بوخارست – (رياليست عربي). أثار قرار الولايات المتحدة سحب جزء من قواتها من الجناح الشرقي لحلف الناتو، بما في ذلك من رومانيا، قلق الحلفاء والمشرعين الذين اعتبروا الخطوة «خطأً استراتيجيًا» في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.
وأكدت واشنطن وبوخارست في 29 أكتوبر أن جنود اللواء الثاني القتالي، الفرقة 101 المحمولة جوًا، سيعودون إلى بلادهم بعد انتهاء فترة انتشارهم دون استبدالهم بوحدة جديدة، مما يعني تقليص الوجود الأميركي في المنطقة.
إعادة تموضع لا انسحاب
وفي بيان مقتضب، أوضحت قيادة القوات الأميركية في أوروبا وإفريقيا أن القرار يأتي ضمن «عملية مدروسة» يشرف عليها وزير الحرب بيت هيغسِث لضبط الانتشار العسكري الأميركي، مشددة على أنه «لا يعكس تراجع الالتزام تجاه الناتو» بل يهدف إلى تشجيع الأوروبيين على تحمّل مسؤولية أكبر في الدفاع التقليدي.
وقال وزير الدفاع الروماني يونوت موشتينو إن الحلفاء أُبلغوا مسبقًا بالقرار، مؤكدًا أن نحو ألف جندي أميركي سيبقون في البلاد. وأضاف: «هذا ليس انسحابًا، بل تعليق مؤقت لدوريات التناوب التي تشمل عدة دول في الناتو».
وتستضيف رومانيا حاليًا نحو 1,700 جندي أميركي، ما يجعلها إحدى أهم القواعد الشرقية للحلف على البحر الأسود.
توقيت حساس ورسائل متناقضة
يتماشى القرار مع مراجعة الانتشار العالمي للقوات الأميركية التي ستعلنها إدارة ترامب قريبًا، والمتوقَّع أن تركّز على نصف الكرة الغربي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، على حساب الوجود العسكري المتزايد في أوروبا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022.
لكن مراقبين يرون أن التوقيت غير مناسب. وقال ترامب للصحفيين على متن طائرته الرئاسية: «الأمر ليس كبيرًا — مجرد تعديل».
في المقابل، حذّر منتقدون من أن تقليص القوات في أوروبا الشرقية يبعث بإشارة خاطئة إلى موسكو ويثير شكوكًا بين الحلفاء حول مدى موثوقية واشنطن على المدى الطويل.
رومانيا: موقع استراتيجي حساس
تُعد رومانيا حدًّا مباشرًا مع أوكرانيا وتستضيف مركز تدريب رئيسيًا للطيارين الأوكرانيين، إضافة إلى قاعدة ميهايل كوغالنيتشيانو الجوية التي تُعد من أهم مواقع الناتو على البحر الأسود. كما تحتضن منظومة الدفاع الصاروخي “إيجيس آشور” في ديفيسيلو، وهي من ركائز الردع الأطلسي التي تثير باستمرار تهديدات روسية.
فرنسا وأوروبا تسد الفجوة
تتولى فرنسا قيادة الكتيبة متعددة الجنسيات التابعة للناتو في رومانيا، ويبلغ قوامها نحو 1,300 جندي مدعومين من بلجيكا ولوكسمبورغ وإسبانيا، بينما تواصل ألمانيا مهام المراقبة الجوية. وأطلق الحلف مؤخرًا عملية “الحارس الشرقي” لتعزيز دفاعاته بعد اختراق طائرات روسية مسيّرة لأجواء رومانيا وبولندا وإستونيا.
ومن المقرر أن يزور الأمين العام للناتو مارك روتّه بوخارست في 5–6 نوفمبر للمشاركة في منتدى صناعة الدفاع وتأكيد «الالتزام الثابت» بأمن رومانيا.
انتقادات داخلية وأميركية
القرار قوبل بانتقادات من الحزبين في كلٍّ من بوخارست وواشنطن. ففي حين اتهمت المعارضة الرومانية الحكومة بـ«سوء إدارة الشراكة الإستراتيجية مع أميركا»، أعرب نواب أميركيون بارزون عن قلقهم مما وصفوه «تحركًا غير منسّق ومضرًّا».
وكتب رئيسا لجنتي القوات المسلحة في الكونغرس، روجر ويكر ومايك روجرز، أن «القرار يتعارض مع الإستراتيجية المعلنة للرئيس»، مؤكدين أن الكونغرس لم يُستشر مسبقًا.
أما النائب الجمهوري مايك تيرنر، رئيس الوفد الأميركي في الجمعية البرلمانية للناتو، فحذر من أن الوجود العسكري الأميركي في أوروبا يجب أن يبقى قويًا وحازمًا في مواجهة العدوان الروسي.
ما التالي؟
لا تزال التقديرات منقسمة حول ما إذا كان هذا التعديل خطوة منفصلة أم بداية لتقليص أوسع ضمن مراجعة الانتشار العالمي. وتشير تقارير إلى احتمال خفض القوات في بلغاريا والمجر وسلوفاكيا بحلول منتصف ديسمبر.
وبينما تصر واشنطن على أن التغييرات «لن تمس قدرة الردع»، يرى مسؤولون في بروكسل أن القرار يهدد بخلق فراغ أمني. وقال أحدهم:
«وُعدت أوروبا بألا تكون هناك فجوات ولا مفاجآت. هذا القرار يخاطر بتحقيق كليهما».






