القاهرة – (رياليست عربي): عقب وصول حركة طالبان إلى سُدَّة الحُكم في أفغانستان في أواخر عام 2021، شرعت موجات متتابعة من الهجرة الفردية والجماعية بين فئات الشعب الأفغاني المختلفة إلى الدول المجاورة، هربًا من نظامٍ ذي أيديولوجيات متطرفة وإرهابية، فيذكر موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وفقًا لآخر تحديثاته، أن 8.2 مليون لاجئ من أفغانستان قد هاجروا إلى 103 دولة، بما في ذلك الدول المجاورة، وقد نزح منهم 1.6 مليون شخص منذ عام 2021، وفيما بعد.
وكانت إيران على رأس الدول التي توجه إلى المهاجرين الأفغان سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، نظرًا لما يجمع الإيرانيون والأفغانيون من مشتركاتٍ لغويةٍ ودينيةٍ وثقافيةٍ، فكلاهما يتحدثان لغةً واحدةً (الفارسية)، ويعتنقان دينًا واحدًا (الإسلام)، ويتقاسمان إرثًا حضاريًا وتاريخيًا وسياسيًا وثقافيًا مشتركًا. هذا فضلًا عن كون إيران أحد المسارات الرئيسة لحركة اللاجئين الأفغان إلى تركيا ودول أوروبا الغربية.
وجود الأفغان في إيران سواء كانوا عاملين بالدولة أو لاجئين إليها ليس أمرًا جديدًا على الطرفين أو وليد اللحظة الحالية، فقد شارك الأفغان في إعادة إعمار إيران عقب الحرب الإيرانية – العراقية (1980: 1988)، كما يسافر ما يقرب من 500 ألف عامل موسمي من أفغانستان إلى إيران من أجل العمل في قطاع الزراعة سنويًا، ثم يعودون إلى بلادهم في النصف الثاني من العام. وأغلب الرعايا الأفغان المقيمين في إيران يتمركزون في محافظات طهران، وكِرمان، وقُم، وإصفهان، وألبُرز، وسیستان وبلوچستان، وخُراسان الرضوية، وجزيرة قشم، ويشكلون غالبية اليد العاملة في قطاعات الزراعة، والصناعة، وتدوير النفايات، والبناء والتعمير، والحراسة.
وقد شرع اللاجئون الأفغان في التدفق على إيران مع بدايات الغزو السوفيتي لبلادهم (1979: 1989)، ثم خلال حكومة طالبان الأولى (1996: 2001)، وبعدها مع بدء الغزو الأمريكي للبلاد (2001: 2021)، لكن موجة الهجرة الأفغانية قد بلغت ذُروتها عقب وصول طالبان إلى السُلطة مرة ثانية عام 2021.
وكانت الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن تعداد اللاجئين الأفغان في إيران قبل عودة طالبان إلى السلطة يصل إلى حوالي مليوني ونصف مليون شخص، أما بعد موجة الهجرة الأخيرة، فلا توجد إحصائيات رسمية أو دقيقة حول عدد هؤلاء اللاجئين بسبب الهجرة غير الشرعية المستمرة عبر المناطق الحدودية بين البلدين حتى لحظة كتابة هذه السطور، حيث تذكر بعض وسائل الإعلام الإيرانية أن عدد المهاجرين الأفغان الذين يدخلون إيران بطريقة غير شرعية يتراوح ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف شخص يوميًا.

وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد المهاجرين الأفغان في إيران بلغ 10 مليون شخص حتى نهاية عام 2022، بينما أظهرت نتائج تحقيق استقصائي قام به الصحفي الإيراني “هادي كسائي زاده”، رئيس تحرير المجلة الشهرية “ميدان آزادى: ميدان الحرية”، على مدار العامين المنصرمين، أن عدد هؤلاء المهاجرين قد بلغ 8 ملايين شخص، وأن نصفهم غير مسجلين لدى السُلطات المعنية، بينما أعلنت منظمة الأمم المتحدة أن حوالي مليونين و489 ألف مواطن أفغاني قد نزحوا إلى إيران خلال عامي 2021 و2022، مما يعني زيادة عدد المهاجرين الأفغان في إيران إلى 5 مليون شخص، وهو ما يتسق مع تصريحات منفصلة كان قد أدلى بها وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” ووزير الداخلية “أحمد وحيدي” العام الماضي.
ومع تصاعد وتيرة الهجرة الأفغانية إلى إيران على هذا النحو المتسارع، بدأت السلطات الإيرانية تستشعر القلق إزاء هذا الأمر، خوفًا من تغير التركيبة السكانية في بعض المناطق خاصة العاصمة طهران، وارتفاع معدلات البطالة المتنامية مع توفر العمالة الأفغانية ذات الأجر المنخفض، وكذلك زيادة الضغط على الاقتصاد الإيراني المحتقن بسبب العقوبات الدولية وارتفاع معدلات التضخم على خلفية البرنامج النووي والصراع مع الغرب. كل هذا جعل الوجود الأفغاني في إيران حاليًا أزمةً تهدد الاقتصاد الإيراني والأمن القومي للبلاد، وبات ملفًا مطروحًا للمناقشة على طاولة الحكومة الإيرانية.
وفي هذا السياق، دعا نائب السفير الإيراني في كابل “حسن مرتضوي” خلال لقائه مع نائب وزير الداخلية في حكومة طالبان “محمد نبي عُمَري” يوم الاثنين 2 أكتوبر، الحكومة الأفغانية إلى تبني سياسات تشجع المهاجرين الأفغان على العودة إلى وطنهم حتى تستفيد أفغانستان من قواها البشرية. وفي إشارة إلى ارتفاع معدلات العبور غير الشرعي عبر الحدود الأفغانية إلى إيران بشكل ملحوظ، طلب “مرتضوي” من المسؤولين الأفغانيين تشديد المراقبة على الحدود المشتركة بين البلدين وإحكام السيطرة عليها، ومجابهة عمليات تهريب البشر والعبور غير الشرعي عبر الحدود الأفغانية.
وكانت الحكومة الإيرانية قد شرعت خلال الأشهر الأخيرة في تكثيف عمليات ترحيل المهاجرين الأفغان بشكل قسري، حيث تقول وزارة الهجرة في حكومة طالبان إن ما بين ألف إلى أكثر من ألفين مهاجر أفغاني يعودون من إيران يوميًا. كما بدأت الحكومة الإيرانية عمليات اعتقال جماعية للمهاجرين الأفغان سواء الشرعيين أو غير الشرعيين، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر فيها الشرطة الإيرانية وهي تعتقل عددًا كبيرًا من المهاجرين الأفغان قرب ملجأ في مدينة شيراز كان بحوزتهم أوراق ثبوتية كجوازات السفر وتأشيرات الدخول إلى إيران وتصاريح الإقامة بها.
اللاجئون الأفغان: عناوين وكالات الأنباء والصحف الإيرانية
وكالة أنباء العمل الإيرانية (إيلنا): اجتياح المهاجرين الأفغان يثر مخاوف الشعب الإيراني
منذ مطلع الشهر الحالي، تصدرت أزمة المهاجرين الأفغان عناوين وكالات الأنباء والصحف الإيرانية، وتم تناولها باتجاهات متفاوتة بعضها أمنية وبعضها اقتصادية، لكن طغى على الجانبين خطاب الكراهية والاضطهاد العرقي، في إشارة واضحة إلى واقع النظرة الإيرانية إلى الشعب الأفغاني. كما أعلن السيد “فداء الحسين المالكي”، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) والسفير الإيراني الأسبق في كابل، عن بحث عمليات تدفق المهاجرين المتنامية من أفغانستان في لجنة الأمن القومي.
وقال “فداء الحسين المالكي” في حواره مع وكالة أنباء العمل الإيرانية “إيلنا” يوم الأحد 1 أكتوبر، مشيرًا إلى قيام لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية بالبرلمان الإيراني ببحث آخر مستجدات أوضاع المهاجرين الأفغان في البلاد: “بالنظر إلى أوضاع أفغانستان منذ 4 عقود، فإن إيران وباكستان وبعض الدول المجاورة كانت تستقبل اللاجئين والأصدقاء الأفغان الذين يتحدثون اللغة نفسها ويعتنقون الدين نفسه، وتستضيفهم دائمًا”.

وذكر “المالكي” أن الظروف الأخيرة التي شهدتها أفغانستان، وتدفق أعداد كبيرة من مهاجري هذه الدولة على إيران سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، قد أثار مخاوف الشعب الإيراني؛ وهي مخاوف مشروعة.
وأوضح سفير إيران الأسبق في كابل قائلًا: “هناك أمور غير مسبوقة تحدث في أفغانستان قبل وصول حركة طالبان إلى السُلطة كالمقطع المصور الذي بُث ضد الشعب الإيراني!! فقد شاهدتُ مقطعًا مصورًا يظهر فيه أطفال أفغانيون صغار يتحدثون ضد الأمن والدين!! وهم في المرحلة الابتدائية وعقولهم لا تدرك مِثل هذه الأمور. هذا الأمر يشير في الحقيقة إلى أن هناك تيار خلف الكواليس وخارج الحدود داخل أفغانستان يدفع البعض إلى تشويه صورة الشعب الأفغاني في أذهان الشعب الإيراني، وكذلك تشويه صورة الأفغانيين الذين عاشوا في إيران سنوات عديدة أو تواصلوا مع شعبنا بشكل ما”.
وأضاف عضو لجنة الأمن القومي: “إن الأجهزة الأمنية والسياسية الإيرانية يجب أن تكون أكثر توجسًا إزاء هذه الأمور، لكن وفقًا لآخر المستجدات التي نوقشت في لجنة الأمن القومي، لا يوجد مثل هذا التوجس في وزارة الداخلية أو الجهات الأمنية، حيث يواصل بحث تنظيم توافد المهاجرين الأفغان على قدم وساق. ومن المنتظر أن يكون هناك مزيد من التنسيق بين الأجهزة المعنية نحو صياغة سياسة واحدة تجاه هذه القضية حتى تُنحى مخاوف الشعب الإيراني جانبًا”.

وقال النائب البرلماني مشيرًا إلى أن الدبلوماسية الإيرانية تلعب دورًا أساسيًا في هذا الشأن: “إن الجهاز الدبلوماسي (وزارة الخارجية) أو الممثل الخاص لرئيس الجمهورية المتمتع بصلاحيات واسعة، عليهما أن يعيدا النظر في السياسية الإيرانية تجاه طالبان، حُكام أفغانستان الحاليين، أي أن يدركا ما يحدث في هذه البلاد حاليًا”.
وختم “فداء الحسين المالكي” حواره مع وكالة أنباء “إيلنا” قائلًا: “في بعض الأحيان تقع أحداث تغير الرأي العام في إيران وأفغانستان، على الرغم من أن على مدار سنوات عديدة كان هناك عدد كبير من الأفغانيين يتوافدون على بلادنا بسبب ظروف بلادهم، ويعملون في قطاع الإنتاج وقطاعات أخرى، ولم تكن هناك مشكلة، لكن بعد وصول الحُكام الحاليين إلى مقعد السلطة في أفغانستان، ظهر هذا التوجس في بلادنا، وهو توجس ليس لدى الشعب الإيراني فحسب، بل لدى المسؤولين أيضًا، ويجب التحقق منه. إن وزارات الداخلية والخارجية والمخابرات تتبع استراتيجية جيدة إزاء قضية المهاجرين الأفغان حاليًا، لكن من الضروري أن يحدث تغيير في الرؤى لدى الجهاز الدبلوماسي الإيراني”.
صحيفة شرق: عدد من أعضاء (طالبان) حصلوا على الجنسية الإيرانية
تحت عنوان “هل منح المهاجرين الأفغان الجنسية الإيرانية أمر صحيح؟، كتب باحث الدراسات العرقية “إحسان هوشمند” في صحيفة “شرق” الإصلاحية يوم الأحد 1 أكتوبر: “منذ أكثر من 4 عقود، دخل عدة ملايين من المهاجرين الأفغان إلى إيران بشكل متتابع، وخلال السنوات الأخيرة، زاد عددهم بشكل ملحوظ. والحقيقة أن عددًا محدودًا من المهاجرين الأفغان؛ حوالي مليون شخص قد سُجلوا كمهاجرين شرعيين، أما البقية فقد استقروا في إيران بشكل غير شرعي، ومعنى هذا أن منظمة اللاجئين الدولية وسائر المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون اللاجئين ليس لديها التزام محدد تجاه المهاجرين غير الشرعيين في إيران البالغ عددهم عدة ملايين، وبالتالي لن تقدم لهم أية خدمات خاصة أو قيمة. وعلى الرغم من أن وجود هذه الجالية الضخمة من الأفغان يثني كاهل الدولة الإيرانية حكومةً وشعبًا من الناحية الاقتصادية، لم يسفر هذا الأمر عن اعتراض أو ردود أفعال سلبية من قبل الإيرانيين، أو يؤدي إلى سن قوانين وصياغة سياسات تنظم الهجرة إلى البلاد، لكن أبعادًا جديدةً من السخط الاجتماعي تجاه هذه القضية باتت تلوح في الأفق خلال الأشهر الماضية”.

ويضيف هوشمند: “تتحدث بعض الأخبار والشائعات في الآونة الأخيرة عن منح المهاجرين الأفغان الجنسية الإيرانية لأهداف سياسية أو ديموجرافية. حتى الآن لم تبد الجهات المعنية رد فعل واضحًا أو قائمًا على قوانين الدولة حول صحة هذه الشائعات أو ادعائها، والتزمت الصمت أمام هذا السيل من الأخبار، كما لم تعلق على عواقبها النفسية والسياسية والأمنية. إن أي شكل من أشكال منح الجنسية دون اعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ومراعاة الدستور يكلف الدولة ثمنًا باهظًا، فقد علمتُ من خلال حديثي مع بعض العمال الأفغان المقيمين في إيران، أن مجموعة منهم قد حصلوا على الجنسية الإيرانية، ومما لا شك فيه أن الاحتياطات اللازمة لم تُتخذ حيالهم وحيال أسرهم، حيث إن سائر أقاربهم من الطبقة الحاكمة في أفغانستان أي (حركة طالبان). إذا كانت هذه الشائعات صحيحة، فسينجم عن هذا الأمر عواقب وخيمة، وعلى المسؤولين المعنيين أن يعلنوا على الملأ بشفافية كاملة إذا كانت هذه الشائعات صحيحة أم كاذبة حتى يتضح كم عدد المواطنين الأفغان الحاصلين على الجنسية الإيرانية في السنوات الأخيرة؟، وما هي معايير منح الجنسية؟”.
ويكمل باحث الدراسات العرقية: “إن عشرات الآلاف من أبناء المهاجرين الأفغان يدرسون في عدد كبير من المدارس الإيرانية حاليًا، كما أن عشرات المدارس الإيرانية يوجد بها عدد من الطلاب ذوي الأصول أفغانية أكثر من الطلاب الإيرانيين أنفسهم. فإذا استمرت عمليات دخول المهاجرين الأفغان إلى إيران على هذا النحو، فسوف ترتفع هذه النسب والأعداد. ومن ناحية أخرى، لما وصل عدد الطلاب الأفغان في بعض المدارس إلى الأغلبية، طلب آباؤهم تدريس المناهج الأفغانية، وأداء مراسم طابور الصباح على النمط الأفغاني ورفع العلم الأفغاني، لكن السُلطات المحلية رفضت هذا الأمر”.
صحيفة الجمهورية الإسلامية: حلم المتطرفين الأفغان الخطير في إيران

تحت عنوان “حلم المتطرفين الأفغان الخطير في إيران”، كتب السياسي الإيراني الأسبق “محمد حسين بني الأسدي” في صحيفة “الجمهورية الإسلامية” يوم الأحد 1 أكتوبر: “لوحظ أن الأفغان في إيران يحتفلون في بعض المناطق وهم يدقون الأرض بأقدامهم بيومٍ خاصٍ، هو نفسه يوم ما استولى محمود الأفغاني (الهوتَكي) على إصفهان، وعزل الشاه سلطان حسين (الصفوي) بشكل مُهين. توجد هنا جماعات متطرفة من الپشتون الأفغان تناهض إيران وتحلم حلمًا خطيرًا”. أي أن الكاتب يرى أن بعض الأفغان المقيمين في إيران حاليًا خاصة “الپشتون” منهم يحلمون بالاستيلاء على إيران أو بالأحرى بعودة سيادتهم عليها.
ويعتقد “الأسدي” أن سياسات النظام الإيراني ومواقفه على مدار 4 عقود تجاه الجالية الأفغانية المقيمة في البلاد تحتاج إلى مراجعة شاملة وجادة، وهو ما لا يرغب أحد في الإنصات إليه، بل إن البعض سعى عن طريق ممارسة نفوذه إلى تغيير قانون الجنسية الإيرانية، وهو ما يتعارض مع المصالح الوطنية. صحيفة كيهان: المهاجرين الأفغان: يجب السيطرة على دخول الشرعيين وترحيل غير الشرعيين

كتبت صحيفة “كيهان” المقربة من الزعيم الإيراني “علي خامنئي” يوم الأحد 1 أكتوبر: “بالنظر إلى استفادة المهاجرين الأفغان الملحوظة من مصادر الدعم العيني بما فيها المأكل والمسكن ووسائل النقل العام والرعاية الصحة، فمن الضروري السيطرة على دخولهم إلى إيران وتنظيم أوضاع الرعايا الأجانب الشرعيين المقيمين في البلاد، وكذلك ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين الذين ازدادوا خلال العامين الماضيين.
وكالة أنباء خبر أونلاين: عدد كبير من ضباط الجيش الأفغاني دخلوا إيران كمهاجرين

صرح “حشمت الله فلاحت پیشه”، الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الايراني، وأستاذ الحقوق والعلوم السياسية بجامعة “العلامة طباطبایی”، في حواره مع وكالة أنباء “خبر أونلاين” يوم السبت 30 سبتمبر الماضي بأنه لا يعارض وجود اللاجئين الأفغان في إيران، لكن الأمر الخطير في هذه القضية هو عدم وجود لائحة بأسمائهم.
وقال فلاحت پیشه: “إن المهاجرين الأفغان في إيران هم أنفسهم أول المتضررين من عدم وجود إحصائيات دقيقة لهم، نظرًا لأنهم لن يستطيعوا الاستفادة بالخدمات الطبية والتعليمية في البلاد، فكل مواطن إيراني يتمتع برعاية اجتماعية واقتصادية وأمنية، لكن المهاجرين الأفغان غير المسجلين في السجلات الرسمية لا يتمتعون بهذه الميزة. كما أن وجودهم سيسفر عن تحديات مختلفة كتغيير التركيبة السكانية في البلاد والحرمان من الخدمات التعليمية والصحية والمصرفية وغيرها، مما سيؤدي إلى نشوب احتجاجات”.

وأضاف النائب البرلماني الأسبق: “إن وزارة الداخلية الإيرانية قد طلبت من المهاجرين الأفغان الموجودين في البلاد أن يعلنوا عن أنفسهم، لكن أقل من 1.5 مليون شخص قد توجهوا إلى الجهات المعنية، ومعظمهم أفغانيين كانوا موجودين سابقًا. منذ وصول حركة طالبان إلى السُلطة في أفغانستان، قدم إلى إيران ما يقرب من 2 مليون أفغاني، ووفقًا لآخر معلومة حصلتُ عليها من أحد الخبراء، يدخل إيران 10 آلاف مواطن أفغاني يوميًا، فإذا كان هذا الرقم صحيحًا، فإن خُمس سكان أفغانستان موجودون في إيران حاليًا، والأهم من كل هذا أننا نواجه كيانًا اسمه (طالبان) لا يعرف أي شيء جيدًا سوى الحرب، ويحول أتفه قضية إلى تحدي كبير، وأصغر مقطع مصور يُبث أو خبر ينشر يستفز قطاعًا من الأفغان داخل إيران، خاصة أن عددًا كبيرًا ممن دخلوا البلاد كانوا جزءًا من الجيش الأفغاني، وكل هذه أمور تستدعي القلق”.
صحيفة المواطن (همميهن): قُرع ناقوس الخطر: يجب ترحيل المهاجرين الأفغان طوعًا أو قسرًا.
كتبت الصحفية “پریسا هاشمي” يوم الخميس 28 سبتمبر الماضي مقالًا تحت عنوان “عدد المهاجرين غير الشرعيين المجهول في إيران”، تقول فيه: “إن قضية دخول المهاجرين الأفغان إلى إيران بطريقة غير شرعية ليست جديدةً، فقد تصاعدت وتيرة عبورهم الحدود الإيرانية خلال العامين المنصرمين بصورة لا حصر لها، ودُقَّ ناقوس الخطر، مما دفع وزير الداخلية الإيراني “أحمد وحيدي” يتحدث عن ترحيل المهاجرين الأفغان غير الشرعيين. ولا شك أن الإحصائيات المعلنة عن أعداد الرعايا الأفغان المقيمين في إيران تتناقض مع الأعداد الحقيقية”.

وقد تناولت “هاشمي” في مقالها عددًا من النقاط أجملها فيما يلي:
- إن تواجد الأفغان في المدن الإيرانية خاصة طهران هذه الأيام قد زاد بشكل ملحوظ ولا يقبل الإنكار، كما أن المقاطع المصورة التي نُشرت، ويظهر فيها أفغانيون يعبرون الحدود الإيرانية بصورة غير شرعية، مثيرة للقلق. ويرى بعض الخبراء أنه إذا حدث تعاون مع طالبان من أجل عبور الأفغان الحدود بصورة غير شرعية، فيجب أن يطلع المواطنون الإيرانيون على هذا الأمر.
- أعداد مواليد الأفغان المقيمين في إيران. على الرغم من أن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى زيادة معدلات مواليد الرعايا الأفغان، فقد أُعلن أن حوالي 21% من إجمالي أعداد المواليد في محافظة قُم وحدها هذا العام منسوبون إلى الرعايا الأفغان، لكن السيد “عليّ أكبر زارعي” المدير العام لشؤون الرعايا والمهاجرين الأجانب بالمحافظة، قد صرح بأن معدل مواليد الرعايا الأجانب في قُم لا يدعو إلى القلق مطلقًا، وأن الرعايا الأجانب يشكلون أقل من 20% من تعداد سكان المحافظة. طبقًا لآخر إحصاء سكاني العام الماضي 2022، يعيش في قُم 220 ألف مواطن من 120 جنسية أجنبية، يشكل المهاجرون الأفغان النسبة الأكبر منهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد وصل عدد الطلاب الأفغان في إيران إلى 700 ألف شخص، وهو رقم صادم، لذا على نواب البرلمان ووزارة الخارجية القيام بالتصديق على مشاريع قوانين وخطط عملية وجدية من أجل ترحيل المهاجرين طوعًا أو قسرًا.
- تقول بعض الشائعات إن ترحيب الحكومة الإيرانية وجماعة معينة من الأصوليين بالدخول غير الشرعي للمهاجرين الأجانب كان له تأثير على ما أعلنه وزير الداخلية الإيراني “أحمد وحيدي” بخصوص أعداد المهاجرين في إيران، حيث صرح وزير الداخلية يوم الأربعاء 27 سبتمبر الماضي: “إن قضية المهاجرين والرعايا الأجانب أصبحت قضية ملحة ومطروحة على جدول أعمال الجهات المعنية بشكل جدي بما فيها وزارة الداخلية. مما لا شك فيه أن ما يُقال في وسائل الإعلام أحيانًا من الممكن أن يكون مبالغًا فيه، وبالنسبة إلى أعداد المهاجرين، فلم تؤيد أية جهة رسمية هذه الأرقام، ومعلوماتنا لم تذكرها أيضًا”. وقد أشار وزير الداخلية إلى أن هناك حوالي 5 ملايين مواطن أجنبي في إيران، وأكد قائلًا: “إن أوضاع الرعايا الأجانب سوف تُنظم وفق الخطة الموضوعة، وهذه الخطة قيد التنفيذ فعليًا. بطبيعة الحال سيُرحل المهاجرون الأفغان غير الشرعيين على أي نحو كان”. على الرغم من أن وزير الداخلية الإيراني قدم إحصائية حول أعداد المهاجرين، فلا تزال غير معتمدة، لأن موظفي الإحصاء ليس بوسعهم الوصل إلى المهاجرين غير الشرعيين بشكل كامل.
- إن ما يثير مزيدًا من القلق في إيران هو ترحيل مليون مهاجر أفغاني من باكستان. ربما تتمكن الحكومة الباكستانية من عن طريق ترحيل هذا العدد من الأفغان أن تضبط أمنها الداخلي، لكن هذا الإجراء يمثل خطرًا كبيرًا على دول المنطقة خاصة إيران، لأن رصد هؤلاء المهاجرين وتعقبهم سيكون أمرًا عصيرًا، ويضاعف من أعباء الدولة الإيرانية.

- إن نائب مقاطعة “شازَند” في البرلمان الإيراني “محمود أحمدي بيغش” كان قد طرح في يونيو الماضي موضوعًا في غاية الأهمية، ألا وهو “الهجرة إلى إيران”، حيث قال: “إن مشروع قانون منظمة الهجرة الوطنية الخاص بمنح الجنسية الإيرانية إلى الأفغان المقيمين في البلاد يهدف إلى تهجير ملايين الرعايا الأفغان وتقنين وجودهم في الدولة دون أي قلق من هجرة ما بين 150 ألف إلى 200 ألف خبير إيراني سنويًا ووضع ملايين الإيرانيين خارج البلاد”. وأضاف: “إن متابعة البيئة السياسية والتنفيذية للدولة في مقابل ارتفاع أعداد الرعايا الأفغان في إيران بشكل غير منظم وغير طبيعي، تؤكد أن الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن السيطرة على دخول الأفغان إلى البلاد بطريقة غير منظمة وغير شرعية ليس لديها إرادة جادة حيال هذا الأمر، وأنها تتوجه إلى تسهيل دخولهم وإقامتهم في الدولة من خلال تصديق البرلمان على مشروع قانون الهجرة الوطنية في أكتوبر 2022، متجاهلةً عمدًا الأضرار الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية واسعة النطاق الناجمة عن وجود أكثر من 8 إلى 10 ملايين مواطن أفغاني في إيران. وقد بلغ الأمر أن أحد المراجع الدينية قد اقترح في برنامج متلفز منح المهاجرون الأفغان الهزارة (الشيعة) وثيقة هوية إيرانية حتى يكون لهم حق الانتخاب، وطلب من البرلمان التصديق على قانون منح وثيقة هوية إلى هؤلاء المهاجرين”. لم يرحب عدد من نواب البرلمان الإيراني باقتراح المرجع الديني، وأشاروا إلى كارثة دخول بعض المهاجرين الأفغان إلى إيران بطريقة غير شرعية، حيث غرد “جلال رشيدي كوچی” نائب مقاطعة “مرودشت” في 1 سبتمبر الماضي عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر –إكس حاليًا– محذرًا من مشكلة دخول الرعايا الأجانب إلى إيران بطريقة غير شرعية: “مع كامل الاحترام إلى الرعايا الشرعيين، يجب زيادة المصروفات للمهاجرين غير الشرعيين ومن يقدمون لهم تسهيلات حتى لا يكون بقاؤهم في إيران ذي فائدة، فإذا لم تفكر الحكومة بشكل عاجل، فسنواجه تحديات أمنية واجتماعية جسيمة قريبًا.
وتعليقًا على ما جاء في النقطة الأخيرة من مقال الصحيفة الإيرانية “پریسا هاشمي”، يتهم عدد كبير من معارضي قانون منظمة الهجرة الوطنية، الحكومة الإيرانية بأنها تسعى عن طريق هذا القانون إلى تعويض انخفاض معدلات المواليد وارتفاع معدلات الهجرة بين النخب الإيرانية في مختلف المجالات بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بمنح الجنسية إلى بعض الفئات من المهاجرين الأجانب سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين.
الصراع على المياه بين إيران وأفغانستان
بعيدًا عن قضية المهاجرين الأفغان وما قد تمثله من تهديد أو خطر على الأمن القومي الإيراني كما أشار أغلب السياسيين والمحللين الإيرانيين، فإن العلاقات الإيرانية الأفغانية تشهد توترًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة على خلفية نزاع طهران وكابُل على حق كل منهما في الحصول على الحصة الأكبر من مياه “نهر هيرمند” كما يسميه الإيرانيون نسبة إلى مقاطعتهم “هيرمند”، أو “نهر هِلمَند” كما يسميه الأفغانيون نسبة إلى ولايتهم “هلمند”. وهو نزاع سياسي طويل المدى بين الحكومات المتعاقبة على البلدين، وقد وصل هذا النزاع في شهر مايو الماضي إلى حد الاشتباك العسكري بين حرس الحدود الإيراني وقوات طالبان الأفغانية عند نقطة حراسة “سوسولي” الحدودية بمقاطعة “هيرمند”.
ويعد نهر هلمند واحدًا من أهم الأنهار الأفغانية وأكبرها، حيث يصل طوله إلى 1100 كيلومتر، وهو بذلك أطول نهر يقع بين نهري السند والفرات. ينبع نهر هلمند من مرتفعات جبل “بابا” الواقعة على بعد 40 كيلومترًا من العاصمة الأفغانية كابل، ويصب في بحيرة “هامون” المشتركة بين إيران وأفغانستان، ثم يتدفق على مرتفعات سيستان وبلوچستان، ويصل جزء منه إلى محافظة كرمان وعدد من الجبال مثل جبل “شاه”، ثم يصب في النهاية في نهر “زاينده” الإيراني.
وتعد قضية تقاسم مياه نهر هلمند بين إيران وأفغانستان واحدةً من أبرز القضايا السياسية والاجتماعية والبيئية بين البلدين منذ سنوات مديدة تصل إلى نصف قرن من الزمان، كما شهد الطرفان سِجالًا طويلًا حول هذه القضية. وقد حاولت إيران بشتى الطرق إثبات حقها في مياه النهر، وهو ما قوبل بمعارضة واضحة من قبل الحكومات المتعاقبة على أفغانستان.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.