واشنطن – (رياليست عربي): أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن دعمها لإجراء مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، في تطور يلفت الانتباه ضمن التحركات الدبلوماسية الدولية حول الأزمة الأوكرانية، جاء هذا الموقف خلال تصريحات رسمية صدرت يوم 3 يونيو 2025، حيث أكد مسؤولون أمريكيون أن واشنطن تؤيد الحلول الدبلوماسية للصراع الدائر منذ أكثر من ثلاث سنوات.
هذا التصريح الأمريكي يكتسب أهمية خاصة في ظل استمرار التصعيد العسكري على الأرض، حيث تشهد جبهات القتال تطورات متلاحقة، وتظهر البيانات الميدانية أن القوات الأوكرانية تحاول تعزيز مواقعها في عدة محاور، بينما تواصل القوات الروسية عملياتها في دونباس ومناطق أخرى، يأتي الموقف الأمريكي الجديد بعد سلسلة من المشاورات الدولية المكثفة التي شملت حلفاء واشنطن الأوروبيين وشركاءها في حلف الناتو.
من الناحية العملية، يطرح هذا الإعلان الأمريكي عدة تساؤلات حول الشروط المسبقة لأي مفاوضات محتملة. فمن المعروف أن موسكو تضع شروطاً محددة للحوار، أهمها اعتراف كييف بالوضع الجديد للأراضي التي انضمت إلى روسيا. في المقابل، تصر أوكرانيا على ضرورة انسحاب القوات الروسية من جميع الأراضي التي احتلتها منذ عام 2014 كشرط مسبق لأي محادثات جدية.
المتابعون للشأن الدولي يلاحظون أن الموقف الأمريكي الحالي يحمل بعض التمايز عن الخطاب السابق لواشنطن، الذي كان يركز بشكل أكبر على الدعم العسكري لأوكرانيا، وقد يعكس هذا التحول عدة عوامل، منها التكاليف الاقتصادية المتصاعدة للأزمة على الاقتصاد العالمي، والضغوط الداخلية في الولايات المتحدة حول حجم المساعدات المقدمة لكييف، بالإضافة إلى الرغبة في تجنب تصعيد إضافي قد يزيد من حدة التوترات الدولية.
على الصعيد الأوروبي، تبدو ردود الفعل على التصريح الأمريكي متباينة. فبينما رحبت بعض العواصم بهذا التوجه، أعربت أخرى عن تحفظاتها خشية أن يُفسر كتراجع عن الموقف الغربي الموحد، وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن بروكسل تدرس الآن إمكانية لعب دور أكثر فعالية في الوساطة، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين موسكو وواشنطن.
في الجانب الروسي، لم تصدر بعد ردود فعل رسمية واضحة على الإعلان الأمريكي، لكن محللين يتوقعون أن موسكو ستنظر إلى هذا التطور بعين الاعتبار، خاصة إذا ترافق مع ضمانات عملية حول طبيعة أي مفاوضات محتملة، من جهتها، لم تعلق الحكومة الأوكرانية بشكل مفصل على الموضوع، وإن كان رئيس المكتب الرئاسي قد ذكر أن بلاده مستعدة للحوار ولكن وفق شروطها الخاصة.
خلفية هذا التطور تعود إلى المحادثات السابقة التي جرت في عدة عواصم عالمية منذ بداية الأزمة، والتي لم تثمر عن نتائج ملموسة بسبب الفجوة الكبيرة بين مطالب الطرفين، واللافت الآن أن الإعلان الأمريكي يأتي بالتزامن مع تقارير عن مفاوضات سرية تجري عبر قنوات غير مباشرة، وإن كانت جميع الأطراف تنفي وجود أي اتفاقيات مسبقة.
من الناحية الاستراتيجية، قد يمثل هذا التوجه الأمريكي محاولة لاختبار نوايا الطرفين، أو إعداد الرأي العام الدولي لمرحلة جديدة من الأزمة، فمع استمرار الحرب لأكثر من ثلاث سنوات، بدأت تظهر علامات إرهاق على جميع الأطراف، وإن بدرجات متفاوتة. كما أن التحديات الاقتصادية العالمية الناجمة عن الأزمة تضغط باتجاه البحث عن مخرج دبلوماسي، وإن كان محدوداً في مرحلة أولى.
في المحصلة، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لهذا الإعلان الأمريكي أن يشكل منعطفاً حقيقياً في مسار الأزمة الأوكرانية؟ الإجابة على هذا التساؤل مرهونة بالعديد من العوامل، أبرزها استجابة موسكو وكييف، وموقف الحلفاء الأوروبيين، وطبيعة الخطوات العملية التي قد تتبع هذا التصريح الدبلوماسي. ما يمكن الجزم به الآن هو أن المشهد الدولي المحيط بالأزمة الأوكرانية يشهد تحولات تستحق المتابعة عن كثب في الفترة المقبلة.