موسكو – (رياليست عربي): تمكنت روسيا من تعزيز مكانتها كأحد أكبر موردي الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الأوروبية، حيث احتلت المرتبة الثانية بحجم صادرات بلغ 15.8 مليون طن خلال العام الماضي، وفق أحدث البيانات الصادرة عن مراكز الطاقة الأوروبية.
ويأتي هذا الإنجاز رغم الحزمة العقابية الغربية التي تستهدف قطاع الطاقة الروسي، مما يؤكد قدرة موسكو على الحفاظ على تدفقاتها النفطية عبر قنوات بديلة.
تشير المعطيات إلى أن روسيا نجحت في تجاوز منافسين كبار مثل الجزائر ونيجيريا في سوق الغاز الأوروبي، بينما حافظت الولايات المتحدة على صدارتها كأكبر مصدر للغاز المسال إلى القارة العجوز، وتركزت معظم الشحنات الروسية من منصات يامال وموانئ بحر البلطيق، مع الاعتماد على ناقلات آسيوية لنقل الشحنات عبر مسارات ملتوية.
على الجانب الأوروبي، تكشف الأرقام عن مفارقة لافتة، فبالرغم من الجهود الرسمية لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية منذ بداية الأزمة الأوكرانية، إلا أن العديد من الدول الأعضاء لا تزال تعتمد بشكل غير مباشر على الغاز الروسي عبر عمليات إعادة التصدير من دول وسيطة مثل الصين والهند، وقد أثار هذا الواقع جدلاً واسعاً في بروكسل، حيث يطالب بعض صانعي السياسات بتشديد الرقابة على سلاسل التوريد.
من الناحية الاقتصادية، ساهمت عائدات الغاز المسال في دعم الميزانية الروسية وسط تراجع إيرادات النفط التقليدية. أما سياسياً، فتتعمق الانقسامات الأوروبية بين معسكرين: الأول يصر على ضرورة القطع الكامل مع مصادر الطاقة الروسية، والثاني يفضل ضمان أمن التوريدات بغض النظر عن المنشأ.
في الأفق البعيد، يتوقع مراقبو سوق الطاقة استمرار الدور الروسي الفاعل في تزويد أوروبا بالغاز، خاصة مع استمرار الطلب المرتفع خلال مواسم الشتاء. لكن هذا المشهد قد يشهد تحولات تدريجية مع تسارع التحول الأوروبي نحو الطاقات المتجددة وتبني خطط طموحة لخفض الاعتماد على المصادر الأحفورية.
من الناحية الجيوسياسية، تواصل موسكو تنويع شراكاتها الطاقوية، مع تركيز واضح على الأسواق الآسيوية كبديل استراتيجي ومع ذلك، تبقى أوروبا سوقاً جاذباً بسبب البنى التحتية القائمة وشبكات التوزيع المتطورة، هذه الديناميكيات المعقدة تضع صناع القرار في بروكسل أمام معضلة صعبة: الموازنة بين الضغوط السياسية والمتطلبات الاقتصادية في قضية حيوية تمس أمن الطاقة القاري.