واشنطن – (رياليست عربي). أشار وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي ماركو روبيو إلى تحوّل ملحوظ في مقاربة واشنطن تجاه الصين، مؤكداً نهجاً يقوم على البراغماتية وإدارة العلاقات بنضج، بدلاً من المواجهة الأيديولوجية، في إطار إعادة معايرة السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب قبيل عام 2026.
وخلال إحاطة صحافية مطوّلة استمرت ساعتين في نهاية العام، تجنّب روبيو وصف الصين بأنها التهديد الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة، وهو توصيف استخدمه سلفه أنتوني بلينكن مراراً، مفضّلاً الحديث عن «فن إدارة الدول بمسؤولية» وضرورة التعامل مع بكين باعتبارها واقعاً جيوسياسياً دائماً.
وقال روبيو: «الصين دولة غنية وقوية، وستبقى عاملاً مؤثراً في الجغرافيا السياسية. مهمتنا هي البحث عن فرص للعمل مع الحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية». وأضاف أن الطرفين قادران على إدارة التوترات طويلة الأمد، مع التعاون في قضايا عالمية مشتركة.
وتعكس التصريحات إعادة ترتيب في أولويات واشنطن، بعيداً عن التركيز الأحادي على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، نحو الاهتمام بنصف الكرة الغربي ونقاط الضعف الداخلية، بما في ذلك سلاسل الإمداد والقاعدة الصناعية الدفاعية.
ويمثل هذا الموقف تطوراً لافتاً في مسيرة روبيو، الذي كان، خلال عمله عضواً في مجلس الشيوخ، من أبرز الداعمين لتشريعات تستهدف الصين على خلفية قضايا حقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ، وهي خطوات أدت إلى فرض بكين عقوبات عليه مرتين. ويظل روبيو أول وزير خارجية أميركي يتولى منصبه وهو خاضع لعقوبات صينية شخصية.
وقال روبيو معلقاً على هذا التباين: «كنت أشغل وظيفة مختلفة آنذاك. اليوم أمثل الرئيس والولايات المتحدة في الدبلوماسية الخارجية». وشدد على أن واشنطن ليست مضطرة للاختيار بين التزاماتها تجاه حلفائها الآسيويين والحفاظ على علاقات عملية مع بكين، مؤكداً إمكانية الجمع بين الأمرين.
ويتقاطع هذا النهج مع الدبلوماسية الأخيرة للرئيس ترامب تجاه الصين. فبعد قمة عقدت في أكتوبر في كوريا الجنوبية، وصف ترامب الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه «قائد محترم»، وتم التوصل إلى هدنة تجارية تكتيكية شملت استئناف مشتريات الصين من فول الصويا الأميركي وتعليق بعض القيود على صادرات المعادن النادرة.
وفي المقابل، قلّل روبيو من اعتبار الصين محور السياسة الخارجية الأميركية، معتبراً أن الشبكات الإجرامية والإرهابية العابرة للحدود في أميركا اللاتينية تشكل تهديداً أكثر إلحاحاً، خصوصاً لدورها في الهجرة غير النظامية. كما وصف الاعتماد الأميركي على سلاسل إمداد خارجية ونقاط الضعف في الصناعة الدفاعية بأنها «تهديدات حرجة».
وفي ما يخص فنزويلا، اتخذ روبيو موقفاً متشدداً، متهماً حكومة الرئيس نيكولاس مادورو بالتعاون مع جماعات إرهابية وشبكات تهريب المخدرات، واستبعد أي مفاوضات معها، مشيراً إلى ما وصفه بانتهاكات متكررة للاتفاقات السابقة.
وعن النزاعات الأخرى، قال روبيو إن الولايات المتحدة تؤدي دور الميسّر لا الفارض للحلول. وبشأن أوكرانيا، أشار إلى تقدم المشاورات مع وصول مسؤولين إلى واشنطن، موضحاً أن الهدف هو التوصل إلى صيغة «يمكن لأوكرانيا وروسيا التعايش معها»، لا فرض تسوية جاهزة. وأقر بأن القضايا الأصعب لا تزال دون حل.
وفي الشرق الأوسط، أعرب عن ثقته بقرب استكمال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، مؤكداً أن الإدارة تركز على تشكيل قوة استقرار دولية مع بدء انسحاب القوات الإسرائيلية، في إطار خطة أوسع طرحها ترامب للقطاع.
وبصورة عامة، عكست إحاطة روبيو توجهاً أميركياً أقل اندفاعاً نحو المواجهة الأيديولوجية مع الصين، وأكثر ميلاً إلى الانخراط الانتقائي، وتهدئة الأزمات الإقليمية، وإعادة بناء الأسس الاقتصادية والصناعية للولايات المتحدة.






