موسكو – (رياليست عربي): يلفت الخبراء الأجانب الانتباه إلى التدهور الحاد في وضع الاستثمار الدولي الصافي للولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية، والذي بلغ رصيده السلبي رقماً قياسياً 18.1 تريليون دولار (79٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في نهاية عام 2021.
ويقول المحللون إن هذه الأرقام غير مسبوقة وتثير مخاوف بشأن القوة المالية للولايات المتحدة، خاصة وأن الصين ومنطقة اليورو تسعى إلى زيادة تأثير عملاتهما على المسرح العالمي، وفقاً للتوقعات، قد يكون للاتجاهات المذكورة أعلاه في المستقبل تأثير سلبي على وضع الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي.
وضع الاستثمار الدولي الصافي للولايات المتحدة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي حالياً في أسوأ حالاته منذ عام 1976، عندما أصدر مكتب التحليل الاقتصادي إحصاءات عن هذا المؤشر لأول مرةن حيث يقدم الاقتصاديون الأجانب عدة تفسيرات لهذا الاتجاه:
أولاً، حتى عام 2010، كانت هيمنة الاستثمارات ذات العائد المرتفع نسبياً في الأصول الدولية الأمريكية، من ناحية، وحصة كبيرة من الفئات منخفضة العائد في المطلوبات، من ناحية أخرى، قد وفرت للاقتصاد الأمريكي توازناً إيجابياً من الأصول الأولية، الدخل من رأس المال، على مدى العقد الماضي، ظل تكوين الأصول الأجنبية للولايات المتحدة دون تغيير تقريباً، ولكن كان هناك تحول كبير في المطلوبات الخارجية: فقد انخفضت حصة السندات، بينما نمت حصة الأسهم والاستثمار المباشر، على العكس من ذلك. بعبارات أخرى، خلال هذه الفترة، واجهت واشنطن الحاجة إلى تسديد مدفوعات أعلى لالتزاماتها الخارجية.
السبب الثاني لتدهور وضع الاستثمار الدولي الصافي للولايات المتحدة هو ديناميكيات الدولار، الغالبية العظمى من المطلوبات الأجنبية الأمريكية مقومة بالعملة الأمريكية، بينما الأصول الأجنبية عادة ما تكون مقومة بالعملات الوطنية، هذا يعني أنه عندما تنخفض قيمة الدولار، تكسب واشنطن من أصولها الخارجية بينما تظل قيمة الدولار لالتزاماتها الأجنبية دون تغيير إلى حد ما، مما يؤدي إلى تحسن في وضع الاستثمار الدولي الصافي للبلاد، في المقابل، يثير ارتفاع الدولار عملية عكسية.
وفقاً للمحللين الأجانب، فإن اللحظة الإيجابية للاقتصاد الأمريكي هي أن رأس المال الدولي لا يزال لديه بعض الثقة فيه، ويتضح هذا من حقيقة أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة استمرت وتتجاوز اليوم الاستثمار الأمريكي في نفس الفئات في الخارج، في الوقت نفسه، يجب أن نتوقع أنه نتيجة لهذا التطور، سيستمر رصيد الدخل الصافي للاستثمار في الولايات المتحدة في التدهور، والذي، مع تساوي جميع العوامل الأخرى، سيكون له تأثير سلبي إضافي على ميزان الحساب الجاري، لتحسين موقفها الاستثماري الدولي الصافي، قد تُضعف واشنطن سعر الصرف بشكل حاد، ولكن في الواقع الجيو-اقتصادي الجديد، سيكون رد الفعل على هذه الخطوة من جانب الأطراف المقابلة، الذين أصولهم مقومة بالدولار ، أقل قابلية للتنبؤ به.
من ناحية، في الوقت الحالي، للأسف، لا يوجد بديل كامل للعملة الأمريكية في المعاملات الدولية، كما لا يمكن أن يصبح اليورو منافساً جاداً بسبب المستوى غير الكافي لتطور الأسواق المالية الأوروبية، وسوف يتم تخفيض استخدام اليوان الصيني عبر الحدود من قبل بكين، التي تخطط لزيادة انفتاح النظام المالي الوطني بشكل تدريجي من أجل منع اختلال توازنه.
من ناحية أخرى، كما يؤكد الخبراء، أصبحت الصين بالفعل لاعباً عالمياً له تأثير اقتصادي وسياسي وعسكري ضخم ومستعد لتحدي الهيمنة الأمريكية طويلة الأجل على المسرح العالمي، كما أصبحت زعيمة غير رسمية للتحالف المناهض للغرب، حيث تعد روسيا أحد شركائها الرئيسيين، تعمل بكين وموسكو بنشاط لإنشاء بديل لنظام الدفع SWIFT العالمي، وتستكشفان أيضاً إمكانية استخدام إصدارات رقمية من عملاتهما في المعاملات عبر الحدود، وقد يزداد الدور الدولي لليوان كعملة تجارية واستثمارية واحتياطية بشكل كبير في المستقبل القريب بسبب انكماش حصة اليورو، وعلى الأرجح الدولار الأمريكي.
وفي الوقت نفسه، يعتمد استقرار الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر على المكانة المتميزة والسمعة الموثوقة للدولار، بدونها، لن تكون واشنطن قادرة على تمويل جميع الالتزامات الخارجية بعملتها الخاصة والحفاظ على مستوى عالٍ من عجز الميزانية والدين العام لعقود.
في عام 1971، عندما قام البيت الأبيض بفك ارتباط الدولار بالذهب، ووفقاً للمحللين، مع ظهور بديل موثوق للدولار، قد تنشأ بالفعل صعوبات في الولايات المتحدة نفسها، حيث ستضطر الدولة إلى تمويل عجز الحساب الجاري بالعملة الأجنبية والحفاظ على انضباط مالي أكثر صرامة، كانت هناك سوابق بالفعل، على سبيل المثال، في الثمانينيات، عندما أصدرت الولايات المتحدة لفترة وجيزة سندات بالين الياباني، وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما أصدرت الدولة ما يسمى سندات Ruza.
وفي المقابل، تعمل الصين على تكثيف التعاون الاقتصادي مع الاقتصادات النامية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، هذا العامل الجيوسياسي، الذي كان موجوداً بالكاد خلال أزمات الدولار السابقة، يجعل الوضع الاستثماري الدولي للولايات المتحدة المتدهور بسرعة أكثر إثارة للقلق بالنسبة لواشنطن، في الوقت نفسه، كما يؤكد الخبراء الأجانب، قد يتأخر تراجع هيمنة الدولار في البنية التحتية النقدية العالمية لفترة زمنية معينة.
بالتالي، لم تتضح بعد ملامح النظام المالي المستقبلي، حيث من غير المرجح أن توافق معظم الدول الغربية على استبدال العملة الأمريكية باليوان الصيني على الفور، ومن ناحية أخرى، فإن التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية ليست الحل الأمثل للاقتصاد العالمي، لأنها تكون أكثر فاعلية عندما يتم تقييم البضائع المتداولة في السوق الدولية بعملة واحدة.