بكين – (رياليست عربي). شهدت القروض والاستثمارات الخارجية المقومة باليوان الصيني (الرنمينبي) ارتفاعاً حاداً خلال السنوات الأخيرة، في مؤشر على الاستراتيجية التي تتبعها بكين لتعزيز الدور العالمي لعملتها وتقليل تعرضها لهيمنة الدولار الأميركي.
ووفقاً للبيانات الرسمية، تضاعفت القروض والودائع والسندات الخارجية المقومة باليوان أربع مرات لتتجاوز 3.4 تريليون يوان (نحو 480 مليار دولار) خلال السنوات الخمس الماضية، في إطار جهد منسق لبناء نظام مالي عالمي أكثر توازناً ومناعة ضد العقوبات الغربية التي تعتمد على مركزية الدولار.
توسع في التمويل التجاري والمقايضات
في الوقت نفسه، وسّعت الصين قنوات الاستثمار الأجنبي في السندات المقومة باليوان وركّزت على زيادة استخدام عملتها في تسويات التجارة الدولية. وقال آدم وولف، خبير الأسواق الناشئة في مؤسسة Absolute Strategy Research في لندن، إن «استخدام اليوان في التسويات التجارية يثبت أن الصين تستطيع مواصلة التجارة مهما كانت التقلبات الجيوسياسية».
وبيّنت بيانات إدارة الدولة للنقد الأجنبي أن أصول البنوك الصينية الخارجية من أدوات الدخل الثابت تضاعفت خلال عقد لتتجاوز 1.5 تريليون دولار، منها نحو 484 مليار دولار باليوان حتى يونيو الماضي — تشمل 360 مليار يوان من القروض والودائع، مقارنة بـ110 مليارات فقط عام 2020.
وذكر بنك التسويات الدولية (BIS) أن الإقراض باليوان للدول النامية ارتفع بمقدار 373 مليار دولار بين 2019 و2023، في «تحول واضح بعيداً عن القروض المقومة بالدولار واليورو». وقد حوّلت دول مثل كينيا وأنغولا وإثيوبيا أجزاء من ديونها الدولارية إلى اليوان، بينما أصدرت إندونيسيا وسلوفينيا وكازاخستان سندات باليوان أو أعلنت نيتها القيام بذلك.
اليوان يقترب من مركز عالمي
أظهرت بيانات SWIFT أن حصة اليوان في تمويل التجارة العالمية ارتفعت إلى 7.6٪ في سبتمبر الماضي، بعدما كانت لا تتجاوز 2٪ قبل ثلاث سنوات، ليصبح ثاني أكثر العملات استخداماً بعد الدولار.
كما عززت بكين مكانة عملتها عبر شبكة من بنوك المقاصة الخارجية وخطوط تبادل العملات مع شركائها التجاريين. وبلغت المعاملات عبر نظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود (CIPS) أكثر من 40 تريليون يوان في الربع الواحد، ما يشير إلى تحول تدريجي نحو البنية المالية الصينية، حتى مع انخفاض حصة اليوان من المدفوعات العالمية عبر SWIFT.
وقال برت هوفمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة سنغافورة الوطنية، إن «المسؤولين الصينيين يرون أن النظام المالي العالمي القائم على الدولار غير مستقر بطبيعته، وأن إطاراً متعدد العملات يمنح الصين مرونة وأمناً أكبر».
وحسب بيانات الجمارك، فإن نحو 30٪ من التجارة الصينية — وأكثر من نصف المعاملات عبر الحدود — تُسوى حالياً باليوان، مقارنة بنسبة ضئيلة قبل عقد من الزمن.
قيود قائمة وخطط لتوسيع الانفتاح
رغم التقدم الكبير، ما تزال ضوابط رأس المال تشكل عائقاً أمام تدويل اليوان الكامل، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن اليوان لا يمثل سوى 2.1٪ من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية في مطلع عام 2025، أي أقل بكثير من الدولار واليورو.
وللتغلب على ذلك، تعمل بكين وسلطات هونغ كونغ على تعميق السيولة وجذب المستثمرين من خلال فتح سوق إعادة الشراء المحلي أمام المؤسسات الأجنبية والسماح لها باستخدام الأصول المقومة باليوان كضمان، إلى جانب إطلاق خريطة طريق لزيادة إصدار وتداول السندات في هونغ كونغ.
وقال بول سميث، رئيس الأسواق لليابان وشمال آسيا وأستراليا في بنك Citi: «هذه الخطوة تضاهي أهمية برامج الربط بين بورصات هونغ كونغ والبر الرئيسي، وستسرّع استخدام اليوان كعملة تمويل عالمية».
ويؤكد المحللون أن الصين لا تسعى إلى استبدال الدولار، بل إلى بناء بديل موثوق. وخلص هوفمان إلى أن «السياسة تسير بوتيرة تدريجية، لكن جميع مكونات تدويل اليوان السريع باتت جاهزة الآن».






