهانات والحسابات، لا سيما أن منطق بدايات الحرب في سورية، أطرته مقاطعة دمشق رهاناً على تغيير “النظام” في سورية، لكنها مقاطعة دفعت بـ طهران للتدخل بقوة لحماية حليفتها الإستراتيجية دمشق، الأمر الذي سمح لها بتعزيز حضورها العسكري والسياسي وكذا الاقتصادي، ومع تزايد التحديات في المستويين السياسي والعسكري، استُدعيت موسكو، للحيلولة دون تفاقم التطورات، والتي وصلت حدّ تهديد دمشق بالإسقاط.
مع تغير المناخات الإقليمية، وضرورات البحث عن معادلات جديدة، أُعتمد منطق الانفتاح العربي بوجه السياسي على دمشق، إذ بات هذا الانفتاح وفق منظور العرب، ضرورياً لوقف النفوذ الإيراني في سورية، وبات أيضاً مسألة مُلحة لاستعادة الدور العربي لـ سوريا، ولاحظ العرب متأخرين، أن تراجع الدور العربي كان سبباً مهماً لانفلات المثلث السعودي – المصري – السوري، وبالتالي فقدان الزخم في العمل العربي المُشترك.
أمريكياً فإن الانفتاح على دمشق مرفوض، إذ لا تُشجع الإدارة الأمريكية دول الإقليم على إعادة التقارب مع دمشق، غير أن الموقف الأمريكي، لم يحل دون حدوث حالة الانفتاح العربي على دمشق، حيث أن الموقف الأمريكي تُحدده شروط من أهمها تسوية سياسية بين الدولة السورية ومعارضيها، وذلك تطبيقاً للقرار الدولي 2254، مما يمهد لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
وفي أمريكا أيضاً أراء وتوجهات تُخالف سيد البيت الأبيض، الأمر الذي عبر عنه أستاذ العلاقات الدولية في “جامعة تكساس” غريغوري كوز في مقال نشرته “فورين أفيرز”. ومما جاء فيه، إن “على أميركا التعامل مع الحكام الأقوياء في المنطقة وإن كانوا أوتوقراطيين. سوريا تحت حكم نظام قوي تستطيع منع المنظمات الإرهابية من استخدام أراضيها، ومع الوقت تضع مسافة بينها وبين حماتها الإيرانيين والروس، وستكون أفضل من سوريا الحالية. والأفضل الاتصال بالرئيس الأسد لأن سوريا أيام الأسد الأب والأسد الابن أبقت الحدود هادئة مع إسرائيل، ومنعت المنظمات الإرهابية من استخدام أراضيها للتحضير لشن هجمات على الولايات المتحدة”.
حالة الانفتاح العربي على دمشق، ترتكز على جملة مطالب. هي مطالب ترجمها وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، حين ركز في محادثاته مع الرئيس السوري، بشار الأسد، على أهمية التسوية السياسية وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، وضمناً وبعيداً عن التصريح، ثمة رغبات عربية بتخفيف النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا ولبنان والعراق، عبر الانفتاح العربي والرهان على دور روسي مُساعد.
في إطار ما سبق، يستذكر جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد دونالد ترامب، في مذكراته والتي عنونها بـ “الغرفة حيث حدث ذلك”، قول بوتين له عشية قمة هلسنكي في عام 2018، “أبلغ ترامب أن الروس ليسوا في حاجة إلى الإيرانيين في سوريا، ولا مصلحة لروسيا في وجودهم هناك”. وفي مناسبة ثانية قال له “الشيء الصحيح الذي يجب أن يفعله كل منا هو تحفيز الإيرانيين على المغادرة”. لكن الظروف التي تعيشها موسكو اليوم في أوكرانيا، تُجبرها بالاعتماد على المُسيرات الإيرانية، وفي منطق المصالح يبدو أن روسيا وإيران بحاجة إلى بعضهما، سواء في أوكرانيا، أو في سورية.
ضمن تساؤلات الانفتاح العربي على دمشق، يبرز تساؤل جوهري في صلب حالة الانفتاح. هو تساؤل يتعلق بإمكانية استعادة المحور المصري – السعودي – السوري لقيادة العالم العربي، بعيداً عن روسيا وإيران، لتبرز بذات التوقيت، رهانات تقود الحسابات العربية بشقيها الإستراتيجي، والجيوسياسي، ليبقى التساؤل الأهم، هل نشهد قيام محور عربي لمواجهة القوى الإقليمية في المسرح العربي؟، ولا يصح أن ننسى المستجد الأبرز، المتعلق بالاتفاق الإيراني السعودي، والذي هندست مفرداته الصين، ورغم الوقت الذي سيحتاجه هذا الاتفاق لتظهر مفاعيله، لكن يبدو أن المسرح العربي مزدحم بالقوى الفاعلة والمؤثرة، كما في سوريا ذات الجغرافية المُقسمة برعاية جيوش خمس، لتبقى حالة الانفتاح العربي على دمشق، رهناً بشروط وتحديات ومتغيرات يصعب التكهن بها.
خاص وكالة رياليست – أمجد إسماعيل الأغا – كاتب وإعلامي – سوريا.