موسكو – (رياليست عربي): في ظل التوتر الأخير في العلاقات بين مالي وفرنسا، يبدو أنَّ الدولة الإفريقية باتت تعول على روسيا لتكون بديلاً عن حلفائها الغربيين التقليديين، ومصدراً للدعم العسكري والاقتصادي.
ليس خفياً أن روسيا عملت خلال الأعوام القليلة الماضية على تعزيز علاقاتها مع عدد من الدول الإفريقية، خصوصاً التي تعاني صراعاتٍ داخلية، وتعيش خيبة أمل من القوى الأوروبية، وهو ما يبدو أنَّ مالي تجسده في واقعها السياسي المضطرب خلال العقد الأخير، كما أن العلاقات المالية الروسية الناشئة اعتمدت على عدد من الأسس، أبرزها التزويد بالأسلحة، ونشر المدربين العسكريين، والمقاتلين المتعاقدين، إضافة إلى الدعم الاقتصادي، والاستثمارات في قطاعات مثل المعادن وغيرها.
للوقوف على تفاصيل الحضور الروسي، في مالي، وأبعاد ذلك، سألت قناة “أخبار الشرق“، الدكتور “عمرو الديب“، لأستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة نوباتشيفسكي، مدير مركز خبراء رياليست، عن هذا الموضوع.
أولاً، ما مدى قدرة روسيا على ملء الفراغ الأمني في المنطقة وفي مالي تحديداً؟
يقول الدكتور الديب، الفراغ الأمني في هذه المنطقة التي تعاني بسبب العديد من العوامل وأهمها العامل الإرهابي، لا يمكن لدولة واحدة أن تدّعي قدرتها على ملىء الفراغ الأمني فيها، فعلى سبيل المثال لم تسطع مجموعة الساحل النجاح في وجه التحديات الامنية في المنطقة بالرغم من وجود أوروبي كبير بها.
وأضاف، بالنسبة لقدرة روسيا على ملىء هذا الفراغ فلا نستطيع التنبؤ بقدرتها على ذلك، بشكل خاص بسبب مستجدات الصراع الروسي – الغربي في أوكرانيا و كذلك منطقة بحر البلطيق والقطب الشمالي، وكذلك الأمر التحديات الخطيرة في آسيا الوسط، و نتحدث هنا عن أفغانستان. لذلك قدرة روسيا على تقديم أمور ملموسة يمكنها من خلالها ملىء هذا الفراغ محدودة للغاية، إلا في حال وجود تعاون مع دول إقليمية أخرى.
ثانياً، ما الذي يمكن لروسيا أن تقدمه لمالي على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟
يقول مدير مركز خبراء رياليست: هنا يمكن بالفعل الحديث عن قدرات روسية أعلى من قدراتها الامنية و العسكرية في هذه المنطقة، فهناك إمكانيات روسيا السياسية كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتأثيرها الملحوظ على العديد من الدول التابعة لها اقتصادياً وسياسياً، وهنا نتحدث عن دول الاتحاد السوفيتي السابق.
ومن الناحية الاقتصادية، روسيا تمتلك إمكانيات ضخمة على مستوى المواد الخام وفي هذا الخصوص، يمكن أن تلعب مسألة تقديم روسيا هذه المواد بأسعار رخيصة دور كبير في أن تكون روسيا شريك اقتصادي، خصوصاً وأن مالي أيضا لديها موارد يمكن من خلالها استخدام نظام المقايضات التجارية التي تشتهر بها روسيا.
ثالثاً، هل هذا التقارب بين مالي وروسيا بصدد أن يصبح تحالفاً استراتيجياً أم أنه لا يعدو أن يكون تحركاً تكتيكياً من بامكو لمقاومة الضغوط الفرنسية والإقليمية؟
يرى الدكتور الديب أن ذلك، يمكن اعتباره تقارباً تكتيكياً بالفعل، فالدول الأفريقية وغيرها من الدول الصغيرة تلعب على هذا الوتر الذي تم استخدامه كثيراً على مر التاريخ، وهذا الوتر هو التحرك تارة ناحية الشرق و تارة ناحية الغرب، ولكن في هذا السياق روسيا وقيادتها أصبحت أكثر نضوجاً من قيادات الاتحاد السوفيتي، فلن تساعد روسيا بالممجان أحد، بل ستكسب بالمقابل الكثير، إذا ما قدمت شيء لهذه الدول.
رابعاً، ما هي دوافع روسيا من تعزيز حضورها في منطقة الساحل وفي مالي تحديداً؟
يشير الدكتور الديب إلى أن الاتحاد الروسي، يهتم بهذه المنطقة داخل سياقين: الأول أن هذه المنطقة جزء مهم من القارة الأفريقية وفي السنوات الأخيرة هناك اهتمام روسي بالقارة واستعادة العلاقات التجارية السياسية السابقة مع دولها، لذلك تهتم روسيا بها، خصوصاً وأن كثرة عمليات الانقلاب في أفريقيا، تتجه قيادات هذه الدول لروسيا كملاذ أول من أجل المساعدة العسكرية والاقتصادية وكذلك السياسية.
السياق الآخر: هذه الدولة بشكل خاص تنظر إليها روسيا كمسرح صراع بينها وبين فرنسا، وتستخدم روسيا هذا العامل في علاقاتها مع فرنسا، وفي آخر عام نجحت بالفعل روسيا في ذلك.
وأضاف مدير مركز خبراء رياليست أنه بعد العملية العسكرية في أوكرانيا يمكننا ملاحظة تغير ما في استراتيجية روسيا داخل مالي من خلال استخدام الشركات العسكرية الخاصة وتقديم أسلحة. وهذا الأمر سيكون بلا شك رداً على تزويد فرنسا الأسلحة لأوكرانيا.