بيروت – (رياليست عربي): بات كل مواطناً لبنانياً يعيش على أرض بلد الأرز، مديون في الوقت الحالي بـ 20 ألف دولار أمريكي، ونفس الحال يكون لكل مولود جديد، أي ما يعادل نصف مليار ليرة لبنانية، بحسب تقلبات سعر الصرف، وذلك لدول ومؤسسات اقتصادية ومالية عالمية، وهذه الديون ليست على المواطن كقرض بنكي أو مشتريات من بقالات أو أسواق أو أقساط مدارس أو جامعات، فهذا الدين الواقع حالياً على كل شخص لبناني، عبارة عن حصة له في الدين العام الواقع على البلاد، الذي بلغ اليوم 104 مليارات دولار.
وبحسب تقارير، يجب أن يدفع لبنان الغارق في مستنقع الديون، حوالي 104 مليارات دولار تتراكم فوائدهم، ما بين 50 مليار دولار بالعملة الصعبة، و 54 مليار دولار بالعملة المحلية “الليرة”، بحسب سعر الصرف الحالي بالسوق الموازي، وبتقسيم هذا الرقم على كل عائلة لبنانية مكونه من 4 أشخاص فقط، حيث يتكون لبنان من مليون و250 ألف أسرة، تكون كل عائلة مديونة بـ80 ألف دولار، ليكون بذلك حصة كل مواطن أو مولود لبناني من الدين العام الحالي 20 ألف دولار.
وراكمت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على مدار الـ3 عقود الأخيرة، أكثر من 100 مليار دولار، وذهبت بمعظمها هدراً، لاسيما في قطاع الكهرباء ومزاريب الفساد والاقتصاد الريعي، ليكون لبنان البلد الأكثر مديونية في العالم، متوقفاً عن سداد “اليورو بوينت” وسندات الخزينة، لتقع هذه الديون في النهاية على عاتق المواطن.

وخسر لبنانيون مدخرات حياتهم المالية بعملة بلدهم داخل وطنهم، وينطبق عليهم العبارة الدارجة في الشارع البيروتي “ضاعت تحويشة العمر”، وذلك ليصل الأمر إلى تحرك مواطنين كانوا يدخرون أموالهم بالعملة اللبنانية إلى مكاتب الصرافة، حاملين إياهم أما في حقائب كبيرة أو “كراتين” أو “أشولة”، ليستبدلونها في النهاية بمبالغ تتراوح ما بين ألف إلى 5 الآف دولار أمريكي.
وكانت تساوي هذه الأموال قبل عامين، وبالتحديد مع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول في 2019، ثم انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، ما بين 40 إلى 200 ألف دولار، عندما كانت تثبت سعر الدولار 1500 ليرة، لكنه تجاوز الآن أعتاب 22 ألف ليرة للدولار الأمريكي الواحد بعد أن وصل في نهاية 2021 إلى 31 ألف ليرة.
وفقد مواطنون لبنانيون الأمل، ولا يجدون أي بصيص يتعلق بضبط حتى لو على استحياء لقيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، في ظل هيمنة تعاملات السوق الموازية “السوداء”، وهي الأسواق المالية الوحيدة المتواجدة في البلاد، بالتزامن عدم وجود سوق رسمي لتخرج أنباء بسوق العملة ببيروت وطرابلس وصيدا وصور، عن أنه مع قدوم فصل الربيع قد يساوي الدولار الواحد 50 ألف ليرة.
ويتحرك مواطنون لبنانيون، بمدخراتهم التي يرى البعض أنه من الأفضل استخدام ورق البنكنوت، كورق رقيق يلف “التبغ” فيه كـ”سجائر”، بعد أن باتت ورقة الـ 100 ألف ليرة تساوي على أقل تقدير 5 دولارات فقط بسعر صرف السوق الموازي الحالي، فكان وضع الأموال في “حقائب” و”كراتين” للتبديل بالدولار وفقاً للسعر الحالي قبل أن تصبح ورقة الـ50 ألف بـ2 دولار فقط.

وتزامن مع ذلك في لبنان، تصاعد نشاط عصابات تزوير عملة الدولار الأمريكي الذي يعتبر عملة تتداول مصرح بها مثل العملة الوطنية “الليرة” منذ عقود، وينتشر هذا التزوير بشكل واضح من جانب عصابات تخصصت في هذا الأمر، في ظل انهيار الليرة أمام الدولار في إطار السقوط التاريخي لـ”الليرة”، لتقف السلطات اللبنانية “مكتوفة الأيدي” عن التعامل مع هذه الأزمة التاريخية التي جعلت الشعب اللبناني في أسوأ أزمة تمر عليه، حتى عجزت الأجهزة اللبنانية حتى عن ملاحقة تلك العصابات المنظمة.
وتحدث خبراء مصرفيون، في تصريحات خاصة، في وقت سابق، إن ما يتم ضبطه من تلك العصابات لا يزيد عن 5% فقط من التشكيلات المنتشرة من هذا النوع، لافتين إلى أن التزوير كان مقتصراً فقط على عملة الدولار من الفئة القديمة “البيضاء” نظراً لصعوبة تزوير الجديدة “الزرقاء” ولكن هذه أيضاً، ابتكرت عصابات طرق لتزويرها، لاسيما فئة الـ100 دولار.
وكان سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مثبت منذ العام 1997 عند 1507 ليرات للدولار، إلا أن القيمة السوقية للعملة الوطنية تراجعت بأكثر من 95 بالمئة في غضون عامين من الأزمة الاقتصادية، وبات الحد الأدنى للأجور أقل من 23 دولارا، بينما تواصل أسعار الوقود والعديد من السلع الأساسية التي لم تعد مدعومة من قبل السلطات ارتفاعها.
ويرزح 80 % من اللبنانيين الآن تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، ما يعد إفقاراً متسارعاً يعود سببه بشكل خاص إلى التضخم الذي يفوق 100 %، ويضاف هذا الانخفاض الجديد إلى المشاكل العديدة التي تواجهها الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، والتي ظلت لم تعقد أي اجتماع منذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول بسبب الخلافات السياسية بين أعضائها، إلا منذ أسبوعين.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس/ آب وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار تدريجياً من 1500 ألف ليرة إلى ما يقارب الـ22 ألف ليرة في الوقت الحالي، وبات نحو 80 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة، فيما يشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحّة لتحصل البلاد على دعم مالي ضروري يخرجه من دوامة الانهيار.
وتخلفت “بيروت” في مارس/ آذار 2020 عن سداد ديون خارجية، بدأت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب مفاوضات مع صندوق النقد بناء على خطة إنقاذ اقتصادي وضعتها تضمنت إصلاح قطاعات عدة بينها قطاع الكهرباء المهترئ والقطاع المصرفي وإجراء تدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان ،وبعد عقد 17 جلسة، علق صندوق النقد التفاوض بانتظار توحيد المفاوضين اللبنانيين وخصوصا ممثلو الحكومة ومصرف لبنان تقديراتهم لحجم الخسائر المالية التي سيبنى على أساسها برنامج الدعم، وكيفية وضع الإصلاحات المطلوبة موضع التنفيذ.
ويشترط صندوق النقد الدولي أن يجري لبنان إصلاحات جوهرية لا تقتصر على استيعاب الخسائر، بل تهدف إلى ترميم الثقة وتحسين الحوكمة والشفافية وتشجيع الاستثمارات.