بيرن – (رياليست عربي): أفادت صحيفة “فاينانشال تايمز” بأن الحكومة السويسرية أطلقت تحقيقاً داخلياً شاملاً للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء انهيار المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى توقيع اتفاقية ثنائية كبرى.
المصادر المطلعة كشفت عن وجود انقسام حاد داخل الوفد التفاوضي السويسري، مع تبادل اتهامات بين وزارة الاقتصاد ووزارة الخارجية حول تحديد المسؤولية عن هذا الفشل الدبلوماسي.
الخلفية تكشف أن المفاوضات التي استمرت لأكثر من ثمانية عشر شهراً اصطدمت بعقبات كبيرة، أبرزها رفض واشنطن التنازل عن شروطها المتعلقة بحماية الملكية الفكرية وفتح السوق السويسرية أمام المنتجات الزراعية الأمريكية. من جهتها، كانت برن تأمل في الحصول على إعفاءات جمركية لصادراتها الدوائية والصناعية، لكن الضغوط السياسية من الكونجرس الأمريكي حال دون تحقيق أي تقدم ملموس.
المحللون الاقتصاديون يشيرون إلى أن هذا الفشل يمثل ضربة قاسية للاقتصاد السويسري، الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى السوق الأمريكية. التقديرات الأولية تشير إلى أن انهيار المفاوضات قد يكلف الشركات السويسرية خسائر تتجاوز 2.5 مليار فرنك سنوياً، مع تهديد آلاف الوظائف في القطاعات الأكثر تأثراً مثل الصناعات الدوائية وتكنولوجيا الطب الدقيق.
من ناحية أخرى، تتعرض الحكومة السويسرية لانتقادات حادة من المعارضة ومنظمات الأعمال بسبب ما وصفوه بـ”التخطيط السيء” و”عدم المرونة التفاوضية”. بعض الخبراء يعزون هذا الفشل إلى التغيرات في السياسة التجارية الأمريكية تحت الإدارة الحالية، والتي أصبحت أكثر تشدداً في الدفاع عن المصالح المحلية، بينما يرى آخرون أن سويسرا أخطأت في تقدير موقفها التفاوضي واعتمدت على نفوذها الدبلوماسي التقليدي أكثر من اللازم.
في واشنطن، بدا الموقف الرسمي أكثر تحفظاً، حيث اكتفت وزارة التجارة الأمريكية بالإشارة إلى أن “المفاوضات التجارية معقدة بطبيعتها”، مع تأكيد استمرار التزام الولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية قوية مع سويسرا. ومع ذلك، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن البيت الأبيض قد يفضل الآن التركيز على مفاوضات مع كتل اقتصادية أكبر مثل الاتحاد الأوروبي، مما قد يترك سويسرا في وضع غير مؤات في المدى المنظور.
ختاماً، بينما تواصل اللجان البرلمانية السويسرية استجواب المسؤولين عن هذا الملف، يبقى السؤال الأكبر حول إمكانية إحياء المحادثات في المستقبل القريب، أو أن سويسرا ستضطر إلى مراجعة استراتيجيتها التجارية بالكامل في ظل نظام دولي متغير أصبحت فيه الاتفاقات الثنائية أكثر صعوبة من أي وقت مضى.