موسكو – (رياليست عربي): إن تقدم القوات العسكرية في محيط منطقة (خاركوف) وهدف القيادة العسكرية الروسية من حشد هذا الكم من القوات في الشمال الشرقي لأوكرانيا وتزامن هذا الحشد العسكري الروسي مع هدف موسكو إقامة منطقة عسكرية عازلة على طول خط الجبهة (الروسية الأوكرانية) خاصةً بالقرب من مدينة (بيلغورد) الواقعة جنوباً والتي تعرضت للقصف بصواريخ طويلة المدى يعتقد أن أوكرانيا تزودت بها منذ مدة قريبة من دول حلف الناتو حيث يحاول القادة العسكريين الروس حالياً السيطرة على أكبر قدر ممكن من المساحات المحاذية للمناطق السكنية في الأراضي التي سيطرت عليها موسكو وهو الأمر الذي سيتحقق لأن كييف لا ترغب بخسارة المزيد من الجنود
على ضوء تمكن القوات العسكرية الروسية حتى مساء يوم الإثنين 13 مايو 2024 من إيصال نفوذها العسكري إلى 30 قرية في المنطقة الشمالية الشرقية لأوكرانيا، من تلك الواقعة في إقليم (خاركوف)، حيث سيطرت القوات العسكرية الروسية على عشرات الكيلو مترات المربعة في غضون أيام قليلة فقط، بين 5 و12 مايو 2024:
- يعتقد الخبراء العسكريون الأوكرانيون أن هدف روسيا الإتحادية المباشر، ليس كما تحاول موسكو إظهاره، أي الإستيلاء على ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا وهي مدينة (خاركيف) والتي بلغ عدد سكانها قبل الحرب 1.4 مليون نسمة، لأن القوات العسكرية الروسية حاولت في بداية الحرب أن تستولي على المركز الصناعي لمدينة (خاركيف) في شهر فبراير 2022 ثم قامت بتغيير خطتها العسكرية حينها.
- بعد ذلك، وعلى مدى عامين كاملين نجحت روسيا الإتحادية في استنزاف المقاتلين الأوكرانيين مع عتادهم في ساحة المعركة من أجل التأثير على الرأي العام العالمي بين حلفاء كييف، وقد نجحت هذه المساعي الروسية في إغراق كييف وإدخالها في أزمة المماطلة مع واشنطن بشأن حزمة المساعدات المالية والعسكرية البالغة 61 مليار دولار، إلى أن تمَّ إقرار حزمة المساعدات هذه أخيراً في أبريل الماضي.
- وحول هذا الأمر يؤكد الخبير العسكري العالمي (إيفان كليشتش) من المركز الدولي للدفاع والأمن، ومقره في جمهورية إستونيا، أن الأوكرانيين اضطروا إلى تقنين قذائفهم وعتادهم الحربي لعدة أشهر، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الإستنزاف بين جنودهم ووحداتهم من قبل القوات العسكرية الروسية، التي نجحت في اختراق العديد من خطوط الدفاع الأوكرانية، سواءً في إقليم (خاركيف) نفسه، أو في المناطق الأخرى قرب مناطق (خيرسون) و (زابوروجيه).
- وأضاف الخبير (إيفان كليشتش) أن الوعد الأمريكي لتقديم دعم عسكري أمريكي جديد يعني أن التقنين سينتهي من قبل الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين، وهو ما يفرض عل نظام كييف أن يستمر في السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي والحفاظ على أكبر عدد ممكن من القوات الأوكرانية.
- فيما يرى خبير عسكري آخر، هو الخبير (بيير رازوكس) من مؤسسة حوض البحر الأبيض المتوسطللدراسات الإستراتيجية (FMES) إن روسيا الإتحادية وخلافاً لأوكرانيا، قادرة بشكل أكبر على استيعاب الخسائر العسكرية التي تشهدها ساحات المعركة، نظراً لأن احتياطياتها البشرية وقدراتها الصناعية أكبر بكثير من قدرة أوكرانيا.
- ولهذا السبب، بدأت القيادة العسكرية الروسية اعتباراً من صباح يوم الإثنين 13 مايو 2024 بإنشاء (منطقة عازلة) لحماية منطقة بيلغورود الحدودية التي تتعرض للقصف الأوكراني بانتظام، حيث ستقوم القوات العسكرية الروسية في الوقت نفسه بتطويق منطقة (خاركوف) على الحدود حيث سيتمكنون من حشد الدعم الجوي والطائرات بدون طيار والمدفعية لتأمين عمليات إطلاق النار من داخل أراضيهم، مما سيمنحهم خطوط إمداد أقصر وغطاء تفوق جوي يجعلهم في الوضع الأمثل.
- أما القوات العسكرية الأوكرانية فسيكون وضعها صعباً لأنها ستواجه هجوماً إستراتيجياً من قبل القوات العسكرية الروسية، حيث سيتوجب على الأوكرانيين الدفاع عن خط المواجهة على طول خطوط الجبهة الشرقية في المهمة الأولى، وكذلك عدم التراجع عن المواقع الإستراتيجية التي يحاولون الحفاظ عليها، وبشكلٍ خاص على المدن الكبرى والطرق التي تربطها بالحدود الغربية لأوكرانيا مع رومانيا وبولندا، وهو ما سيضعهم في موقف محرج للغاية، لأن تنفيذ كلا المهمتين معاً سيكون أمراً بعيد المنال بالنسبة لنظام كييف في الوقت الحالي، لأنه وفي حال قرر الأوكرانيون الإحتفاظ بأراضيهم بأي ثمن، فسوف يخسرون المزيد من جنودهم على نحو متزايد، وإذا اختاروا الحفاظ على جيشهم، فسيتعين عليهم التخلي عن الأرض للقوات الروسية التي تزحف بشكل قوي في محيط (خاركيف).
- وتشير المعلومات الأولية أن القوات الروسية سيكون باستطاعتها تحقيق تقدم كبير في الشمال الشرقي، وسيستغرق الأمر وقتاً أكثر بقليل لكي يظهر التأثير الإستراتيجي لهذا النصر الروسي في أماكن أخرى من خطوط الجبهة، حيث تشير تحركات الجيش الروسي والقوات الروسية بأن موسكو ستنجح بالسيطرة على منطقة دونباس بأكملها لأن هذا الأمر بات أولوية أعلى لروسيا الإتحادية في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي سيتيح لموسكو إمكانية إبعاد القوات الأوكرانية عن المناطق السكنية الروسية، وشل قدرتها نهائياً على ضرب المناطق المدنية الروسية كما حصل على سبيل المثال في مدينة بيلغوراد الروسية.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية و العالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثل ضابط الإستخبارات الجنرال الأسترالي السابق (ميك رايان)، أنه وبالرغم من كل ما يشاع حالياً عن تقدم القوات العسكرية الروسية في مناطق (خاركيف)، إلا أن هذه القوة الروسية ليست كافية للإستيلاء على مدينة بحجم (خاركيف)، لكن هذه القوات الروسية يمكنها وبسهولة أن تحاصر القوات الأوكرانية التي كلفت بمهمة الدفاع عن مدينة (خاركيف) نظراً لأن تلك القوات الروسية تستعمل مدفعية طويلة المدى، وهو الأمر الذي سيجعل الأسابيع المقبلة صعبة للغاية على القوات الأوكرانية المرابطة بالقرب من (خاركيف).
- فيما يرى خبير عسكري وأمني آخر، هو الخبير الفرنسي الجنرال (أوليفييه كيمبف) أن توغل القوات الروسية في منطقة (خاركيف) هو دليل واضح على ضعف المقاومة الأولية الأوكرانية التي تفتقد حتى لأبسط أنواع الأسلحة والعتاد، فضلاً عن أن قادة القوات الأوكرانية يحاولون تجنب خسارة المزيد من الجنود والضباط في النقاط التي بات يصعب الدفاع عنها مثل مدينة (خاركوف).
- أما من الناحية السياسية وليس من الناحية العسكرية والأمنية، فإن كل ما يجري يشير إلى أن هذه التطورات العسكرية المتسارعة ، تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يهدف إلى تغيير الآراء بعيداً عن القتال بما في ذلك بين حلفاء كييف الغربيين، حيث ينصب اهتمامه على الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة والعودة المحتملة لدونالد ترامب إلى السلطة، الذي ليس لديه اهتمام يذكر بمواصلة المساعدات لأوكرانيا.
- ولذلك، فإن أي انتصار تحققه القوات العسكرية الروسية في (خاركوف) أو في غيرها من مناطق القتال سيؤدي إلى إضعاف نظام كييف، وإضعاف الدعم العسكري والمالي له، وهو ما يعني أن تقهقر القوات الأوكرانية التابعة لنظام كييف الحالي، من شأنه أن يساعد (دونالد ترامب) الذي سيستخدم هذا الأمر كدليل على أن الرئيس الأمريكي (جون بايدين) كان يراهن على الحصان الخطأ، أي كان يراهن على نظام كييف الحالي، وعندها ستتوقف المساعدات نهائياً إلى القوات الأوكرانية.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.