مع دخول المظاهرات الشعبية أسبوعها الرابع التي اندلعت في العاصمة العراقية – بغداد وعدة محافظات في الجنوب العراقي، لايزال السجال مستمرا بين المطالبين بتحقيق أهدافهم التي من أجلها خرجوا وبين الحكومة العراقية التي ترى بأن تلك الاحتجاجات الشعبية قد حركت الجمود في البلاد عبر سلسلة من الإجراءات الحكومية الساعية لتخفيف وطأة مطالبة شرائح الشعب العراقي بتحقيق الإصلاح المنشود بعد مضيء ما يقارب 16 عاماً من بداية التغيير في العراق على إثر إسقاط النظام العراقي السابق بعد دخول القوات الامريكية للعراق.
مطالب مشروعة
كل تلك الأوضاع التي تعيشها العراق، أثرت بشكل كبير في مفاصل الحياة العامة، وذلك من خلال تردي واقع الخدمات العامة المقدمة وكذلك استشراء الفساد في مفاصل الدولة وانخفاض مستوى المعيشة لطبقات الشعب.
ان حركة الاحتجاجات الشعبية هي استجابة للرأي العام ومتطلبات الحياة السياسية والخدمية في العراق، إذ وصفت الرئاسات الثلاث تلك الحركات بأنها حركة إصلاحية مشروعة لابد منها، وأنها قد بدأت في التمهيد لحوار وطني بقصد مراجعة الأداء الحكومي بشكل عام وتغيير ما يتناسب مع مطالب المتظاهرين.
لقد طالبت الحركات الاحتجاجية منذ انطلاقها في الأول من نوفمبر/ تشرين الأول 2019 في العاصمة بغداد وعدة محافظات في جنوب العراق بتحقيق مطالبها المشروعة كتحسين الخدمات العامة المقدمة والقضاء على آفة الفساد المستشرية في البلاد فضلا عن الكثير من الأمور ذات المساس المباشر بواقع المواطنين العراقيين.
أجندات خارجية
وتجسد الموقف الرسمي للحكومة العراقية برسالة متلفزة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي والموجهة للمتظاهرين بالحقوق المشروعة لهم، بأنها قد حققت أهدافها بل عملت على تحريك الوسط السياسي عبر الدفع بمجموعة حزم إصلاحية ودعت السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى مراجعة مواقفها السابقة.
وكانت الحكومة العراقية قد دعت المتظاهرين إلى العودة لممارسة حياتهم الطبيعية بعد مضي أكثر من شهر على قيام التظاهرات وذلك من خلال فتح المدارس والجامعات والطرقات المقفلة والأسواق والمصانع المعطلة من أجل تفويت الفرصة على من أسمتهم بالمخربين الذين يسعون إلى تنفيذ المخططات والأجندات القادمة من وراء الحدود، وهو نفس ما طالبت به المرجعية الدينية في النجف الأشرف التي حذرت من ذلك الأمر عبر الانتباه لمثل تلك التصرفات وعدم السماح لأي تدخلات أجنبية إقليمية أو دولية بالشأن العراقي.
إصلاحات غير كافية
وعلى الرغم من تلك الإصلاحات الحكومية، إلا أن المتظاهرين يشعرون بأنها غير كافية وغير مستوفية لمطالبهم التي خرجوا من أجلها، وبالتالي لم يكتفوا بتلك المطالب، بل تصاعد سقف مطالبهم إلى حد المطالبة بإسقاط حكومة عادل عبد المهدي بعد سقوط العديد من الشهداء المتظاهرين وتزايد أعداد الجرحى بعد الاشتباكات التي حدثت في ساحات التظاهر، ومن أجل احتواء الموقف، سارعت الحكومة بإعطاء أوامرها المباشرة للقوات الأمنية بعدم استخدام الرصاص الحي والعنف المفرط بحق المتظاهرين السلميين، بل عزت الأمر إلى المندسين والمخربين الذين يتخذون من التظاهرات السلمية ذريعة وغطاء لتنفيذ مخططاتهم، وبالتالي وقوع ضحايا سواء كانوا متظاهرين أو قوات أمنية، لذا دعت الحكومة لعزل هؤلاء المندسين عن صفوف المتظاهرين السلميين، وبالتالي تشكيل فرق تحقيق لمحاسبة المتسببين بتلك الحوادث ومعاقبتهم، وأن هؤلاء المخربين لا علاقة لهم بمسيرة التظاهرات المشروعة والمطالبة بالحقوق، بل هم يتسببون بوقوع ضحايا بين الجانبين.
حزمة من الإجراءات
لذلك ومن أجل تحقيق المطالب الشعبية، اتخذ البرلمان العراقي سلسلة من الاجراءات التي تتناسب مع طبيعة المطالب الشعبية مثل إقرار القوانين المعطلة ذات التماس المباشر مع الشعب العراقي وتخدم تطلعاتهم كالتصويت على قانون مجلس الخدمة الاتحادي وقانون التقاعد الموحد وإلغاء الإمتيازات الممنوحة لكبار الموظفين في الرئاسات الثلاث وغيرها من مفاصل الدولة بقصد تقليل الفوارق الطبقية في مستويات المعيشة، وكذلك السعي الحثيث لإقرار قانون إنتخابات عادل ويحقق طموح الشعب العراقي، فضلا عن تغيير أحكام الدستور العراقي وبما ينسجم مع المرحلة الحالية، وهذا ما طالبت به الحركة الاحتجاجية منذ بداية انطلاقها وبالتالي هي من تقرر شكل النظام السياسي الذي يحقق أهدافها وعبر الأدوات الديمقراطية وهو ما دعت إليه المرجعية الدينية بخطاباتها المستمرة.
المرجعية تؤيد الشعب
لقد أكدت المرجعية الدينية على تحقيق المطالب الشرعية للمتظاهرين عبر اللجوء للوسائل المقرة بالدستور وتغيير ما يراه الشعب العراقي مناسبا له وكذلك التأكيد على عدم استخدام القوة في فض الاعتصامات واللجوء إلى العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين فضلا عن عدم السماح لأي جهة او دولة بالتدخل في خيارات الشعب العراقي عبر رفض ذلك بشكل مطلق.
محمد الخاقاني- كاتب و باحث سياسي عراقي، خاص لوكالة “رياليست” الروسية.